السنة 20 العدد 188
2025/04/01

إرث حضاري كبير أسهم في توجيه نشأته الفنية…

فنان بمرتبة أسلوب حياة: بالتجربة والبحث والتعليم، قدّم مكتسبات أفادت شرائح عديدة من المهتمين

 

 

 

 

وُلد الدكتور هاني فاروق ونشأ في مدينة الإسكندرية في جمهورية مصر العربية ضمن أسرة تقدّر الفن والعلم، إذ كانت والدته معلمة موسيقى، مما ساعد على تنمية حسه الفني منذ الصغر. في مصر، حيث يزدهر الفن والثقافة منذ آلاف السنين، كان لهذا الإرث الحضاري تأثير كبير على نشأته وتوجهه الفني. أكمل تعليمه في المدارس المصرية حتى حصل على الثانوية العامة، ثم التحق بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، إذ بدأ رحلته الأكاديمية التي استمرت حتى حصوله على درجة الأستاذية. في دراسته، التقى بزميلته التي أصبحت شريكة حياته، فجمعهما الحب المشترك للفن والتعليم. معًا، مارسا الفن وعاشا في منزل مليء بالأعمال الفنية التي أبدعاها بنفسيهما؛ مما جعل بيئتهما انعكاسًا حقيقيًا لشغفهما وإبداعهما، مستلهمين من تاريخ مصر العريق وروحها الفنية الخالدة.

اقتربت منه صحيفة "إشراقة" أكثر ليكون شخصية عددها هذا؛ فكان الحوار الآتي:

 

مسار تعليمي

 

بدأ د.هاني مساره التعليمي في الإسكندرية، حيث حصل على الثانوية العامة المصرية. ثم التحق بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، التي تقع في الزمالك، وحصل على درجة البكالوريوس وكان من أوائل الدفعة بتقدير ممتاز. بعد تخرجه عيّن معيدًا في الكلية، ثم جمع بين التدريس و الدراسة في نفس الجامعة، ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه، ثم نال درجة الأستاذية في جامعة حلوان، مستمرًا في مسيرته الأكاديمية .

 

تكوين بحثي والأكاديمي 

 

منذ عام 1994، كرّس د.هاني حياته للأكاديميا، إذ امتدّت خبرته في التدريس بين مصر وسلطنة عمان، مما منحه رؤية واسعة عن التعليم الفني في سياقات ثقافية مختلفة. لم يقتصر دوره على التدريس فحسب، بل كان شغوفًا أيضًا بالبحث العلمي والمعارض الفنية، إدراكًا منه لأهميتهما في تطوير المجال الأكاديمي والفني. وفي تلك السنوات، كتب ونشر العديد من الأبحاث في مجال التربية الفنية والخزف، سواء مؤلفا منفردا أم بالتعاون مع طلبته، إذ كان يحرص على توجيههم وإرشادهم في رحلتهم التعليمية، ساعيًا إلى تنمية قدراتهم البحثية وتعزيز إبداعهم. يرى هاني أن التفاعل بين البحث والتعليم هو جوهر التقدم الأكاديمي؛ لذلك كان دائم السعي للجمع بينهما، مؤمنًا أنّ المعرفة لا تكتمل إلا بالممارسة المستمرة والتجريب العلمي المدروس.

 

أبرز البصمات والذكريات

 

منذ انضمامه إلى جامعة نزوى في عام 2012، ترك د.هاني بصمة واضحة في كلية العلوم والآداب، وتحديدًا في قسم التربية والعلوم الإنسانية. على مدار الأعوام الماضية، أشرف على العديد من مشاريع التخرج، وأسهم في تخريج دفعات من الطلبة الذين أصبحوا اليوم معلمي فنون يسهمون في نشر الثقافة البصرية وتعزيز الإبداع في المجتمع. ولم يقتصر دوره على التدريس فقط، بل كان جزءًا فعالًا في تنظيم المعارض الفنية المحلية والدولية، إذ عمل مع الطلبة على تطوير رؤاهم الفنية وعرض أعمالهم للجمهور. أيضا كان له دور بارز في الإشراف والتنفيذ لتركيبات نحتية فنية حضرية داخل الحرم الجامعي؛ مما أسهم في تحويل المساحات الجامعية إلى بيئة ملهمة تعبّر عن الإبداع والتجربة الفنية. وهذه الإنجازات لم تكن مجرد أنشطة أكاديمية، بل كانت امتدادًا لرؤيته في ربط الفن بالمجتمع وتعزيز التجربة الجمالية لدى الطلبة وبسواعد الطلبة.

