ذاكرة الأروقة رحلة خرّيج …
صرح الشامخ أو رياض خصبة للعربية بفنونها الساحرة: نقدًا يحلل كنوزها، ونحوًا يرسم بنيانها، وأدبًا عريقًا وحديثًا يروي قصصها
يقول: احتضنتني ذكرياتٍ دافئة ومواقفَ لا تُنسى، أُعيد حكايتها لأبنائي بشوق.
تحرير- عــزا الحبسية
في رحاب شامخة، وعلى أعتاب صرحٍ علمي عريق ترسّخت فيه جذور المعرفة، جامعة نزوى الأبية، نلتقي اليوم بفيضٍ من ذكرياتٍ عبقة، وبشعلةِ طموحٍ أضاءت دروب المستقبل. نستضيف بين سطورنا قامةً باسقة، ارتوت من معين هذه الجامعة الغراء، وحملت مشاعل العلم والمعرفة لتنير بها مسارات حياتها ومجتمعها.
ها هو خريجٌ من خريجي جامعة نزوى، يعود بنا بذاكرته إلى تلك الأيام الخوالي، حيث كانت أروقة الجامعة مسرحًا للأحلام، ومقاعد الدراسة منبرًا للتفكر والتدبر. نستنطقه اليوم عن رحلته الأكاديمية، عن التحديات التي واجهته، واللحظات التي نقشت في ذاكرته أجمل الذكريات.
أهلًا وسهلًا بضيفنا الكريم، وخريجنا العزيز من جامعة نزوى.
بداية هل لك أن تعرفنا بنفسك ونشأتك؟
أنا الدكتور إسماعيل بن مبارك بن سالم العجمي، ابن ولاية المصنعة الوادعة في ربوع محافظة جنوب الباطنة. أرتدي عباءة المعلم في وزارة التربية والتعليم، وأحمل في جعبتي شهادات علمية أعتز بها: دكتوراة نلتها من جامعة الجنان في لبنان عام 2023م، وماجستير بتفوقٍ باهر من جامعة نزوى عام 2013م، وبكالوريوس بمرتبة الامتياز من جامعة السلطان قابوس عام 2007م.
نشأت وترعرعت في كنف أسرةٍ عريقةٍ في ميدان التربية، فكانت بيئتي الأولى مشبعةً بنور العلم وقيم الأخلاق. تعلمت من والدي، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، معنى الكفاح والإصرار، واستقيت من معين حكمته دروسًا قيمةً نقشت في ذاكرتي. أما والدتي الغالية، حفظها الله ورعاها، فهي معلمتي الأولى في هذه الحياة، من نورها استضأت دروبي، ومن عطفها ارتويت حنانًا.
ولإخوتي وأخواتي جميعًا فضلٌ عظيم في مسيرتي التعليمية، إذ كانوا لي سندًا وعونًا في دروب العلم والمعرفة. ولله الحمد والمنة، كانت مسيرتي الدراسية مُكللةً بالتفوق، إذ حصدت المراتب الأولى في مراحل التعليم المختلفة، فكان ذلك بمثابة البشارة التي تُنذر بمستقبلٍ مشرقٍ حافلٍ بالإنجازات.
متى التحقت بجامعة نزوى؟
في عام 2010م، وبينما كانت آمالي تتوق إلى معانقة سماء العلم الأوسع، وصلتني همسات الأصدقاء عن جامعة نزوى، ذلك الصرح الشامخ الذي يحتضن بين جنباته رياضًا خصبة للغة العربية بفنونها الساحرة؛ نقدًا يحلل كنوزها، ونحوًا يرسم بنيانها، وأدبًا عريقًا وحديثًا يروي قصصها.
لم تتردد خطاي، بل سارت مدفوعة بطموح دفين ورغبة صادقة في إكمال مسيرتي الأكاديمية والارتقاء إلى مدارج الماجستير. ففي تلك الربوع الأبية، وجدت ضالتي، ومحطًا يليق بشغفي للغة الضاد وجمالياتها.
كيف كانت رحلتُك في جامعة نزوى حتى تخرجُك فيها؟
في رحاب جامعة نزوى، استقبلني أساتذة النقد الأدبي بحفاوة. بدأت رحلة الماجستير بتفوق في الفصل الأول. أذكر يومي الدراسة المكثفين، الأربعاء والخميس، ومحاضرات د. محمد زروق، د. محمد الشحات، ود. أحمد حالو رحمه الله. في الفصل الثاني، درست مع د. محمد دقة، د. عبد المجيد بنجلالي، ود. سعيد الزبيدي، وأتممت المواد صيفًا. في السنة الثانية، بدأت التفكير في مشروع الرسالة بعد إتمام المادة الأخيرة. كانت تلك بداياتي في رحلة الماجستير.
