في عيدها الوطني الرابع والخمسين المجيد …
منتسبو الجامعة يتعلّقون بحب الوطن، وَيرسمون لوحة شكّلت منجزاته وتظافر جهود أبنائه نحو آفاق أرحب
تقرير واستطلاع: عزا بنت عامر الحبسية
يا أرضنا الخضراء يا جنة غّناء
دمــت لشعبــــك عــــزةً ورخاء
بلادي الجوهرة المكنونة في قلب الجزيرة العربية، تتعانق رمالها الذهبية مع أمواج البحار الزرقاء، وتتناغم الجبال الشامخة مع سهولها الخضراء. في كل زاوية من زوايا عمان، تروي الحكايات حضارة عريقة، حيث تمتزج التقاليد بالحداثة… من مسقط العاصمة التي تنبض بالحياة، إلى صلالة بأجوائها الاستوائية الساحرة، تبقى عمان تجسد روح الضيافة والكرم.
ليس بغريب أن ينجذب القلب نحو عمان، فهي ليست مجرد موقع جغرافي، بل تجربة حيوية تمنحك شعور الانتماء، وتعلمك أهمية الاحترام والتسامح. في حب عمان، نحتفل بالجمال ونتعانق مع التاريخ، ونطمع في كل لحظة لفرصة جديدة لاستكشاف المزيد عن هذه الأرض الرائعة.
درة اللآلئ
إن حب عمان ليس مجرد شعور، بل ارتباط عميق بالأرض والتاريخ والثقافة كل عام يتجدد شعور الفخر والاعتزاز في قلوب العمانيين بمناسبة اليوم الوطني، الذي يجمعنا سويا تحت راية واحدة، راية سلطنة عمان. إنه يوم مميز يذكرنا بتضحيات الأجداد وبسالتهم في بناء وطن عزيز، ويحفّزنا للتطلع نحو مستقبل أفضل.
تتزيّن الشوارع بالأعلام، وتُعزف الأهازيج الوطنية، فَتكتسي البلد بألوان الفرح والسرور. وفي هذا اليوم، تتشابك الأيادي وتُعبر القلوب عن الحب والانتماء، إذ يتشارك الجميع في الاحتفالات، من كبار السن إلى الأطفال، كل يحمل في قلبه قصة حب لوطنه. اليوم الوطني يمثل فرصة لتجديد الولاء للسلطان الذي قاد البلاد تقدما وازدهارا.
كما أنه مناسبة لتسليط الضوء على عدد من الإنجازات، بدءا بالتعليم والصحة، وصوًلا إلى السياحة والاقتصاد، إذ تتألق عمان كنجم في سماء الإنجازات المحققة في مختلف مجالات التميز. إنّ احتفالنا بهذا اليوم ليس مجرد فرحة، بل انعكاس لماضٍ تليد واستشراف لمستقبل مشرق.
هذا هو الوقت المناسب لنتذكر القيم التي نشأنا عليها: الوحدة والتعاون والاحترام. وفي هذا اليوم نؤكد من جديد أننا عائلة واحدة، نعمل معًا من أجل عمان حتى تظل دائما عظيمة ومزدهرة ومليئة بالفخر. فلنرفع أصواتنا بالتهاني، ولنجعل من هذه المناسبة منصةً لتجديد العهد، ولنعمل جميعًا لتظل عمان درة الخليج، وملاذ الحب والسلام. كل عام وعمان بخير، وكل عام ونحن نحتفل بإنجازاتها المستمرة وتاريخها العريق، فحبّ عمان هو حب لِلأصالة والجمال، وللناس الذين يعتزون بتراثهم ويسعون لبناء مستقبل مشرق. هذه البلاد، برمالها وسمائها، بقلاعها وبحارها، تبقى دائما في قلوب من عرفوا جمالها. يكفينا فخرا أن رسول الأمة دعا لعماننا بالأمن والأمان، فقال: "لو أنك أهل عمان أتيت ما سبوك وما ضربوك".
موطن الإنجاز
تلك الأرض التي كانت دوما مهًدا للعديد من الحضارات، لا تزال تثير إعجاب زوارها من شتى أنحاء العالم. وعبر العصور، كان المستشرقون من مختلف الجنسيات والثقافات يتوافدون إلى عمان، ليس فقط لأغراض التجارة والاستكشاف، بل أيضا لدراسة تاريخها العميق وثقافتها الغنية.
إنّ هذه البقعة الصغيرة على سواحل الخليج العربي تحتفظ برصيد هائل من التراث والموروث الحضاري الذي لا يزال يثير فضول المهتمين من خارج عمان. وكان الكاتب والمستكشف البريطاني الشهير هنري مورتون ستانلي، واحدًا من أوائل من زاروا عمان في القرن التاسع عشر. في كتابه الشهير (رحلة إلى قلب إفريقيا)، ذكر عُمان بإعجاب شديد، قائلا: "عمان هي الأرض التي لم تلوثها المدن الكبيرة أو ضوضاء الحياة الحديثة، هي مكان يختلط فيه الجمال الطبيعي بالعراقة الثقافية، فهي واحدة من أندر البقاع في العالم التي حافظت على هويتها بشكل كامل".
