كيف يُنظرُ في واقعها ودورها؟
المكتبات الجامعية بين التمكين المعرفي والتحول الرقمي: قراءة في وعي الأكاديميين وطلبة الدراسات العليا بجامعة نزوى
الورق يحتفظ بروحه والرقمي يكسب السباق: شذرات عن موقع مكتبة جامعة نزوى في تجربة البحث العلمي
بوصفها رافعة للبحث العلمي: أساتذة من جامعة نزوى يؤكدون الدور المحوري للمكتبة الجامعية في دعم طلبة الدراسات العليا
طلبة الدراسات العليا في جامعة نزوى: المكتبة شريك في البحث... لكن الحاجة قائمة إلى تفعيل الوعي بخدماتها الرقمية
مكتب النشر
تلعب المكتبات الجامعية دورًا محوريًا في دعم البحث العلمي وصقل مهارات الطلبة المعرفية، إذ تمثل الجسر الرابط بين المعرفة المتاحة والممارسات الأكاديمية الفاعلة. ومع تطور الخدمات المكتبية لتشمل الموارد الرقمية والورقية على حد سواء، أصبح من الضروري فهم مدى وعي الطلبة بهذه الخدمات وكيفية استثمارهم لها في سياق دراستهم الأكاديمية.
وتشير الملاحظات الأولية إلى تفاوت واضح في مستوى الاطلاع على مكتبة جامعة نزوى بين الطلبة، إذ يتراوح هذا الاطلاع بين البسيط والمتوسط، ويتأثر بشكل مباشر بموضوع البحث واحتياجات الطالب الفردية. فبعض الطلبة يقتصرون على استخدام المكتبة عند الحاجة المباشرة للمراجع، بينما يمتلك آخرون مستوى أعلى من التفاعل مع الموارد الرقمية والورقية. وهذا التفاوت يعكس واقعًا أكاديميًا متكررًا في الجامعات، إذ لا تزال إمكانات المكتبات الرقمية غير مستثمرة بالشكل الأمثل على الرغم من توفرها الواسع.
إن دراسة هذا التفاوت في مستوى الاطلاع ووعي الطلبة بخدمات المكتبة تتيح فهمًا أعمق لاحتياجاتهم البحثية والمعرفية، وتوفر مؤشرات عملية لتطوير البرامج التعليمية والتوعوية التي تعزز من كفاءة الاستفادة من الموارد المكتبية؛ بما يسهم في رفع جودة البحث العلمي وتحقيق أهداف التعليم الجامعي بشكل أكثر فعالية.
الدراسات العليا والمكتبة
وفي زمنٍ يتسارع فيه إنتاج المعرفة، وتتشابك فيه أدوات البحث بين الورقي والرقمي، تظل المكتبات الجامعية القلب النابض للحياة الأكاديمية، ومختبرًا مفتوحًا لتجدد الفكر والإبداع. من هذا المنطلق تقصينا أهمية الدور البارز الذي تضطلع به المكتبة الجامعية وقيمته الحقيقية في خدمة طلبة الدراسات العليا وتطوير دراساتهم البحثية والعلمية. وقد جاءت الإجابات ثريةً، عكست تنوع التخصصات وتكامل الرؤى حول وظيفة المكتبة المعاصرة.
المكتبة مركز معرفي لا مستودع كتب
يرى الأستاذ الدكتور محمد لهلال، أستاذ اللسانيات العصبية المعرفية، أن مكتبة جامعة نزوى مركز معرفي متكامل يسهم في تطوير آليات التفكير الاستراتيجي والإنتاج المعرفي لدى طلبة الدراسات العليا. ويشير إلى أنها ليست مجرد فضاء للقراءة، بل بيئة للتعلم التفاعلي والانخراط في مجتمع المعرفة الرقمي؛ بما توفره من مصادر عالمية محدثة وأدوات رقمية ذات ولوج مفتوح.
وفي السياق ذاته، يصف الدكتور ربيع بن المر الذهلي، أستاذ التربية والدراسات الإنسانية، المكتبة بأنها ركيزة أساسية في بناء البيئة البحثية، وينبغي أن تتجاوز دورها التقليدي إلى أن تكون مركزًا معرفيًا متكاملًا ينمّي مهارات التحليل والنقد لدى الباحثين. فهي، في رأيه، فضاء تفاعلي يربط بين المعرفة التقليدية والرقمية، ويعزز ثقافة البحث التطبيقي في القضايا الوطنية والتنموية، منسجمًا مع تطلعات رؤية عُمان 2040.