اذكر بعض الصعوبات إن وجدت أو الأصح بعض التحديات منها؟
وسط ضغط المهام، كان تفريغي للدراسة جزئيًا، أربعة أيام للتدريس ويومين للماجستير، ويوم إجازة واحد قد يمتد للعمل أحيانًا. رغم صعوبة التنقل الطويل لظروفي الصحية، عوضتني صداقات متينة نشأت مع زملائي، ولن أنسَ دعمهم. واجهت صعوبة في اختيار برنامج الماجستير، لكني أخذت بنصيحة أ. د سعيد الزبيدي باختيار الرسالة، التي كانت وساما رقراقا على صدري. إذ تناولت رسالتي "الحوار في الرواية العمانية"، وواجهت تحديًا برحيل المشرف الأول، لكن د. محمود الصقري و أ. د عبد المجيد بنجلالي قدما لي الدعم. وبفضل الاجتهاد، تجاوزت العقبات وأنجزت الرسالة في وقت وجيز.
ماذا أضافت لك جامعة نزوى إلى جانب البعدين الأكاديمي التعليمي؟
لقد وسّعت مداركي ومنحتني آفاقًا اجتماعية أرحب، بفضل التفاعل مع أطيافٍ متنوعة من الناس.
استرجع معنا ذكرياتك في الجامعة على مدار أعوام الدراسة: الأساتذة والمناهج وطلبة العلم والفصول الدراسية وغير ذلك من ذكريات؟
رغم مرور عقدٍ من الزمان على مغادرتي أسوار الجامعة، لا تزال تفاصيلها حاضرةً في ذهني كأنها بالأمس. ما زلت أستحضر صورة ركن الحاسب الآلي بجوار المصلى، وأتذكر مكتبة الجامعة وتعاملهم السامي. ويبقى قسم اللغة العربية نبضًا خاصًا في ذاكرتي.
لي في تلك الربوع ذكرياتٌ عذبة لا يطالها النسيان، خاصةً يوم مناقشة رسالة الماجستير، الذي أضاءه وجود زوجتي الغالية بجانبي، ومساندة أعضاء لجنة المناقشة الكرام: د. ثابت الألوسي، ود. أحمد حالو، والممتحن الخارجي د. محسن الكندي.
ولا أغفل أبدًا وقوف والدي الحبيب، رحمه الله، في تلك الفترة، وتوجيهات والدتي الغالية ومساندة إخوتي وأخواتي وزوجتي. ولأصدقائي الأوفياء فضلٌ لا يُنكر في تلك المرحلة المهمة من حياتي.
بالطبع يراودك الحنين إلى الجامعة، صفْ لنا هذه المشاعر الجياشة؟!
في كل زاوية من زوايا الجامعة، من بوابتها التي استقبلت خطواتي الأولى إلى قاعات قسم اللغة العربية حيث نهلت العلم، تحتضن ذكرياتٍ دافئة ومواقفَ لا تُنسى، أُعيد حكايتها لأبنائي بشوقٍ كلما سنحت الفرصة.
كيف علاقتُك بالجامعة حاليًا؟
ما زلت أربط الماضي بالحاضر عبر خيوط التواصل مع بعض العاملين ورفاق مقاعد الماجستير في الجامعة. أما الأساتذة الأجلاء، فما انقطع حبل الود مع أغلبهم، سواء بقوا في صرح العلم أم خارجه. وتقديرٍا لِفضل جامعة نزوى العظيم، أرسلت نسخة من باكورة إنتاجي "اتجاهات الرواية العمانية" إليها. ويحدوني أملٌ في مستقبلٍ يزدهر فيه التعاون المثمر على صعيد البحوث والفعاليات الأدبية بيننا.
هل لك أن تحدثنا عن مشاركاتك البحثية والعلمية؟
لمسيرتي العلمية شواهد عديدة، منها نشرُ بحوثٍ مُحكمةٍ تُعنى بالرواية العمانية، ومشاركتي مؤخرًا في محفل جامعة صحار العلمي، فضلًا عن حضوري وإسهاماتي في مؤتمرات دولية أدبية وعلمية. أيضا كان لي حضورٌ في أروقة معرض الكتاب الدولي وأثير الإذاعة.
ما نصيحتك لطلبة العلم في الجامعة؟
يبقى شغف العلم والمعرفة نبراسًا لا يخبو، والمثابرة زادُ الدرب في مسيرة التعلم التي لا تعرف حدودًا لعمر. بالجهد والاجتهاد والصبر وحدهما، تُزهر ثمار هذا السعي المبارك.
وفي ختام هذا اللقاء العابق بعبير الذكريات وشذا الطموحات، نودع ضيفنا الكريم، وخريج جامعة نزوى النبيل، بقلوبٍ مُمتنة وعقولٍ مُستنيرة. لقد أبحَرنا معه في سفينة الذاكرة، ورسونا على شواطئ أيام الجامعة الجميلة، واستمعنا إلى حكايته الملهمة التي تُجسد قيمة العلم والاجتهاد، وأثر جامعة نزوى العميق في صقل الشخصيات وبناء المستقبل.
إلى لقاءات أخرى تحمل في طياتها قصص نجاح وإلهام من خريجي هذا الصرح العظيم.