السنة 20 العدد 186
2025/02/01

المتلازمتان الشقيقتان: أنجلمان وبرادر ويلي 


 

 

 

أحمد "محمد جلال" الفواعير

أستاذ مشارك في التربية الخاصة

قسم التربية والدراسات الإنسانية

 

تعد متلازمة أنجلمان (Angelman Syndrome) ومتلازمة برادر ويلي (Prader-Willi syndrome) اضطرابين جينيين يحدثان نتيجة خلل جيني يصيب الكروموسوم (15)، إذ يتكون كل كروموسوم من زوجين يرثهما الطفل من الأبوين. لذا تحدث متلازمة أنجلمان في الغالب عندما يكون هناك فقدان أو تلف وخلل في الجزء الموروث من الأم، بينما تحدث متلازمة براد ويلي عندما يكون هناك فقدان أو تلف وخلل في الجزء الموروث من الأب.

 

وقد كانت تعرف متلازمة أنجلمان بمتلازمة الدمية السعيدة، وهي تسمية رفضت، وسميت بعد ذلك متلازمة أنجلمان عام 1965م نسبة إلى طبيب الأطفال هاري أنجلمان. بينما سميت متلازمة برادر ويلي بهذا الاسم عام 1956م نسبة إلى أندريا برادر وهينريتش ويلي وأليكسيس لابهارت وأندرو زيجلر وجويدو فانكوني.

 

وبالرغم من أن المتلازمتين تعدان من المتلازمات النادرة، إلا أن متلازمة أنجلمان تعد أكثر انتشارًا نسبيًا مقارنة مع نسبة انتشار متلازمة برادر ويلي. إذ تتراوح نسبة انتشار متلازمة أنجلمان بين 1 من كل 12000 وفي إحصائيات أخرى 1 من كل 24000 من أفراد المجتمع، بينما تتراوح نسبة انتشار متلازمة برادر ويلي بين 1 من كل 20000 وفي إحصائيات أخرى 1 من كل 25000 من أفراد المجتمع. 

 

ومن الحقائق الثابتة أيضًا عدم وجود علاج لمتلازمة أنجلمان أو متلازمة برادر ويلي، ولكن يمكن للمختصين وأولياء الأمور اتباع مجموعة من الإجراءات والتدخلات التي يمكن تقديمها من طريق فريق عمل متعدد التخصصات (العلاج الطبيعي، العلاج الوظيفي، النطق واللغة، طبيب، اختصاصي تربية خاصة، اختصاصي تغذية، وغيرها من التخصصات)، التي تسهم في تخفيف آثار المتلازمة على حياة الطفل الاجتماعية والنفسية والصحية والأكاديمية.

 

ويطلق على متلازمة أنجلمان ومتلازمة برادر ويلي مصطلح المتلازمتان الشقيقتان، وذلك بسبب اشتراك كلا المتلازمتين بنفس الكروموسوم المسبب لهما؛ ولأنهما يشتركان بجوانب وخصائص عدة، وتختلفان في جوانب أخرى.

 

وتعد متلازمة أنجلمان ومتلازمة برادر ويلي من المتلازمات الشائعة المصاحبة لصعوبات التعلم، إذ يعاني الأطفال ذوي متلازمة أنجلمان والأطفال ذوي متلازمة برادر ويلي من صعوبات تعلم متعددة يمكن أن تؤثر على أدائهم الأكاديمي، مثل تدني مستوى الانتباه والإدراك. ويعاني ذوي متلازمة أنجلمان على وجه الخصوص من تدني في مستوى الإدراك والتذكر ولا يتمكنون من تركيز انتباههم لفترة طويلة، بينما يتميز ذوي متلازمة برادر ويلي بذاكرة جيدة طويلة المدى وضعف في الذاكرة قصيرة المدى. كما يتميز ذوي متلازمة برادر ويلي بالمثابرة والبراعة في الوصول للمعلومات التي يحتاجونها، ولكن تستغرق عملية فرز المعلومات المفيدة وغير المفيدة وقتًا طويلًا. ويصعب أيضًا على ذوي متلازمة برادر ويلي الانتقال من مهمة إلى مهمة أخرى، أو القيام بأكثر من مهمة واحدة في نفس الوقت؛ لذا يستجيب ذوي متلازمة برادر ويلي للمواقف التي يتعرضون لها بنفس الأسلوب وبنفس الطريقة بالرغم من قدرته على الرد بطرق مختلفة؛ لذا نجد أن أولياء الأمور وبعض المختصين يعتقدون أنهما من ذوي صعوبات التعلم.

