قراءة في كتاب: (سيبويه الأخير)
مقالات وشهادات إبداعية وشخصية في الإنتاج العلمي والأدبي للعلامة سعيد بن جاسم الزبيدي (بمناسبة بلوغه الثمانين) إشراف ومتابعة: د. مريم البادي، د. سليمان الحسيني
الأستاذ الدكتور باقر الكرباسي
قلة أولئك الذين يكتب لهم أن يحضروا متى ذكرت أوطانهم، أولئك الذين تركوا بصماتهم الفكرية والإبداعية على خارطة ذلك الوطن، ومن المؤكد الأستاذ الدكتور سعيد جاسم الزبيدي هو أحد هؤلاء بوصفه عالماً في النحو واللغة وشاعراً ومحركاً ثقافياً أدبياً، أليس في ذلك ما يدعونا إلى الفخر والاعتزاز.
تفرد العلامة الزبيدي بنزعة إنسانية شديدة الثراء وشخصية وافرة العطاء مع عقل منفتح على من حوله، إنه أنموذج إنسان نبيل، يحمل عقلاً حياً متحركاً نابضاً، له مساحة في عقله هذا هي مساحة هم وطني، ينتمي الى جيل ذهبي فتح عينيه على الحياة وتعلمنا منه كثيراً، وعند وقوفنا عند الزبيدي الإنسان وما يتحلى به من خلق أبرزها أنه لا يلغي الآخر مطلقاً مهما كانت درجة الخلاف والاختلاف معه، بل لا يتوانى عن تقديم العون والمساعدة لهذا الآخر، إن كان يملكها، والأمر الآخر هو وفاؤه الشديد لكل من تواصل معهم، وهي صفات لا يتحلى بها إلا العلماء الحقيقيون الذين تسعدهم و تزيد هم غبطة نجاحات من حولهم، حرص الزبيدي على أن يأخذ نفسه بالجد وراح يختار المواضيع النحوية واللغوية ويفيد من منجزات النحويين القدماء ويدرس كتبهم ويؤلف على غرارهم ولكن بلغة عصرية ميسرة مفهومة، فقد أنجز في أكثر من نصف قرن دراسة وتدريساً عشرات المصنفات والدراسات النحوية واللغوية والأدبية والمعاجم، وألف في لغة القرآن الكريم مما دعا دارسي وعشاق العربية أن ينهلوا منها ما يشاؤون وليجروا فيها أنى غدوا أو راحوا لأنها بحر بعيد الأغوار، وجميل أن تعرف عن سعيد بن جاسم الزبيدي أنه فضلاً عن بحوثه الوافية ومقالاته وكتبه المتفردة بامتلائها باستخلاص الأحكام والحقائق من مصادرها ومراجعها الوثيقة، فصحة الخبر عنده وصدقيته لا مرية فيهما، وحسبي أنه صاحب منهج في علم النحو، فأنت تجده في هذه الوجوه المتشعبة من الاهتمام الثقافي واللغوي والنحوي ضارباً المثل الأروع والجدير بالاقتداء في المثابرة والانقطاع الكلي لتجسيد بغيته وتحمل العناء دونها، ولعل وراء ذلك الحياة المنظمة والمنضبطة، فلا سرف ولا إسراف مع ذاكرة وقادة حياه الله بها، وقد تدارست قبل مدة كتابه (علي جواد الطاهر... لغوياً) مستعذباً مستهوياً صفاء لغته وجمالها ورشاقة أسلوبه وحلاوته ورقة تحليله ونفاذه، في وقتها أودعت ثمار ما اجتنيته من تدارسي لذلك الكتاب مقالة نشرتها في صحيفة (أوروك) الصادرةعن وزارة الثقافة العراقية وصحيفة المواطن حافلاً بشيء غير قليل من الأسارة والجمال الفني.
الكتاب هذا (سيبويه الأخير) الذي أصدره مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية بجامعة نزوى احتفاء وتكريماً للعلامة سعيد بن جاسم الزبيدي بطباعة أنيقة وحرف مقروء وطبع دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع في عمان الأردن بطبعته الأولى/ ٢٠٢٥ بـ ٣٧٣ صفحة، وعلى عتبة الغلاف الأول: مقالات وشهادات إبداعية وشخصية في الإنتاج العلمي والأدبي للعلامة سعيد بن جاسم الزبيدي لمناسبة بلوغه الثمانين وبإشراف ومتابعة الدكتورة مريم البادية والدكتور سليمان الحسيني.