أما الدكتور سيف بن ناصر العزري، فيرى أن التحول الرقمي هو مستقبل المكتبات الجامعية، مؤكدًا أن الرقمنة تمثل الطريق الأمثل لمواكبة تسارع الإنتاج العلمي وتوفير أحدث مصادر المعرفة للباحثين.
من جانبه، يشير الأستاذ الدكتور حسين علي آل عبد القادر، عميد الدراسات العليا، إلى أن مكتبة الجامعة تُعد ركيزة أساسية في مسار إثراء المعرفة والإبداع لدى الطلبة والباحثين، مؤكّدًا دورها الحيوي في تدريب الطلبة على استخدام المصادر الحديثة عبر الورش واللقاءات الأكاديمية المستمرة، بالتعاون مع الكليات والمراكز البحثية.
أما الأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم إسماعيل فيصفها بأنها مكوّن أصيل من منظومة التميز في التعليم والتعلم، تسهم بفاعلية في إعداد الباحثين بتوفير قواعد البيانات والمستودعات الرقمية وورش العمل التدريبية. ويضيف أن المكتبة لم تعد مستودعًا للكتب، بل أصبحت موردًا للمعرفة الرقمية تسهم في ترسيخ القيم الأخلاقية في التعامل مع المعلومات.
ويقدّم الأستاذ الدكتور سلام الداوري، من كلية الهندسة والعمارة، رؤية تقنية دقيقة حين يصف المكتبة بأنها بوابة معرفية متقدمة ينبغي أن تتيح وصولًا سلسًا إلى قواعد البيانات المتخصصة ومجموعات البيانات البحثية عالية الجودة، مع تعزيز ثقافة التعامل الاحترافي مع أدوات البحث والاستشهاد الأكاديمي.
التكامل بين الورقي والرقمي: وعي بحثي لا ازدواجية
تتفق آراء الأكاديميين على أن الجمع بين المصادر الورقية والرقمية هو الخيار الأمثل لطلبة الدراسات العليا، شريطة أن يتم بمنهجية واعية ومصداقية علمية.
الدكتور لهلال يشدّد على أهمية التوازن بين المصدرين لما يحققه الورقي من تركيز معرفي، وما يتيحه الرقمي من انفتاح عالمي وسرعة وصول، في حين يرى الدكتور الذهلي أن الورقي يظل ذا قيمة في المجالات الإنسانية والتربوية، بينما يتيح الرقمي إمكانات أوسع للأبحاث التطبيقية.
أما الدكتور العزري فيتوقع أن يغدو المرجع الرقمي هو المصدر الغالب في المستقبل الأكاديمي، فيما يوجّه الدكتور آل عبد القادر الطلبة إلى الاستخدام الأمثل لموارد المكتبة الورقية والرقمية معًا عبر التحديث المستمر وقواعد البيانات المفتوحة.
ويضيف الدكتور سلام الداوري بعدًا تقنيًا متقدمًا، داعيًا إلى استخدام أدوات إدارة المراجع الإلكترونية مثل: Zotero وMendeley؛ لضمان تنظيم الاستشهادات العلمية وربطها بمعرّفات رقمية ثابتة (DOI) بما يرفع من جودة التوثيق والبحث العلمي.
نحو مكتبة ذكية ومركز معرفي مستقبلي
تلتقي تطلعات الأساتذة عند تصور مكتبة المستقبل بوصفها مركزًا بحثيًا رقميًا متكاملًا، يحتضن الإبداع ويوظف الذكاء الاصطناعي لخدمة الباحثين.
يدعو الدكتور لهلال إلى تطوير مكتبي ذكي يربط بين البحث النظري والتطبيقي، ويفتح آفاق التعاون مع المحيط المجتمعي والاقتصادي، فيما يتطلع الدكتور الذهلي إلى منصة إلكترونية ذكية تتيح الوصول إلى المصادر المحلية والعالمية وتدعم النشر العلمي بالتعاون مع مكتبات ومراكز بحث دولية.
أما الدكتور العزري فيؤكد أهمية زيادة الاشتراكات في المستودعات الرقمية ودمج المكتبة في المقررات الجامعية لتكون شريكًا فاعلًا في عملية التعلم. ويطرح الدكتور آل عبد القادر تصورًا عمليًا متكاملًا يشمل:
-
توفير تراخيص لبرامج التحليل العلمي مثل SPSS + NVivo
-
ورش دعم للبحث والنشر العلمي.