 

وقد أشارت الدراسات إلى أن نسبة ذكاء ذوي متلازمة برادر ويلي وقدراتهم العقلية أعلى من نسبة ذكاء ذوي متلازمة أنجلمان، إذ تتراوح القدرات العقلية لذوي متلازمة أنجلمان بين الإعاقة العقلية الشديدة والشديدة جدًا، أي أن درجة ذكائهم تقل عن 40، بينما تتراوح القدرات العقلية لذوي متلازمة برادر ويلي بين الإعاقة العقلية البسيطة والمتوسطة، أي أن درجة ذكائهم تتراوح من 40 إلى 70 وبعضهم تصل درجة ذكائه إلى 85، وهذا يشير إلى أن الأطفال ذوي متلازمة برادر ويلي قد يتمكنوا من الالتحاق بالتعليم العادي، إذا ما توفر لهم الدعم المناسب.

 

ويتفوق ذوي متلازمة برادر ويلي على ذوي متلازمة أنجلمان من حيث القدرة التعبيرية اللفظية، إذ تعد القدرة التعبيرية اللغوية لدى ذوي متلازمة أنجلمان ضعيفة، ويغلب عليهم استخدام اللغة التعبيرية غير اللفظية كاللمس والمسك والإشارة عند الرغبة بالتعبير عن حاجتهم. بينما يتميز ذوي متلازمة برادر ويلي بقدرات لفظية جيدة، برغم معاناة بعضهم من ضعف في تطور اللغة. كما يتميزون بقدرة بصرية مكانية وقدرة على فهم العلاقات المكانية.

 

وهناك العديد من الخصائص الجسمية والصحية والحركية المميزة لكل من ذوي متلازمة أنجلمان وذوي متلازمة برادر ويلي. فمن حيث شكل الجسم الخارجي، يتميز غالبية ذوي متلازمة أنجلمان بصغر حجم الرأس، وبروز الذقن واللسان، وفك عريض، وأسنان متباعدة وعيون زرقاء واسعة، ويكون لون البشرة والجلد شاحبان، ولون الشعر أصفر. ويعاني بعض ذوي متلازمة أنجلمان (1 من كل 10) من الجنف (انحناء العمود الفقري) ويظهر واضحًا في مرحلة البلوغ. أما من حيث المشكلات الصحية، فيعاني غالبية ذوي متلازمة أنجلمان (8 من كل 10) من نوبات صرع متكررة وحادة في مرحلة الطفولة، كما يعانون من بعض المشكلات الصحية مع التقدم في العمر، مثل ضعف الحركة وصعوبتها الناتجة عن توتر العضلات وتصلبها، ويعانون أيضًا من بعض المشكلات الصحية المرتبطة في الجهاز الهضمي كالاستفراغ المتكرر والإمساك المزمن. وأما من حيث الخصائص الحركية، فتتميز حركة الأطفال ذوي متلازمة أنجلمان ومشيتهم بعدم الاتزان والتآزر؛ لذا تراهم أحيانًا يمشون وهم يرفعون أيديهم ويثنون معصمهم ومرافقهم، كما يعاني بعض الأطفال ذوي متلازمة أنجلمان من رعشة ورفرفة في أيديهم.

 

وفي المقابل يتميز ذوي متلازمة برادر ويلي بمجموعة من الخصائص الجسمية والصحية والحركية، فمن حيث شكل الجسم الخارجي، يولد ذوي متلازمة برادر ويلي بعيون لوزية الشكل وتضيُّق الرأس عند الصدغين وفم مائل إلى الأسفل وشفاه علوية رفيعة وأنف ضيق وقصير، كما يتميز ذوي متلازمة برادر ويلي (1 من كل 3) بشحوب البشرة والجلد، ولون شعر أشقر، ويظهر الحول في العينين لدى 60-70٪ منهم. ويتميز ذوي متلازمة برادر ويلي بقِصر القامة وانخفاض الكتلة العضلية وارتفاع نسبة الدهون في الجسم، وتظهر جليًا في مرحلة البلوغ مقارنة مع العاديين، كما يعاني بعض ذوي متلازمة برادر ويلي (40-80٪) من الجنف (انحناء العمود الفقري) ويظهر واضحًا في مرحلة البلوغ.

 

ويعاني ذوي متلازمة برادر ويلي من العديد من المشكلات الصحية، فقد أشارت دراسات عدة  إلى ذوي متلازمة برادر ويلي يعانون من احتباس السوائل في الساقين نتيجة للسمنة المفرطة، كما يميل ذوي متلازمة برادر ويلي (4 من كل 5) إلى مص الجلد وخدشه وثقبه أحيانًا باستخدام أداة حادة؛ مما يؤدي إلى ظهور تقرحات وندبات، كما تظهر لديهم مشكلة تسوس الأسنان بدرجة كبيرة بسبب انخفاض إنتاج اللعاب، وفي الجانب الآخر يعاني ذوي متلازمة برادر ويلي من مشكلات نفسية كالاكتئاب وتقلب المزاج وسرعة الانفعال.

 

وأما من حيث الخصائص الحركية لذوي متلازمة برادر ويلي، فيغلب على أجسام الأطفال ذوي متلازمة برادر ويلي المرونة والليونة بسبب ضعف العضلات، ويتحسن هذا الضعف مع التقدم في العمر. وأكدت دراسات أن ذوي متلازمة برادر ويلي يصلون إلى مرحلة الشيخوخة بسن مبكرة (40-55 سنة)، ويصبحون أقل قدرة على الحركة ويحتاجون إلى مزيد من المساعدة في العناية بأنفسهم.