يبدأ الكتاب بمقدمة لمركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية بجامعة نزوى وفيها: (يسرنا في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية أن تكون جزءاً من هذا الجهد المبارك، والخاص بتكريم الأستاذ الدكتور سعيد الزبيدي أستاذ اللغة العربية بجامعة نزوى، وجدير بنا ذلك، فللأستاذ الزبيدي مواقف حميدة في مسيرة مركز الخليل نحو تحقيق غاياته كمركز متميز في البحوث والدراسات الإنسانية، وفي مقدمتها اللغة العربية وآدابها، إذ مواقف الأستاذ الزبيدي كانت داعمة لرؤية مركز الخليل ورسالته، ووجهات نظره وآرائه تصب في تعزيز مكانة المركز العلمية والبحثية، وأفكاره دائماً بناءة وإيجابية) ص11، وفي مقدمة المركز أيضا: (وقد حدد للكتاب منذ الخطة الأولى التي ولدت فيها فكرته أن يكون مزيجاً من دراسات موضوعية ومقالات انطباعية شخصية، تخرج من قلوب وعقول العارفين بالأستاذ الزبيدي والمقربين منه شخصياً وعلمياً، لكي يكون سجلاً حافلاً بالوفاء، وحاملاً لليقين والخير الأكيد عن سيرة الرجل ومسيرته، فجاء الكتاب حسب المتوقع والمخطط له) ص 12.
وقد قسم الكتاب على فقرات ثلاث هي: مقطع من سيرة ذاتية، وبحوث ومقالات علمية وشهادات، ففي الفقرة الأولى: (خطوات على شوط لم ينته) وهي سيرة ذاتية كتبها الدكتور الزبيدي أو محطات وعتها الذاكرة وكانت سيرة ممتعة وواضحة وصريحة بأسلوب جميل يشد القارئ لها، وفي الفقرة الثانية (بحوث ومقالات علمية) فكانت أحد عشر بحثاً علمياً تناولت جهد الدكتور الزبيدي في اللغة العربية، ومن ضمنها خمسة بحوث عن شعره وشاعريته، فقد كتب الأستاذ الدكتور أحمد هاشم السامرائي بحثاً قيما عنوانه (أثر المعجم العربي التراثي في مؤلفات الدكتور سعيد جاسم الزبيدي: كتاب "المفقود من كتاب العين تحقيق وتعليق اختياراً)، يقول فيه الدكتور الباحث: (تكمن أهمية هذه الدراسة في الآتي: الكشف عما وحده الدكتور الزبيدي من المواد اللغوية الساقطة من كتاب العين، وبيان أثر مادة الكتاب في المعجم العربي التراثي، وتحليل منهج التأليف الذي اعتمده الدكتور الزبيدي في كتابه) ص35، أما البحث الثاني للأستاذ حمد بن خميس الظفري عنوانه (التكرار في شعر سعيد الزبيدي: ديوان "أفق يمتد" أنموذجاً)، يقول في مقدمة البحث: (بعد التكرار أحد أبرز الظواهر اللغوية والأسلوبية والبلاغية التي اعتنى بها العلماء قديماً وحديثاً، وهو سمة من سمات الشعر العربي وعنصر جوهري فيه، تبدو معالمه في مستويات متنوعة من بنية القصيدة الشعرية، لأن موسيقى الإيقاع الشعري ترجع أساساً إلى التكرار والوزن والقافية) ص81، ويأتي بعده بحث الدكتور سيف بن سالم المسكري (آراء جديدة لتيسير النحو العربي) يقول فيه: (ومن جملة المسائل التي عرض لها الأستاذ الدكتور سعيد الزبيدي ودعا الى أفكار جديد جديرة بالاهتمام الآتي أثبت أن ما شاع في الدرس النحوي أن مصطلحات خمسة عدت لدى علماء العربية القدامى والمحدثين مصطلحات كوفية، فوجد أنها ليست كوفية باستقراء عزز هذا الرأي في مؤلفه بعنوان: مصطلحات ليست كوفية ومن الأمثلة على ذلك : أ– مصطلح التفسير، ب– مصطلح الجحد، ج– مصطلح الكناية) ص110، ويستمر الباحث المسكري في كتابة أمثلة على جهد الدكتور الزبيدي في تيسير علم النحو، أما الباحث الدكتور عبد الله بن مبارك السعدي فقد كتب بحثاً عنوانه (جهود العلامة الأستاذ الدكتور سعيد بن جاسم الزبيدي في المصطلح النحوي) درس في محوره الأول: من إشكاليات المصطلح ومن ثم في المصطلح الكوفي موازنة واستدراك ومصطلحات ليست كوفية، ويقول الباحث في نهايه بحثه:
