السنة 20 العدد 188
2025/04/01

الوظائف التنفيذية للدماغ

Executive Functions of the brain

 

 

إعداد: د. عبدالفتاح الخواجه / جامعة نزوى/ أستاذ مشارك - قسم التربية والدراسات الإنسانية/ كلية العلوم والآداب

 

 

 تختلف المصطلحات التي جاءت لترجمة هذا المصطلح (Executive Functions) إلى اللغة العربية؛ فهناك من يطلق عليها (الوظائف التنفيذية) دون ذكر ارتباطها بالدماغ، ولربما هذا يؤثر على فهم القارئ العادي ليفهم على أنها؛ الوظائف التنفيذية الواردة في علم الإدارة وإدارة الموارد البشرية كالوظائف القيادية التي تعنى بتنظيم وتنسيق الإمكانات المادية والبشرية لتحقيق أهداف المؤسسة، في حين أن هذا ليس المقصود بها، خاصة وأنها نظام لإدارة العقل The mind's management system تلعب دورًا محوريًا في حياة الأفراد، إذ توجه قدرتهم على التخطيط والتنظيم وإدارة الوقت وتنظيم العواطف وحل المشكلات بشكل فعال. 

 

وقد حدد باركلي Barkley الوظائف التنفيذية للدماغ على أنها الحقول المعرفية التي تتحكم بغيرها من العمليات المعرفية الأخرى، وأنها ليست مفهوما موحدا؛ ولكنها تصور لمفهوم واسع من الوظائف المشكلة لمنطقة في الدماغ تتحكم في المعرفة والسلوك الإنساني. ويعد كتاب Handbook of Executive Functioning مرجعا من المراجع المهمة التي تناولت هذا المصطلح وفقا لنظريات متعددة، إذ يشير منه إلى أن الفصوص الجبهية هي "الجهاز المنظم" أو "الجهاز التنفيذي" الذي يتحكم في أداء الدماغ.

 

كما بين "لوريا" أحد المنظرين في هذا المجال إلى أن الوظائف التنفيذية للدماغ تشير إلى عدد من العمليات الذهنية التي تتيح للأفراد استخدام التفكير للتحكم في السلوك وأداء أنشطة معقدة تشمل التخطيط والتنظيم ووضع الاستراتيجيات، وضبط الانتباه والإبقاء عليه، والتحكم في الذات؛ ومن هنا فَالأفراد الذين يعانون من خلل في الوظائف التنفيذية، سواء كان نتيجة لنموٍ غير طبيعي أم لحادث ما يحتفظون بذاكرتهم وقدرتهم على التعلم واستعمال المهارات التعليمية المختلفة، لكنهم يبذلون مجهودا مضنيا؛ أي استخدام ما يعرفونه بشكل فعال، وغالبا ما يتسمون بعدم التناسق، وعدم القدرة على التنبؤ، كما يفتقرون إلى القدرة على التحكم في ذواتهم، والتخطيط وتنظيم وتتبع أوقاتهم، وتقييم سلوكهم، والتفاعل مع الآخرين بالطريقة المناسبة، أي أنهم يواجهون صعوبات في العديد من الجوانب الأساسية والمهمة في حياتهم.

 

وتم التوصل إلى التعريفات الآتية لمصطلح الوظائف التنفيذية للدماغ؛ "مجموعة مختلفة من العمليات المعرفية المفترضة، وتشمل التخطيط والذاكرة العاملة والانتباه والكف أو التثبيط والمراقبة الذاتية والتنظيم الذاتي والشروع في التنفيذ، التي يتم تنفيذها من قبل المناطق القشرية بالفصوص الجبهية للدماغ"، كما عرفها بننكتون واوزونوف  (Pennington & Ozonoff) بأنها "القدرة على الاحتفاظ بعدة حلول مناسبة لمشكلة ما تتعلق بتحقيق هدف مستقبلي، التي تتضمن واحدة أو أكثر من الآتي؛ وجود نية لكف الاستجابة أو تأجيلها إلى أنسب وقت لها، ثم وضع خطة استراتيجية لتسلسل إجراءات العمل، والتمثيل العقلي للمهمة وتشفير المعلومات ذات الصلة بالمهمة في الذاكرة والرغبة في تحقيق هدف مستقبلي". كما عرفتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس (American Psychological Association) بأنها: عمليات معرفية عليا للتخطيط، وصنع القرار، وحل المشكلة، وسلسلة الإجراءات، والأداء المنظم للمهمة، والمثابرة لتحقيق الهدف، وإيقاف الدوافع المتنافسة، والمرونة في اختيار الهدف وحل الصراع المتعلق به، وهذا باستخدام اللغة والحكم والتجريد وتكوين المفهوم والمنطق والاستدلال".   