بينما تحدث المستشرق الأمريكي ديفيد ديبينا عن سلطنة عمان في كتابه (رحلة في شبه الجزيرة العربية)، إذ ذكر: "عمان هي درة الشرق الأوسط التي لم تُكشف بعد. من السواحل الذهبية التي تلتقي بمياه البحر الأزرق العميق إلى الجبال الشامخة التي تروي قصصا من زمن بعيد، عمان تبقى إحدى أكثر الأماكن سحرا على وجه الأرض".
وأيضا كتابات المستشرق الألماني كارل يوردان عن عمان تعد من أهم الأعمال التي وثقت للتاريخ العماني في القرن التاسع عشر. في كتابه (عمان: أرض الحضارة القديمة)، قال يوردان: "تتميز عمان بتاريخ طويل من الاستقلالية والحرية، وهو أمر نادر في المنطقة. الأرض التي أثبتت نفسها جزءا فاعلا في تاريخ الحضارة الإسلامية، وحافظت على جذورها العميقة رغم المتغيرات العديدة في محيطها".
عمان ليست مجرد مكان يسكنه الناس، بل وطن يتجلى في قلوب أبنائه، إذ يعتز العمانيون بقيمهم الراسخة من الترابط الأسري والمجتمعي، ويشعرون بالفخر في خدمة وطنهم. هذه القيم المستمدة من تعاليم الإسلام والتقاليد العمانية الأصيلة، تدفعهم دائما للعمل بجد وإبداع لرفعة شأن وطنهم؛ لذا اتجهنا إلى سؤال الكادر التدريسي بجامعة نزوى وطلبتها النجباء عن آرائهم في هذا الشأن: ما الرسالة التي تود إيصالها للمجتمع العماني بمناسبة العيد الوطني؟
بقعة دافئة
كتب الدكتور حمود الصوافي من قسم اللغة العربية: "حقيقة يبقى الوطن في النفس شامخا، وفي الفؤاد مستكنا، لا يبارح تلافيف من أحبه، ولا يغادر تضاعيف من حماه، ولا يمكن لمخلوق سوي أن يخال الوطن مجرد اسم عابر، أو انتماء فارغ، بل هو روح تعانقت فأشرقت، وضمير سما فتألق؛ لذلك لا عجب أن ترى القرآن قد عطف عقوبة الإخراج من الوطن على قتل النفس قائلا: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو
اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم". فَليكن الوطن حقيقة صادقة على أرض الواقع من اجتهادنا في نهضته، وبذلنا الوسع في رفعة شأنه، ودفاعنا عن شرفه ومجده، وجعله سامقا يتلألأ في سماء الكون".
ومن المشاركات الرائعة التي وصلتنا قول الدكتور إبراهيم الهنائي: "لأن عماننا غالية وعزيزة على قلوبنا، فحق لها أن نحتفل بعيدها الميمون بكل فخر واعتزاز، فوطني عمان بقعة دافئة جميلة بهية في هذه الأرض، آسرة للقلوب، محطة لكل من ضاقت به الدنيا؛ بل يرتاح ويأنس كل من وطأت قدماه أرضها، وكل من رحل عنها لا يقوى على فراقها والابتعاد عنها لشوقه الشديد إليها، يا لروعة وطني بقعة مختارة من رب كريم وشعب لطيف في تعامله، كريم في سجاياه ولا أحد يخالفني في ذلك، عماننا الغالية سيدة القلوب، تحي من مات منها لمجرد رؤيتها، فما بالكم من عاش فيها؛ أبعد تلوموني في حبي وعشقي، هنيئا لك عماننا العميقة في التأريخ، الماجدة في الحاضر والمستقبل… عيدك الوطني السعيد (عيد وطني سعيد وطني الغالي المعطاء عمان)".
إحياء للذكرى
ولأبناء عُمان كذلك آراء جميلة تعكس حبهم، فطرحت إليهم بعض الأسئلة، مفادها:
-
كيف تعكس أنشطة العيد الوطني الهوية العمانية؟
-
كيف يمكن للمجتمع أن يسهم بشكل أكبر في إحياء ذكرى العيد الوطني؟
تحدثت الطالبة: ريام بنت راشد المعمرية متحدثة في إجابتها عن تلك الأسئلة:
إنها لحظة تروي قصة تاريخ عريق، وترسم صوراً حية لثقافة الأمة العمانية، بدءا من العروض العسكرية التي تعّبر عن القوة والانضباط، وصولا إلى الاحتفالات الشعبية التي تجسّد بساطة الحياة وتنوعها. كذلك يلتحم الشعب بوطنه بإحياء هذه الذكرى بروح تتجاوز الاحتفال؛ وذلك بزرع قيم الولاء والانتماء في الأجيال الناشئة، وتعميق الصلة بالأرض والتراث، بل يجسد الأفراد حبهم للوطن في أفعالهم اليومية، ليتحول العيد الوطني إلى نبض حي يعكس قيم الوطن وأصالته.
وشاركت الطالبة: أذگار بنت سعيد الرواحية بمشاعرها الفيّاضة تجاه هذه المناسبة، قائلة: "تتجلى الهوية العمانية في أنشطة العيد الوطني في الاحتفالات التي تعكس التراث الثقافي للسلطنة وتاريخها العريق، فالعروض الشعبية والأهازيج التقليدية والزي العماني الأصيل، جميعها تراث يجسّد قيم الانتماء والفخر الوطني. كما أن الفعاليات التي تُبرز الفنون والحرف اليدوية تعكس مهارات العمانيين وتاريخهم الغني؛ مما يعزز شعور الوحدة والانتماء بين أفراد المجتمع".
وتضيف: "يمكن للمجتمع أن يسهم بشكل أكبر في إحياء ذكرى العيد الوطني بتنظيم فعاليات ثقافية واجتماعية تعزز الوعي بتاريخ السلطنة وتراثها. ومثل هذه الفعاليات يمكن أن تشمل ورش عمل، ومعارض فنية، ومسابقات تعكس الفخر بالهوية العمانية. كما أن مشاركة الأفراد في الأنشطة التطوعية والمبادرات المجتمعية تعزز روح التعاون والانتماء؛ مما يجعل الاحتفال بالعيد الوطني تجربة جماعية تعكس قيم العمانيين".
هوية راسخة
ومن المشاركات الرائعة التي وصلتنا للطالبة عالية بنت عبد الله الكلبانية، قولها: "في كل عام وفي نفس التاريخ يُحيي العمانيون احتفالا بالعيد الوطني السعيد، وفيه تشهد علينا هذه الأرض المباركة التي تشربت أرواحنا بحبها واكتفينا بها عن غيرها. ولدنا وعشنا فيها حياتنا منذ نعومة أظفارنا وسنظل فيها بإذن ربنا حتى مماتنا، تشتاق لها أرواحنا إذا ما بعدنا، نشتاق لكل ذرة تراب فيها، لكل نسمة هواء تنتعش بها صدورنا، هي الأرض التي شهدت على أول خطواتنا وحفظتنا كما تحفظ الأم أبناءها. وإن أمسيت أذكر فضائلها ما انتهيت حتى يشيب رأسي شيبا".
وتكمل: "إن العمل الجماعي الذي يظهره العمانيون في تزيين الشوارع بأعلام الوطن، وتنظيم الفعاليات والاحتفالات لهذا اليوم المجيد، يُظهر تلاحما ووفاء لوطنهم وحبهم له واعتزازهم به، إذ يحتفلون جميعا ويسيرون في شوارع الوطن مرددين بصدى واحد النشيد الوطني العماني؛ بما يعكس سواسية الناس القاطنين على هذه الأرض، وعدم وجود أي مظهر من مظاهر الفرقة بين الناس على اختلاف أشكالهم وألوانهم و ثقافتهم و مذاهبهم. وفي عصر هذا اليوم يجلس أبناء الوطن أمام شاشة التلفاز ينتظرون العروض الموسيقية العسكرية التي يشارك فيها العسكريون البواسل، ويشهد على تنظيمها سلطان البلاد وقادته؛ لتلتحم الصورة بين السلطان وشعبه في أرض خصبة واحدة تجمعهم، تبرز هويتهم الأصيلة.
وللطالبة الغالية بنت مصبح الراشدية رأي جميل في هذا المشهد الوطني الناصع، تقول: "يمكن للمجتمع العماني المضي قدما في مزاولة أنشطة العيد الوطني لترسيخ الهوية العمانية؛ وذلك بالتجديد والتغيير في طرائق التنظيم والتزيين واللبس والاحتفال. كذلك يمكن إحياء ذكرى العيد الوطني من طريق ما يمتلكه العمانيون من مواهب؛ سواء فنية كانت أم أدبية؛ مميزة في التعبير عن حب الوطن".
وتنهي حديثها: "تظل سلطنة عمان واحدة من أكثر الأماكن التي تحظى بإعجاب العالم، ويكمن سر هذا الإعجاب في التوازن المثالي الذي تحققه بين التمسك بتراث الهوية الثقافية من جانب، والانفتاح نحو العالم من جانب آخر. وفي وصف المستشرقين لها، نجد أنها ليست مجرد مكان جغرافي، بل رمز من رموز الحضارة التي لا تزال تتحدث عن ماض مجيد ومستقبل واعد، وإن كانت كلمات المستشرقين قد تكون جزًءا من إرثها الأدبي، إلا أن جمال عُمان الحقيقي يكمن في ألوانها الطبيعية وتاريخها الذي لا يُحصى. فكل عام وعماننا الحبيبة بخير".