(استطاع أستاذنا الباحث الحصيف إزالة اللثام عن جملة من المصطلحات التي لحقها وهم خلال مسيرتها الطويلة إذ كانت منسوبة خطأ إلى الكوفيين فكشف عن حقيقتها، وأظهر مواضع استعمالها، ونسبتها إلى واضعها الأول، تناول الزبيدي خمسة مصطلحات: التفسير، والجحد، والخفض، والصفات، والكناية، وتوصل إلى قناعة" فتأكد لي بما لا يقبل الشك... أن هذه المصطلحات مشتركة عند النحاة جميعاً بصريين وكوفيين، وإن مبتكرها عبقري هذه الأمة الخليل بن أحمد الفراهيدي) ص 130، وفي بحث كتبه الدكتور علي بن حمد الريامي عنوانه (الإحالة بالضمائر ودورها في التماسك النصي عند الزبيدي: قصيدة "القلب يبصر" نموذجاً)، وتهدف هذه الدراسة – حسبما يقول الباحث – (إلى إبانة أثر الضمائر في اتساق النصوص وترابطها، من خلال دراسة تطبيقية على قصيدة "القلب يبصر" للشاعر الأستاذ الدكتور سعيد جاسم الزبيدي، وقد اتبعت المنهج الوصفي التحليلي... ومن أبرز النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة: أن الشاعر أجاد في استعمال الإحالة الضميرية، مما أسهم في جعل نفسه أكثر تماسكاً وترابطاً، بما حملته هذه الإحالات من دلالات ومعانٍ جعلت من نص القصيدة وحدة موضوعية ذات كتلة واحدة شكلاً ومضموناً) ص133، وفي بحث آخر عن شعر الدكتور الزبيدي عنوانه: (الموضوعات الشعرية في ديوان "على رصيف الغربة" لسعيد جاسم الزبيدي) للأستاذ الدكتور عيسى بن محمد السليماني يقول فيه: (القراءة كشفت لنا بأن الشاعر في ديوانه "على رصيف الغربة" تناول موضوعات تتعلق بـ: الغربة، والحسرة، والألم على ضياع الموطن، والتأمل، والرثاء، والحب، وشعر المناسبات، ونحاول في هذه القراءة السريعة الوقوف مع نماذج تمثل لغة الشعر الموضوعية لهذه الأغراض الشعرية)ص161، وعن الشعر أيضاً والديوان نفسه يكتب الأستاذ الدكتور فليح مضحي السامرائي بحثاً عنوانه: (شعرية المكان وفعالية الإشارة الجمالية: قراءة في ديوان على رصيف الغربة" للشاعر سعيد جاسم الزبيدي) يقول فيه: (يحتوي الديوان على مجموعة من القصائد تتنوع في أشكالها ونماذجها وطراز تعبيرها، مثلما تتنوع في موضوعاتها داخل موضوعها الأكبر "الغربة" إذ عاش شاعرنا تجربة الغربة بكل قسوتها وقهرها وخسائرها، واكتوى بنارها وذاق مرارتها، في مسارات كثيرة حاول أن يتمثلها بشعرية عالية وينتج هذه القصائد التي حاولت أن تحكي قصة هذه التجربة) ص172، ومن ثم يأتي بحث الدكتورة قمرية بنت سعيد الكندية وعنوانه: (كتاب: "سؤال في التفسير – محاولة في البحث عن منهج" للأستاذ الدكتور سعيد جاسم الزبيدي عرض وتعريف)، تقول الباحثة: (كتاب "سؤال في التفسير – محاولة البحث عن منهج" وكتاب يأخذك – عزيزي القارئ – إلى مظان كتب تفسير القرآن الكريم وكتب بلاغة وبيان القرآن الكريم وإعرابه قديمها وحديثها، فقد جمع الطارف والتليد فيما قيل وكتب في جزئيات معينة مخصوصة في القرآن الكريم