-
ركن للابتكار والمعرفة لدعم المشاريع الطلابية.
-
بيئة دراسية جاذبة وهادئة.
في حين يشير الدكتور محمد عبد المنعم إلى تلك النقلة المتوقعة مع انتقال الجامعة إلى الحرم الجديد، الذي سيشهد إنشاء مختبر الواقع الافتراضي، وقاعة للمصادر العُمانية، وركنا للباحثين والأساتذة، في دلالة على وعي الجامعة بأهمية البنية المكانية والمعرفية في آن واحد.
أما الدكتور سلام الداوري فيذهب أبعد من ذلك، مقترحًا أن تتحول المكتبة إلى مركزا لإدارة البيانات البحثية والأرشفة الرقمية الذكية، مع تقديم استشارات علمية في اختيار المجلات، ودعم حضور الباحثين في المنصات الأكاديمية العالمية.
المكتبة عقل الجامعة الحي
تكشف آراء الأكاديميين عن تحول جوهري في مفهوم المكتبة الجامعية؛ من كونها مكانًا لحفظ الكتب إلى فضاء معرفي ذكي يدعم التفكير النقدي والإنتاج العلمي، ويستثمر الذكاء الاصطناعي في خدمة الطالب والباحث. وهذا التحول يتناغم مع طموحات جامعة نزوى في أن تكون رائدة في التعليم والبحث والابتكار، ومع روح رؤية عُمان 2040 التي تجعل من المعرفة أساسًا للتنمية المستدامة؛ فالمكتبة اليوم ليست جدارًا من الكتب، بل جسرٌ بين الورق والرقم، بين الإنسان والمعرفة، وبين الجامعة والعالم.
المكتبة الجامعية والباحثون
وفي خضم الحراك البحثي المتنامي في جامعة نزوى، وتكامل الجهود بين الكليات والبرامج العليا، تظل مكتبة الجامعة مكوّنًا جوهريًا في بناء التجربة الأكاديمية للطلبة، لا سيما أولئك الذين يخوضون غمار الدراسات العليا.
ولقياس هذا الدور من منظورهم، بحثنا مع مجموعة من مخرجات الدراسات العليا في جامعة نزوى من تخصصات مختلفة، في مدى استفادتهم من خدمات المكتبة الورقية والرقمية، وأنماط استخدامهم لها، وتفضيلاتهم بين القراءة على الورق أو عبر الوسائط الرقمية. وقد كشفت النتائج عن صورة واقعية متوازنة بين الإقبال المحدود نسبيًا على خدمات المكتبة وبين إدراك الطلبة لقيمتها العلمية وقدرتها على دعم مسارهم البحثي.
اطلاع متفاوت... ووعي قيد التشكّل
تظهر إجابات الطلبة أن مستوى الاطلاع على خدمات مكتبة جامعة نزوى يتراوح بين البسيط والمتوسط. يقول إبراهيم النوفلي إن اطلاعه على المكتبة ليس كثيرًا، في حين تصف أروى التوبية علاقتها بها بأنها متوسطة، أما رقية اليحيائية فتقرّ بأن اطلاعها بسيط، وتذكر نسيبة اليعربية أن تعاملها مع المكتبة مرتبط بموضوع بحثها للماجستير.
ويعكس ذلك واقعًا مألوفًا في الجامعات، إذ تظل خدمات المكتبات الرقمية تحديدًا غير مستثمرة بالقدر الكافي من قبل الطلبة، على الرغم من توفرها الواسع. ويؤكد هذا الانطباع أيضًا عبد المجيد آل ثاني وداود العمري اللذان أشارا إلى أن استخدامهما للمكتبة يقتصر على أوقات متفرقة أو عند الحاجة المباشرة للمراجع؛ مما يدل على أن وعي الطلبة بخدمات المكتبة لا يزال في طور التشكّل ويحتاج إلى مزيد من التمكين والتشجيع.
استخدام متقطع... ومرونة زمنية في الرجوع إلى المصادر
تكشف إجابات الطلبة عن غياب انتظام واضح في الاستفادة من مصادر المكتبة؛ فالنوفلي يرجع إليها متى ما دعت الحاجة، ونسيبة اليعربية تفعل ذلك أكثر من مرة في الشهر؛ تبعًا لتقدمها في البحث، فيما يزور العمري المكتبة مرتين في الشهر.
