السنة 20 العدد 187
2025/03/01

مكتبات زرتها (4)

 

زارها: محمد الإسماعيلي

 

كانت لي وقفة طويلة خاصة في دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع الأردنية، التي تتخذ من وسط البلد بالعاصمة عمّان موقعًا لها، ولكن ليس في منزلها الأول؛ بل في ركنها الرائع الذي سافرت بها عابرة القارات إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025م في جمهورية مصر العربية. لقد راقني اهتمامها الكبير والمتنوّع بعلوم اللغة العربية وآدابها في مختلف المجالات، وما صدر عنها من عناوين جديدة هذا العام فاز بعضها بجوائز دولية، وطريقة تصنيفها الدقيق للكتب على وفق محتوياتها وأقسامها.

 

إلا أنّ الذي لفتني وأنا أطوف بعينيَّ بين رفوفها المرتبة، التي تمتاز أغلفة كتبها المجلّدة بتصاميم جميلة وجذّابة، كتاب مرجعنا الكبير الأستاذ الدكتور سعيد بن جاسم الزبيدي، الذي يضمّ بين دفّتيه مقالات وشهادات إبداعية وشخصية -استحقها لمناسبة بلوغه الثمانين من عمره- في النتاجين العلمي والأدبي. إنه تكريم لعقود أثرى فيه الأستاذ الدكتور الزبيدي، أو كما يُحب أن يسمي نفسه: (معلّم لغة عربية)، المكتبة والدارسين والباحثين بعلوم اللغة ومعارفها القيّمة؛ بل تخرّجت بين يديه أجيالٌ هيّأ لها جهده ووقته ومنزله في سبيل طلب العلم؛ فنهلوا بإشرافه الكثير من معين جوامع كتب تراث اللغة والبلاغة والأدب وغيره.

 

وإذا كانت سطور كتاب (سيبويه الأخير) قد وثّقت للتاريخ شهادات مرجعية كتبها جملة من الأساتذة والباحثين في حق الدكتور الزبيدي؛ إلّا الاعتراف بالفضل من مجتمع العلم لن يتوقّف، فهذا الأستاذ الدكتور جمعة حسين محمد، أستاذ اللغة والنحو في جامعة كركوك العراقية، يبارك له هذا المنجز العلمي الكبير، الذي خُصِّص للكلام عن سيرته وعلمه. يقول: "ضمَّ الكتاب شهاداتٍ لم تجانب الحقيقة بحقكم، وأنتم -ولا أجاملكم- الأساتذة ولست الأستاذ، منذ أن كنت في أول حياتك في التدريس الجامعي، تدخل المراحل المختلفة لتدرسنا مقررات مختلفة، فمن الأدب الجاهلي إلى النحو العربي إلى العروض إلى تاريخ العربية إلى الصرف ... كنا ننتظر درسكم لما فيه من نفع ومتعة وجمال لغةٍ، وعذوبة أسلوب، وطريقة تدريس تشدنا إليك، ونتمنى لو امتد وقتها لنغترف من العلوم التي كنت قد خبرتها، فأصبحت واضحة في ذهنك؛ لتتجسد أمامنا بوضوح تام".

 

ويضيف: "لقد كنت واحداً من أهم الأساتيذ الذين حببوا إلينا العربية؛ لذا أصاب من وسم الكتاب بـ (سيبويه الأخير)، ووجه الشبه بينك وبين من تسميت باسمه الموسوعية؛ ففي الذي تركت من كتب رصينة عديدة فضلا عمّا غرسته من أثر في أذهان طلبتك ونفوسهم، دليل أكيد على هذه الموسوعية".

 

ومن الرسائل الأنيقة التي وصلتني في حقّ معلّمنا، شهادة الأستاذ الدكتور يونس طركي سلّوم البجّاري، أستاذ الأدب الأندلسي في جامعة الموصل العراقية، يقول فيها مخاطبا أستاذه الزبيدي: "أستاذي الكبير العالم الجليل العلّامة الدكتور سعيد الزبيدي. أهنئك من القلب على صدور الكتاب التكريمي لكم بمناسبة بلغوكم الثمانين -أمد الله في عمركم- ونفع طلاب العربية بعلمكم. كما أهنئكم على ما توالى وما سيتوالى من كتابات مخلصة بحقكم تثمينا لدوركم العلمي الرائد، نعم تستحقون هذا الاهتمام والإعلان والإشهار بجدارة كبيرة. وقيمة هذا العمل الجليل والجميل؛ فأجدني أقول في حقك إنك منجز كبير في دراسات متعددة في لغة القرآن وتفسير كتاب الله العزيز؛ فضلا عن الدراسات اللغوية المعمقة في النحو والصرف، ناهيك عن نتاجكم الشعري".

 

ويضيف: "قلت لجنابكم في أمسي القريب إنكم أثريتم المكتبة العربية بالعلم النافع وأنتم في مغتربكم بمنأى عن العراق، ولم تفلح الغربة في أن تُحَجّمَ دوركم الريادي في التأليف والإبداع. وأود أن أشير إلى أن كبيرين من مبدعي العربية أنتجا نتاجا فخما لا يبارى في عصر فتنة عاشاه كل على انفراد، هما: الشاعر أبو العلاء المعري في المشرق الذي شمر عن يراعه ليفصح عن فكره وكتب (رسالة الغفران) وهي رائعة في يومها إلى يومنا هذا، والثاني هو ابن شُهيد الأندلسي الذي ندب يراعه ليعمل فكره أيضاً ليبدع لنا (رسالة التوابع والزوابع)، وهي الأخرى مأثرة من مآثره الإبداعية المتميزة في أدبنا العربي في الأندلس من يومها إلى يومنا هذا، وأقول أنا إن أستاذي الزبيدي قد سار على نهجهما، أعني (المعري وابن شُهيد) وأبدع وأثرى المكتبة العربية- رغم أنه عاش في زمن الفتنة كما عاش العلمان الكبيران، وظرفه يضارع ظرفيها، بيد أنه نجح كما نجحا من قبل في أن يخلّد نفسه بآثار شعرية كثيرة ودراسات لغوية ونحوية وصرفية متعددة، أتمنى أن أكون قد أنصفتكم أستاذي المبدع الكبير (سيبويه العصر وأعشى المصر)".

وهذا الكتاب سيحفل بتكريم خاص من جامعة نزوى في مشاركتها بمعرض مسقط الدولي للكتاب 2025م.




 

إرسال تعليق عن هذه المقالة