السنة 20 العدد 194
2025/11/01

حين يتحوّل الحضور الإبداعي إلى ضوءٍ يكتب المكان

زهران القاسمي… شاعر الماء وسارد الذاكرة: قراءة في رؤيته ومساراته الإبداعية

 

 

حوار: أمل القرنية

 

 

في أعقاب جلسة أدبية احتضنتها جامعة نزوى، بدا الروائي والشاعر العُماني زهران القاسمي جزءًا من المشهد الثقافي لا ضيفاً عليه؛ هادئًا، متّسقًا مع المكان، وكأنّ اللغة ذاتها تُصغي إليه قبل أن ينطق. كان اللقاء معه أقرب إلى رحلة في ذاكرةٍ تتنفس الشعر وتفيض بالحكاية، لا إلى حوار صحفي عابر.

 

البدايات الشعرية… صوت يتشكّل من الداخل

يقدّم القاسمي ذاته عبر بوابة الشعر، باعتباره الفضاء الذي صاغ وعيه الأول باللغة. فقد بدأ الكتابة – كما يشير – بحثًا عن حوار داخلي، لا سعياً إلى نشر أو حضور. كان الشعر نافذته إلى الفهم، ووسيلته لالتقاط معنى العالم من حوله. وحين انتقل إلى الرواية، حمل القصيدة معه كروحٍ موازية، تمنحه الموسيقى الداخلية التي تظلّ تسري في نصوصه السردية حتى اليوم.

 

الماء… الرمز الوجودي الذي يعبر نصوصه

لا يمكن الحديث عن تجربة القاسمي من دون المرور بالماء الذي يحتل مركزًا جوهريًا في أعماله. فهو يرى الماء كائنًا روحيًا لا عنصرًا طبيعيًا فقط؛ ذاكرة المكان الأولى وروح عُمان في تربتها ووديانها. هذا الحضور العميق للماء في نصوصه ينبع من رؤيته له بوصفه رمزًا للتجدّد والانسياب والنقاء؛ مما جعله جزءًا من لغته ومفتاحًا لتأويل عالمه الروائي.

 

الكتابة بعد الجائزة… معنى يتجاوز الاحتفاء

على الرغم من حصوله على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، يؤكد القاسمي أنّ القيمة الحقيقية للكتابة تكمن في وصول النص إلى القارئ، وفي قدرته على أن يشعر أنّ الحكاية تمسّه. فالنص عنده ليس سباقًا نحو الضوء، بل بحثٌ عن معنى الإنسان، وعن أسئلة الوجود التي تقود الكاتب قبل أن تقود القارئ.

 

لغة تتنفس… السرد شراكة بين الكاتب والكلمة

في حديثه عن لغته، يصف القاسمي الكتابة بأنها علاقة حيّة مع الكلمات؛ فاللغة لديه كائنٌ له أنفاسه الخاصة. أحياناً يقودها وأحياناً تنقله هي نحو ما لا يعرف. هذه النظرة تمنحه قدرة على مزج السرد بالأسطورة، والواقع بالحلم، والخبرة الشخصية بذاكرة المكان.

 

المشهد الأدبي العُماني… لحظة نضج وهدوء خلاق

يرى القاسمي أنّ الأدب العُماني يعيش مرحلة ناضجة، تتشكل فيها كتابات جيل يكتب بصدق وبلا ضجيج. ويؤمن أنّ ما يحتاجه هذا المشهد هو استمرار التجربة وثقة الكاتب بأن الكلمة الصادقة قادرة على شق طريقها، مهما كان الطريق طويلاً.

 

خاتمة… الكتابة بوصفها فعل بقاء

قبل انتهاء اللقاء، لخّص القاسمي رؤيته في جملة تبدو كأنها خلاصة تجربته الإبداعية: "أكتب لأن الكتابة هي طريقتي في الفهم، وفي مقاومة العدم، وفي أن أقول للحياة: أنا هنا". كان الصمت الذي أعقبها أشبه بعودة الماء إلى مجراه الأول؛ هادئًا، عميقًا، وممتلئًا بما لا يُقال.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة