تطلّعات واعدة، وإسهامات مقدّرة …
شخصية احترفت صناعة التميّز في تخصصها منذ الغراس الأول
عبدالرحمن إبراهيم ميلاد من مواليد عام 1984م. نشأ في ليبيا من أصول مدينة ترهونة ومقرّ السكن في مدينة طرابلس، إذ ترعرع في مجتمع محافظ، يصف نفسه بأنه كان محظوظًا بأن تكوّن في أسرة ذات دخل جيد ومترابطة ومتحابة، كما هو حال العديد من الأسر في ليبيا.
يقول: "كان والدي يؤمن أنّ العلم منجاة الإنسان وعونه في حياته. وعبر وصاياه، كان يسعى جاهدًا لتوفير كل ما يلزم لتسهيل تعليمنا، وكذلك واحتياجاتنا الأخرى. لقد كان والدي، أمد الله في عمره، وإخواني الداعمون الأساس لي في رحلتي التعليمية، فقد تلقيت منهم النصائح والإرشادات عن أهمية التعلم، مؤكدين أن رفعة الإنسان تأتي من سعيه في طلب العلم، فاكتسبت تعليمي الأساسي والثانوي في المدارس المحلية في دولة ليبيا، وبدت اهتماماتي في سن مبكرة تتجه نحو العلوم والهندسة بدافع من والديَّ حفظهما الله، الأمر الذي دفعني إلى البحث والتعلم واستكشاف مجالات تقنية مختلفة".
تستضيفه صحيفة "إشراقة" ليكون شخصية عددها الحالي … إليكم ملامح شخصيته.
ماذا عن مساركم التعليمي؟ كيف كان طريقه من المدرسة إلى الجامعة وصولا إلى الدراسات العليا؟
بدأت مساري التعليمي لأعوام الدراسة الأولى في التعليم الأساسي والثانوي في ليبيا، ثم التحقت بجامعة الناصر الأممية (جامعة المرقب)، التي كانت محطة مهمة في تطوير معرفتي الأكاديمية، حيث أكملت بها دراستي الجامعية. ثم التحقت بجامعة ناصر الأممية في ليبيا (جامعة المرقب)، فدرست الهندسة المدنية شعبة مواصلات وطرق، وكرّست وقتي لاكتساب معرفة شاملة في هذا المجال، مع التركيز على التصميم والتطبيقات العلمية التي تخص قطاع الطرق والمطارات والبنية التحتية.
بعدها قررت إكمال دراستي الجامعية ومواصلة مشواري العلمي في الخارج، في 2007 التحق بالجامعة الوطنية الماليزية (UKM) في ماليزيا لاستكمال دراساتي العليا بدعم من والدي في درجتي الماجستير والدكتوراة، إذ تخصصت في أبحاث متقدمة ضمن مجال الهندسة المدنية والبيئية، وخاصةً في التطبيقات المتعلقة بصيانة الطرق وتحسين المواد المستخدمة في البناء.
في أثناء دراستي، عملت باحثا أول في الجامعة الوطنية الماليزية (UKM)، وأسهمت في الإشراف على طلبة البكالوريوس والدراسات العليا مع مشرفي، ما أتاح لي فرص تعميق معارفي وإثراء تجاربي الأكاديمية والتطبيقية. وأتاح لي التواصل مع علماء وباحثين من مختلف الجنسيات؛ مما أثرى خلفيتي الأكاديمية وعزز من مهاراتي البحثية، خاصة في مجالات مثل الهندسة المدنية والبيئية.
أطلعنا على تكوينكم البحثي والأكاديمي واهتماماتكم بهذين المجالين ونشاطاتكم فيهما؟
تجربتي العملية أتت ثمارها بالانخراط في العمل المدني مع الشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة عام 2009م في إنشاء ملعب كرة القدم بسعة 25 ألف متفرج، وهذا أعان وساعد في توجيه مساري البحثي وربط العمل الميداني بِالبحثي؛ فتجربتي كان لها تأثير كبير على مسيرتي البحثية. من طريق العمل الميداني، اكتسبت فهمًا أعمق لتحديات الهندسة المدنية، مثل: إدارة الموارد، والجدولة الزمنية، والتقنيات المستخدمة في البناء. هذا التفاعل العملي ساعدني في توجيه أبحاثي نحو موضوعات ذات صلة بالصناعة، على غرار: تحسين المواد، وإدارة مشاريع البناء، وتطبيق أساليب جديدة في التصميم. كما أتاح لي الفرصة للتواصل مع محترفين آخرين في المجال؛ مما أسهم في توسيع شبكة علاقاتي وزيادة فرص التعاون البحثي.
علما أنني بدأت مسيرتي الأكاديمية مدرسا عام 2009م، إذ درّست مقررات الهندسة المدنية في كلية تكنولوجيا الطيران المدني والأرصاد الجوية في ليبيا، مركّزًا على مجالات تصميم الطرق والمدارج. وتابعت دراساتي العليا في ماليزيا، فعملت مساعدا بحثيا بجامعة ماليزيا الوطنية من 2012م حتى 2017م، ثم مساعد تدريس وباحثا في 2018م، وأشرفت على طلبة البكالوريوس والماجستير في 2019م.
انتقلت بعدها إلى جامعة نزوى، إذ أدرّس حاليًا مقررات أساسية واختيارية في الهندسة المدنية والهندسة البيئية والعمارة، كما أسهم في تطوير المناهج الأكاديمية لبرامج الهندسة البيئية والمائية، وأشارك في الإشراف الأكاديمي للطلبة.
أما أبحاثي فتركّز على تطبيق المواد المعاد تدويرها في هندسة الطرق والبناء، وخاصة استخدام المواد المستدامة مثل الأسفلت المعدل بمواد مهدرة، ودراسات إعادة تدوير الرصف، إضافة إلى اهتمامي بالتعليم التفاعلي في هذه المجالات. أشارك أيضًا في مبادرات مثل ورش صيانة الطرق بالتعاون مع وزارة النقل، فقدّمت مقترحًا لإنشاء وحدة بحثية في قسم الطرق.
استرجع معنا أبرز بصماتكم وذكرياتكم التي حققتموها في الجامعات التي انتسبتم إليها؟
منذ عام 2018م، وسعت مجالات اهتمامي من هندسة الطرق لتشمل استخدام المواد المهدرة في طبقات الأسفلت، وإعادة التدوير، والنمذجة الحاسوبية المتقدمة. في السنوات الست الماضية، تعاونت مع علماء عدة، من مختلف أنحاء العالم، منهم د. نهى س. مشعان (أستراليا)، البروفيسور زبير أحمد ميمون (السعودية)، د. نور عزيزي مد. يوسف (ماليزيا)، البروفيسور إسواندارو ويديتموكو (المملكة المتحدة)، والبروفيسور نذير الأنصاري (السويد). العمل مع مجموعة واسعة من الباحثين يثبت خبرتي في البحوث الابتكارية المرتبطة بالصناعة والتعاون المثمر. كما أنني نشرتُ 70 ورقة بحثية في مجلات علمية محكمة ومؤتمرات، وأُعدُّ المؤلف الأول في العديد منها. من بين هذه الأوراق، 35 ورقة مرتبطة بجامعة نزوى من 2021 إلى 2024م في دور نشر IEEE, Springer ,Elsevier.
وأشدّ بالذكر أن عند تطوير موضوعات بحثية، من الضروري أن يكون لدى الباحث اهتمام وقدرة على تحديد مجالات ومشكلات بحثية قد تحظى باهتمام الجهات الخارجية التي قد تهتم بتمويل البحث. فأنا أعمل بالتعاون مع الشركاء لتحديد القضايا، وأظل الشخص المبادر والمدير والمستمر في هذا البحث. وتعكس مهارات التعاون التي أتمتع بها مستوى الإنجاز البحثي الذي أستطيع تحقيقه، فمن طريق البحث، طورت مهاراتي في الكتابة، والتواصل الشفوي، والعمل الجماعي في البحث، وإدارة الوقت، والبرمجة.
هذا مكنني من تطوير مهارات عدة في مواد الرصف، وتصميم الرصف، وهندسة النقل، ونمذجة الرصف، التي تعد من المجالات ذات الأولوية الوطنية؛ لذا، أُعد باحثًا "متعدد التخصصات". وهذا يتماشى مع رؤية العديد من الجامعات لتعزيز البحث لديها، كما يتوافق مع إعادة الهيكلة الأكاديمية المقترحة لإنشاء منصات تعاونية لتحقيق رؤية "جامعة واحدة".
في عام 2024 تحصلت أنا وفريق عملي المؤلف من عدد من الشباب العماني الواعد ذوي الكفاءات العالية على عقد استشارات مع وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، بما في ذلك تنفيذ ورش متخصصة في مجال صيانة الطرق، وصيانة الطرق الإسفلتية، والتحديات والحلول وتقنيات إعادة تدوير طبقات الأسفلت البارد في الموقع، وكذلك تنفيذ دراسة تقييم طرق في بلدية الداخلية، إذ تشمل تقييم مستوى أداء محاور الطرق وتحديد بدائل الحلول الممكنة وتقييم حالة الرصف للطرق واختيار البدائل المثلى للصيانة والإصلاح وعمل دراسات تأثير المرور المتكاملة. وأخيرا وليس آخرا لتأسيس وحدة علمية متخصصة لأفضل الممارسات العالمية في مجال النقل والطرق.
أين يجد القارئ أبرز الإنجازات التي حققتها في حياتك العلمية والعملية؟
يمكن للقارئ العثور على أبرز الإسهامات العلمية والعملية التي قدمتها من مصادر متنوعة عدة، على الرغم من أن هذه الإسهامات قد لا تُعد إنجازات بالمعنى التقليدي، إلا أنها تمثل جهودي في نشر المعرفة واستفادة أكبر عدد ممكن من الباحثين والطلبة. وتشمل هذه المصادر المكتبات ودور النشر، حيث نشرت أعمالي العلمية؛ ليتاح للمهتمين الوصول إليها والاستفادة من حصيلتها، كما يوجد مؤلف عبارة عن كتاب في مجال هندسة الطرق (تحت الإنجاز)، إلى جانب المنصات الأكاديمية: مثل ResearchGate وGoogle Scholar، إذ يمكن للقراء البحث عن أعمالي وإثراء النقاشات الأكاديمية.
ما رسالتك التي تستعين بها في سبيل العلم والعمل؟
الاستعانة بالله والأخذ بالأسباب، ورسالتي في سبيل العلم والعمل ترتكز على تعزيز الابتكار والاستدامة وتطوير المعرفة التطبيقية لخدمة المجتمع وتحقيق تقدم حقيقي في مجالات الهندسة والبحث.
أؤمن أن التعليم والبحث العلمي ليسا مجرد عملية نقل للمعرفة، بل وسيلتان لتحقيق تغيير إيجابي بتمكين الأجيال القادمة من المهندسين والباحثين، وتوجيههم نحو التفكير النقدي وحل المشكلات، خاصة في مجالات تُعنى بالتحديات البيئية والبنية التحتية. وأسعى من طريق مشاريعي الأكاديمية والبحثية إلى دمج أحدث التقنيات والممارسات المستدامة، سواء في تطوير مواد البناء أم في تطبيقات صيانة الطرق؛ لتتماشى مع متطلبات التنمية المستدامة ورؤية عُمان 2040. وكذلك الشغف في التعلم هو القوة الدافعة التي تجعل من السعي وراء المعرفة تجربة ممتعة ومجزية. إنه شعور الفضول الدائم والرغبة العميقة في الفهم والتطور، فحين يكون الشخص شغوفًا بالتعلم، لا يرى التحديات عائقا، بل فرص للتطوير، ويتحول لديه العلم من مجرد هدف إلى رحلة ملهمة ومستمرة.
الشغف يجعل الشخص مستمتعا بتجاوز حدود معرفته، ويبحث عن طرق جديدة لتطوير ذاته ومهاراته. فالشغف ليس فقط في تعلم شيء جديد، بل في إعادة اكتشاف الأمور بطرق مبدعة ومختلفة. إنه الدافع الذي يحث الإنسان على التقدم، ويجعله يدرك أن العلم نور وطريق مستمر لا نهاية له. إن النجاح الحقيقي يتجلى عندما يسهم الفرد في دعم الآخرين للصعود معه الدرب في النجاح. يجب ألا ينتظر الإنسان، سواء كان ذلك بشكل فردي أم من قِبل المؤسسة الرسمية، أي شكر أو تقدير؛ بل ينبغي أن تكون رسالته نبيلة، متمثلة بالسعي لمرضاة الله تعالى، والعمل بإخلاص وتفانٍ لرفع شأن المؤسسة التي ينتمي إليها ورفعة وطنه بشكل عام.
ما توجيهكم لنقل طلبة العلم نقلة نوعية كبيرة في مختلف التخصصات؛ وذلك في ظل الانفجار المعرفي والتدفق المعلوماتي الهائل، إذ يعد ذلك سلاحا ذا حدين؟
استثمار ربط المعرفة العلمية بالواقع العملي، إذ يمكن تعزيز التحصيل العلمي والبحثي باستخدام التطبيقات الحديثة. ويُعد استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أدوات مساعدة للبحث مثالا حيا وواعدا، إذ تسهم في رفع قيمة النتائج وتوسيع قواعد البيانات وتعزيز شبكات التعاون مع مختلف القطاعات وعلى مستوى دول متعددة. كما أنني أوصي باستخدام أدوات التواصل الاجتماعي للتفاعل والانخراط مع أهم مراكز البحوث والدعم المعرفي، والاستفادة منها لحضور أهم الفعاليات العلمية، إذ توفر هذه الفعاليات فرصًا ممتازة للإسهام والمشاركة المعرفية على مستوى العالم.