 

من أجل العلم والعمل 

 

يمكن للقارئ العثور على أبرز إنجازاتي العلمية والعملية من طريق مجموعة من الأنشطة التي كان لها أثر ملموس في المجال الأكاديمي والفني. فقد حصل الدكتور هاني فاروق عامر على الجائزة الأولى للمقيمين في مسابقة القطعة الصغيرة عام 2015؛ تقديرًا لإبداعه وتميزه في مجال النحت الخزفي. ونال الجائزة الأولى في المسابقة الدولية التي نظمتها الجمعية العمانية للفنون التشكيلية عام 2017؛ تأكيدًا لإسهاماته وأعماله المتميزة في الخزفية.

 

يقول: "أنشأت العديد من الورش الفنية التي استهدفت المجتمع؛ بهدف نشر الوعي الفني وتعزيز الإبداع بين مختلف الفئات. وأشرفت على العديد من الأبحاث العلمية الأكاديمية التي تميزت بجودتها، إذ حصدت سبع جوائز لصالح جامعة نزوى في مؤتمرات الطلابية دولية؛ مما يعكس أهمية البحث العلمي في تطوير التربية الفنية. إلى جانب ذلك، نظّمت وشاركت في معارض فنية في مصر، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان؛ مما أتاح لي فرصة تبادل الخبرات الفنية والثقافية مع مجتمعات مختلفة، وأسهمت في إثراء المشهد الفني في هذه الدول. وهذه الإنجازات تمثل جزءًا من رحلتي الأكاديمية والفنية، التي أسعى منها إلى الإسهام في تطوير الفنون والتعليم الفني".

 

 

رسالة ومُعين

 

يؤمن الدكتور هاني بأن العلم والفن كلاهما رحلة مستمرة لا تتوقف عند حدود المعرفة المكتسبة، بل تمتد إلى الإبداع والتجربة والتطوير المستمر. فَرسالته في سبيل العلم والعمل تقوم على الإخلاص في البحث، والالتزام بنقل المعرفة، وتحفيز الأجيال القادمة على التفكير النقدي والإبداعي. ويؤمن بأن التعليم لا يقتصر على قاعات الدراسة، بل يمتد إلى المجتمع من طرق البحث، والممارسة، والمشاركة الفعالة؛ لذا يسعى دائمًا إلى ترسيخ قيم الشغف، والابتكار، والتعاون، لأنه يؤمن بأن التقدم الحقيقي يأتي عندما نجمع بين المعرفة والتطبيق، وبين التعلم والتعليم، وبين الفرد والمجتمع.

 

بين نقاط القوة والضعف

 

يقول الدكتور هاني في كيفية تعامله مع مواطن القوة لديه وجوانب الضعف: "أؤمن بأن التعامل مع نقاط القوة ونقاط الضعف يتطلب التوازن والصبر. فأنا أستثمر نقاط قوتي، مثل الخبرة الأكاديمية والفنية، في تطوير أسلوبي في التدريس والإبداع، ومشاركة المعرفة مع الآخرين. أما نقاط الضعف، فأراها فرصًا للتعلم والتطور، وأتعامل معها بالصبر والتأمل، محاولًا تحسينها بالاستمرار في البحث والتجربة. أما الصبر فهو مفتاح التقدم، فمنه يمكن للإنسان تجاوز التحديات وتحويلها إلى محطات للنمو. وأيضا أجدني أحرص على الاستماع إلى النقد البناء؛ لأنه يساعدني في إعادة تقييم مساري وتعزيز مهاراتي باستمرار".

 

ختمنا لقاءنا مع ضيفنا الكريم بطرحنا عليه هذا السؤال: ما توجيهكم لنقل طلبة العلم نقلة نوعية كبيرة في مختلف التخصصات؛ وذلك في ظل الانفجار المعرفي والتدفق المعلوماتي الهائل، إذ يعد ذلك سلاحا ذا حدين؟

فأجاب عنه:

 

في ظل الانفجار المعرفي والتدفق المعلوماتي الهائل، أصبح من الضروري توجيه طلبة العلم للاستفادة من هذه الثورة المعلوماتية بطريقة فعالة وإيجابية؛ لتحقيق نقلة نوعية في مختلف التخصصات، ويجب التركيز على دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية، ليس فقط كمصدر للمعلومات، ولكن أداة لتعزيز التفاعل والإبداع. إلى جانب أن تنظيم ورش العمل العملية يتيح للطلبة فرصة تطبيق المعرفة المكتسبة وتجريبها في بيئات حقيقية؛ مما يعزز مهاراتهم النقدية والتحليلية. إلى جانب ذلك، تظل الممارسة والتجربة المباشرة من أهم أساليب التعلم العميق، إذ تعين على ترسيخ الفهم وتحفيز الابتكار. والتوازن بين المعرفة الرقمية والتطبيق العملي هو المفتاح لصقل مهارات الطلبة وجعلهم قادرين على مواجهة تحديات المستقبل بوعي وإبداع.

إرسال تعليق عن هذه المقالة