قراءة في كتاب "الصيام مدرسة لتغيير النفس والأسرة والمجتمع والأمة"
للدكتور صلاح الدين سلطان
بقلم: عزا الحبسيـة
في رحاب هذا الكتاب الثمين، يتسلل القارئ إلى عوالم مفعمة بالدلالات العميقة، إذ يُعيد الدكتور صلاح الدين سلطان صياغة مفهوم الصيام في قلوبنا وعقولنا. يفتح صفحات هذا العمل ليأخذنا في رحلة روحية تُغذي الروح وتغمر النفس في معاني التغيير الجذري.
قام المؤلف بتفكيك مفهوم الصيام، مستندًا إلى النصوص الدينية والممارسات الحياتية؛ ليُوضح كيف أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل فعل تأملي يزرع في النفس معاني الصبر والتحمل والتضحية. بل يصف الصيام بالكبسولات بقوله: إنها تتيح فرصة للنفوس المتعبة لتجديد العهد مع الذات، وللتصفية من الأدران الروحية التي قد تلوث القلب.
يبدأ المؤلف بسرد حكايته مع الصيام، مُسلطًا الضوء على عمق هذا الفرض العظيم الذي يُحلق بالإنسان نحو عوالم من الصفاء والتسامي. يُزهر الدكتور في مداد كلماته عن استحضار لمعاني الصبر والتأمل، وتجديد للروح من الصدأ الذي يعكر صفو النفس. إنها دعوة للتأمل في الذات، وتحرير للروح من قيود الماديات.
ثم ينتقل بنا إلى تأثير الصيام كمدرسة في بناء العلاقات الأسرية؛ فالأسرة، كما يراها الدكتور، اللبنة الأساس في المجتمع.
ويبين كيف يمكن لصيام أفراد الأسرة أن يعزز الروابط بينهم، من طريق اللقاءات المشتركة والإفطار الجماعي، مما يخلق جواً من المودة والرحمة. وفي هذا الإطار، يتحدث عن أهمية التربية الروحية والنفسية للأطفال وكيف يمكن أن يتعلموا القيم النبيلة من ممارستهم للصيام مع أسرهم.
ثم، كالنسيم العليل، يتحول الحديث إلى الأسرة، تلك الخلية النابضة بالحياة. فيُبرز المؤلف كيف يُعدل الصيام نبض الحياة الأسرية، وكيف تتحول اللحظات المشتركة، مثل الإفطار والسحور، إلى لحظات ساحرة مُشعة بالمحبة والتفاعل. إذ يتحلق الأفراد حول مائدة واحدة، يتشاركون الأطعمة والقصص الأشبه بترياق ينعش الروحانية، مما يجعل من الأسرة فضاءً للحب والعطاء.
لكن تأثير الصيام لا يظل محصورًا في محيط الأسرة فقط؛ بل يمتد ليغمر المجتمع ككل في تناغم مدهش. ويرسم المؤلف بذلك صورة مشرقة للمجتمعات التي تمارس الصيام، إذ يتعزز الشعور بالمسؤولية والتعاون بين الأفراد، وتتحول العلاقات إلى روابط مثمرة وذات مغزى. وبين سطور الكتاب، تنبثق نظرة الجمال للتآزر الاجتماعي، الذي يقود إلى بناء مجتمعٍ متلاحم تسود فيه قيم الرحمة والإنسانية.
ومع توجيه نظره إلى الأمة الإسلامية، يتحدث المؤلف عن الصيام كأداة تُعيد صياغة الهوية وتعطي دفعة لروح الوحدة والتضامن. إن في كل يوم من أيام الصيام، هناك دعوة للتغيير، بل وللأمل في لم شمل الأمة وإحياء هويتها الثقافية والدينية.
في النهاية، يُختتم هذا السرد الساحر بمقولات تحثنا على التعمق في معاني الصيام. فهو ليس مجرد شعيرة، بل سفر في أعماق الذات، وأداة لإحداث التغيير، ليس فقط على مستوى الفرد، بل على صعيد الأسرة والمجتمع والأمة بأسرها. في كل كلمة، نبض يُذكرنا بأن الصيام أكثر من مجرد امتناع، إنه مدرسة تحمل في طياتها دروس الحياة، دعوة متجددة للتغير والتطور نحو الأفضل.
إن كتاب "الصيام مدرسة لتغيير النفس والأسرة والمجتمع والأمة" هو، بحق، دعوة ملهمة لإعادة النظر في مغزى الصيام، والبدء في رحلة التحول، إذ ينفتح أمامنا أفق جديد من المعاني الجليلة التي تدفعنا نحو بناء عالم يعمه العطاء والمحبة.