                                  

وخلاصة لما تقدم فإنه يمكن القول إن هذا المفهوم أو المصطلح لاقى عناية كثيرة من الباحثين في الآونة الأخيرة، وأن بداية دراسة هذا المصطلح كان نتيجة لدراسة حالات الإصابة المخية ومدى تأثير التلف أو الخلل في الفص الجبهي للمخ على السلوك الشخصي، بالإضافة إلى أن الوظائف التنفيذية للدماغ تعكس التعامل النشط مع المعلومات الواردة من أجل التكيف مع المتغيرات البيئية في حياة الفرد.

 

وعند النظر إلى النماذج النظرية للوظائف التنفيذية للدماغ، التي جاءت أخيرا لهذا المصطلح وخاصة نموذج باركلي؛ إذ أوضح فيه أن ضبط السلوك يعتمد على كفاية الكف السلوكي Behavioral Inhibition في نقل موضع الضبط تدريجيا من الضبط بوساطة العوامل الخارجية إلى الضبط بوساطة التمثيلات العقلية الداخلية للمهمة، مؤكدا أن آلية عمل الكف السلوكي التي ترتبط بآلية عمل أربع وظائف تنفيذية أخرى هي: الذاكرة العاملة، واستيعاب الكلام، والتنظيم الذاتي للشعور (الدافعية / الإثارة)، وإعادة  تشكيل السلوك وتمثل الوظائف النفسية العصبية للفص الجبهي، وتتحدد مهمتها في ضبط الذات وتنظيمها على نحو يوجه السلوك صوب الهدف، فالوظائف التنفيذية الأربعة لا تنشط إلا بعد تحقق عملية الكف السلوكي، وهذه المكونات الخمسة تشترك في تحديد الشكل النهائي للاستجابة (الضبط الآلي / الطلاقة / التركيب).

 

ومما تقدم يمكن النظر إلى أن الوظائف التنفيذية للدماغ تتضمن مجموعة من القدرات المعرفية العليا والمعقدة، ومن أهمها ثلاثة مكونات أساسية: الذاكرة العاملة، والمرونة الذهنية، والكف.

 

طرق توظيف الوظائف التنفيذية للدماغ في بعض علوم النفس المختلفة:

 

  • تنمية الوظائف التنفيذية للدماغ EF لدى الأفراد المصابين بالتوحد والاضطرابات التطورية.

  • إجراء التقييم النفس عصبي، من أجل إدراج وتحديد هذه الاضطرابات بشكل دقيق، للتمكن من وضع خطط علاجية إرشادية فعالة للحد من هذه السلوكيات الناتجة عن اضطرابات الوظيفة التنفيذية للدماغ.

  • تدريب الطفل على التحكم المثبط (الانتباه المركّز أو الانتقائي) في السلوك من حيث التحكم في الذات أو منع الاستجابة من طريق مقاومة الإغراءات للبدائل المتاحة.

  • تحسين أداء الذاكرة العاملة للفرد والقادرة على الاحتفاظ بالمعلومات في العقل والعمل بها أو معالجتها واللعب بها. مع استخدام استراتيجيات مثل اللعب بالأفكار عقليًا وربط فكرة بأخرى.

  • تنمية المرونة المعرفية كأن يتم تدريب الفرد سبل النظر إلى القضية أو الموقف المطروح للنقاش من طريق رؤية وجهات نظر مختلفة.

  • تقليل التوتر وممارسة الاسترخاء من أجل أداء هذه المهمات العقلية.

إرسال تعليق عن هذه المقالة