ولاسيما في البيان القرآني، والخروج بنتيجة أو برأي بنتيجة أو برأي سديد مقنع في كل جزئية ناقشها الكاتب) ص ١٩٩، وعن التفسير أيضاً يأتي بحث الدكتور محمد بن سالم المسلمي الموسوم: (التفسير الجزئي: منهج الدكتور سعيد الزبيدي في تفسيره آيات قرآنية)، يقول الباحث المسلمي: (وقدم الدكتور سعيد مشروعاً في تفسيره آيات القرآن وتوظيفها في الدرس اللغوي على وجهين: أولاً: أبحاث في آيات قرآنية في موضوعات لغوية، وفيه قدم: قضايا مطروحة للمناقشة، وكاد في القرآن، والتعدي واللزوم بين الدرس النحوي والاستعمال القرآني، وثانياً: سؤال في التفسير، ينطلق في صياغته منهج لغوي يعتمد على التعبير القرآني، إذ يعتمد القرآن الكريم مادة الدرس اللغوي، والانطلاق منه في وصف ضوابط اللغة) ص220، وفي الشعر أيضاً كتبت الدكتورة مريم البادي بحثاً عنوانه: (الغربة في شعر سعيد بن جاسم الزبيدي (على رصيف الغربة، و"الملم حروفك")، تقول فيه: (وقارئ دواوين الشاعر سعيد جاسم الزبيدي السبعة سيجد اختيار تسليط الضوء على الغربة في شعره في هذا المقال ينسجم مع تواتر إلحاح قصائده على هذه الثيمة، إذ سيلحظ القارئ أن قصيدة الزبيدي – في مجموع دواوينه – محكومة بهذه القضية غالباً، لا تكاد تنفك عنها، صحيح أنها أكثر بروزاً في دواوينه المتأخرة كما لاحظت، لكنها موجودة في دواوينه المتقدمة أيضاً بوفرة، فإن كتب الزبيدي في الإخوانيات جعل مشاعر الغربة جسر وصل بينه والمخاطب، ذكره بأيام الوصل التي خلت بينهما، وتاق لعودتها، ورثى أحوال الذات وما صنعته الغربة في النفس، وإن كتب عن الوطن والحنين إلى مرابع الصبا والأهل والأصدقاء والطفولة عرج على غربته وجعلها موضوعاً، وإن رثى التمزق العربي ومآلات السياسة كشف سوءات الاستبداد وهوان الناس في أوطانهم ثم أودع قصيدته مواجع الغربة وأساها) ص231، وأرى أن الدكتورة مريم في بحثها الممتع هذا وقفت وبتحليل جميل على شعر الدكتور الزبيدي مؤكدة بأنها تمتلك آليات النقد الأدبي.
ويقرأ الدكتور يعقوب بن سالم آل ثاني كتاب: (قراءة جديدة في كتاب سيبويه) للدكتور سعيد الزبيدي فيقول: (وقعت يدي وأنا أقلب مؤلفات الدكتور الزبيدي على كتاب "قراءة جديدة في كتاب سيبويه" فشدني العنوان إلى قراءة محتواه، فوجدت فيه طرحاً لقضايا شائكة في الدرس اللغوي كثر فيها البحث، وتعددت فيها الآراء، وتشعبت فيها الاتجاهات، وبين تلك المؤلفات قديمها وحديثها إقدام على كتاب سيبويه وإحجام عنه، وألفيت بين ثنايا القراءة الجديدة معالجة لما كان شائكاً، وزعزعة لما كان سائداً من نعت الكتاب بالصعوبة والغموض وإثباتاً بالتطبيق العملي على إمكانية العودة إلى الكتاب تعليماً وتعلماً وقراءة وبناء، فعزمت على دراسة منهج الكتاب وتتبع دعواته) ص251.
الفقرة الثالثة من الكتاب التكريمي هي (شهادات) بحق المحتفى به بعضهم من طلابه والآخر من زملائه وهو وفاء لهذه القامة العلمية السامقة التي خدمت لغة القرآن اللغة العربية خدمة جليلة بالتأليف والتحقيق ومصنفات أخر أفادت منها من تخصص في اللغة العربية وغيرهم،
الكتاب كتاب وفاء لعالم أعطى نصف قرن من سنين عمره في خدمة لغة القرآن وما زال ينتج علماً وشعراً ومحبة للجميع... عمر طويلاً أيها المعلم العلم وصحة وعافية.