وتخصص أروى التوبية يومًا واحدًا في الأسبوع؛ للاطلاع على المصادر، بينما تحدد رقية اليحيائية يومين في الشهر.
وتشير هذه المعطيات إلى أن علاقة الباحث بالمكتبة لا تزال علاقة ظرفية وليست جزءًا من منظومة بحثية مستمرة؛ مما يعكس الحاجة إلى تعزيز ثقافة البحث المستدام عبر برامج إرشادية وتدريبية ترفع من الوعي بأهمية المكتبة في كل مراحل إعداد البحث.
بين الورق والشاشة: ازدواجية واعية في التفضيل
تظهر نتائج الاستطلاع أن معظم طلبة الدراسات العليا يمارسون ازدواجية واعية في تفضيلهم واختياراتهم بين المصادر الورقية والرقمية تبعًا لطبيعة نشاطهم البحثي.
يقول إبراهيم النوفلي: "إن القراءة الورقية تمنحه أريحية للعين وقدرة على التركيز وتدوين الملاحظات؛ بينما يفضل البحث الرقمي لما يتيحه من سرعة وصول وسهولة تعامل مع النصوص". ويؤكد عبد المجيد آل ثاني التوجه ذاته، معتبرًا أن المرجع الورقي أريح للعين، في حين المرجع الرقمي أدق في النتائج. أما نسيبة اليعربية فاختارت المصادر الرقمية؛ وذلك نظرًا لكونها تقيم بعيدًا عن الجامعة؛ مما يجعل الوصول الإلكتروني هو الحل الأمثل.
وتتفق معها كل من أروى التوبية ورقية اليحيائية وداود العمري في تفضيل الوسائط الرقمية؛ لسهولة الوصول وإمكانية القراءة من أي مكان. وهذا التوجه يعكس تحولًا تدريجيًا نحو مشروع الرقمنة، إذ تفرضه طبيعة الدراسات المعاصرة ومتطلبات المرونة البحثية، مع بقاء الكتاب الورقي محتفظًا بقيمته الوجدانية والمعرفية لدى كثير من الطلبة.
صوت الطلبة: المكتبة موردٌ مهم يحتاج إلى تفعيل أكبر
تكشف آراء الطلبة عن تقدير متزايد لأهمية المكتبة الجامعية بوصفها مصدرًا غنيًا للمراجع، غير أن هذا التقدير لم يتحول بعد إلى ممارسة دائمة ومنتظمة. فالاطلاع المتقطع والاستخدام المحدود يشيران إلى فجوة يمكن ردمها بتكثيف ورش الإرشاد المكتبي وتوسيع قنوات التواصل مع الطلبة إلكترونيًا؛ بما يعزز استفادتهم من قواعد البيانات والكتب الرقمية والأطروحات المتاحة عبر المنصات الجامعية.
ويمكن لمكتبة جامعة نزوى، في ضوء هذه الملاحظات، أن تطور خطة تفاعلية موجهة لطلبة الدراسات العليا تشمل:
-
تدريبًا عمليًا على مهارات البحث في المستودعات الرقمية.
-
نشرًا دوريًا لأبرز المصادر الجديدة في كل تخصص.
-
دعم الطلبة في تنظيم المراجع باستخدام أدوات رقمية حديثة.
-
تعزيز التواصل بين المكتبة ومشرفي الرسائل الجامعية لتوجيه الطلبة إلى المصادر المناسبة.
من الاطلاع إلى الاندماج
تؤكد هذه المخرجات أن طلبة الدراسات العليا في جامعة نزوى يدركون قيمة المكتبة الجامعية، لكنهم لا يزالون في طور الانتقال من الاطلاع المحدود إلى الاندماج الكامل في بيئتها الرقمية والمعرفية. وهنا تكمن المهمة الكبرى للمكتبة: أن تتحول من مكان يُزار عند الحاجة إلى فضاء دائم للتعلّم والاكتشاف؛ ففي زمن المعرفة السريعة والتنافس البحثي، لا يكفي أن تكون المكتبة متاحة، بل ينبغي أن تكون مُلهِمة ومُحفّزة، تفتح للباحثين أفقًا جديدًا في التفكير والإنتاج العلمي.