 

ومن الجدير ذكره أن ذوي متلازمة أنجلمان يصلون إلى مرحلة البلوغ الجنسي كما هي لدى العاديين، بينما يصل ذوي متلازمة برادر ويلي إلى مرحلة البلوغ الجنسي في سن متأخرة مقارنة مع أقرانهم العاديين، إلا أن أعضاءهم التناسلية تنمو بشكل ضعيف، إذ يكون حجم العضو التناسلي قصيرا وصغيرًا.

 

وتتشابه متلازمة أنجلمان مع متلازمة برادر ويلي في بعض الخصائص والمظاهر السلوكية، إذ يتميز كل من ذوي المتلازمتين بالشهية المفرطة نحو الأكل؛ مما يسبب لهم السمنة المفرطة كما يمكن أن يأكلوا أشياء ضارة غير صحية؛ لذا فإن الأطفال المصابين بهاتين المتلازمتين معرضون لخطر الإصابة بمرض السكر وخاصة ذوي متلازمة برادر ويلي لفقدانهم الشعور بالشبع مطلقًا. كما تتشابه متلازمة أنجلمان ومتلازمة برادر ويلي بأن كليهما يعانيان من مشاكل واضطرابات في النوم، إذ يعاني ذوي متلازمة أنجلمان من مشاكل في النوم تتمثل في قلة فترات النوم والاستيقاظ ليلًا والتبول اللاإرادي. بينما يعاني ذوي متلازمة برادر ويلي من اضطرابات في النوم تتمثل في صعوبة التنفس في أثناء النوم في الليل بسبب انسداد المسالك الهوائية، والنوم لفترات طويلة في النهار.

 

ومن أكثر الخصائص السلوكية التي تربط بين المتلازمتين هي أن ذوي متلازمة أنجلمان وذوي متلازمة برادر ويلي تظهر لديهم مظاهر مشابهة لتلك الخاصة باضطراب طيف التوحد، مثل: السلوكيات النمطية المتكررة، ومهارات التفاعل الضعيفة، وصعوبات في التواصل اللفظي وغير اللفظي.

 

وهناك بعض الخصائص السلوكية التي تميز ذوي متلازمة أنجلمان، فقد أشارت دراسات إلى أن ذوي متلازمة أنجلمان يتميزون بشخصية مرحة وسعيدة ويحبون التفاعل مع الآخرين، وقد تظهر لديهم سلوكيات عدوانية مثل شد الشعر دون أن يقصدوا ذلك، كما أن غالبية ذوي متلازمة أنجلمان لا يستطيعون تعلم المشي بشكل مستقل حتى بعمر 5 سنوات، ويتميزون بالنشاط الزائد والاندفاعية، ولكنها تتحسن تدريجيًا مع التقدم في العمر. ومن جهة أخرى، هناك بعض الخصائص السلوكية التي تميز ذوي متلازمة برادر ويلي، إذ يمتلك ذوي متلازمة برادر ويلي مهارات استقلالية جيدة، ولكنهم بحاجة إلى مساعدة أحيانًا خاصة في السنوات الأولى من العمر، وأحيانًا تظهر لديهم نوبات غضب وتقلبات مزاجية وسلوكيات تخريبية في فترة المراهقة. وبسبب السمنة المفرطة، يتميز سلوك ذوي متلازمة برادر ويلي بالخمول والكسل والشعور الدائم بالتعب وعدم الرغبة بممارسة أي نشاط بدني أو رياضي. ويغلب على ذوي متلازمة برادر ويلي التصرف بطريقة روتينية متشابهة كطرح نفس الأسئلة، التي غالبًا تدور عن الطعام أو عن المستقبل، ويمكن أن يؤذي الآخرين إذا لم يحصل على الطعام في وقته.

 

وختامًا يتضح مما سبق أن الأبحاث التي تناولت كلًا من متلازمة أنجلمان ومتلازمة برادر ويلي سلطت الضوء على أسباب حدوث المتلازمتين والأعراض المصاحبة لهما، إلا أن هناك حاجة ماسة لتسليط الضوء أكثر على الخصائص العقلية والسلوكية والانفعالية والاجتماعية والأكاديمية لذوي المتلازمتين، وتوعية المجتمع بشكل عام، والمختصين بشكل خاص في موضوع المتلازمات النادرة.


 

 

المرجع:

Alfawair, A. & Hafez, R. (2025). Cognitive and Awareness Levels Among Female Teachers of Students with Learning Disabilities Related to Rare Syndromes in the Sultanate of Oman: A Case Study of Angelman and Prader-Willi Syndromes. International Sports Science Alexandria Journal, 7(1), 41-60.




إرسال تعليق عن هذه المقالة