الملكية الفكرية والموارد الوراثية والمعرفة التقليدية المتعلقة بها
د. علي بن حسين اللواتي
أستاذ مساعد مركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية - جامعة نزوى
تتمتع سلطنة عمان بتنوع وراثي كبير في النباتات والحيوانات والكائنات البحرية والدقيقة، وهناك كثير من المعارف المرتبطة بها؛ مثلا استخدامات النباتات الطبية في العلاجات المختلفة لأمراض عدة منذ أمد بعيد.
إنّ المعرفة التقليدية لهذه الموارد تعد كنزا من المعرفة التي تُستقصى منها الحقائق العلمية، مثال ذلك معرفة أن بعض الأعشاب في سلطنة عُمان تساعد على التئام الجروح والحروق حسب المعرفة التقليدية أو المحلية الموجودة في المجتمع. هنا يأتي دور البحث العلمي الذي سيفتّش في ماهية المادة أو المواد الفعالة لهذا النبات كونها تساعد في علاج الجروح والحروق. وعند تحديد تلك المادة أو المواد الفعالة، سوف يتجه القائمون على البحث إلى استخدام المادة الفعالة المستخرجة على حيوانات التجارب مثل الفئران. وعند ثبوت نجاحه في علاج الحروق، سوف يتجه الباحث إلى نشر موضوعه في إحدى المجلات العلمية، أو تسجيله ملكية فكرية في علاج المادة الفعالة للحروق والجروح، وربما في الجانب المقابل قد لا يتمكن من تطويره إلى منتج دوائي.
ثم يأتي دور المنتهزين للفرص من علماء الشركات العالمية لصناعة الدواء في التحقق من الدراسات السابقة لهذه المادة الفعالة، وما مشتقات المادة الفعالة التي قد يكون لها أثر مشابه للمادة الفعالة أو ربما أكثر منها فعالية. وإذا ثبتت نجاعة المادة الفعالة المشتقة، فإنهم سيقومون لاحقا بإجراءات تتمثل في إنتاج علاج قد يكون على شكل مرهم أو كريم يُجرّب على الحيوانات، وعند فعاليته يقومون بدراستها على البشر على مرحلتين للتأكد من الآثار الجانبية للدواء إن وجد. وتأتي بعدها مرحلة التسويق وجني الأرباح، وقد نلحظ هنا أن فائدة المادة الوراثية من هذا النبات والمعرفة التقليدية ونتائج البحوث العلمية الأولية لم تعد للموطن الأصل (بلد المنشأ)، بل إلى الشركات الدولية التي غالبا تكون في أوروبا والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى. وقد لوحظ هذا الأمر من أكثر من ثلاثة عقود من قبل المهتمين وذوي الاختصاص في مجالات الملكية الفكرية والموارد الوراثية والمعرفة التقليدية المتعلقة بها. على هذا الوضع تم وضع معاهدتين دوليتين لمعالجة هذا الأمر. أولهما بروتوكول ناغويا الذي صدر عام 2014 بشأن الحصول على الموارد الوراثية وتقاسم المنافع وانضمت إليها السلطنة بالمرسوم السلطاني 57/2020. وثانيهما معاهدة الملكية الفكرية والموارد الوراثية والمعارف التقليدية المرتبطة بالموارد الوراثية، إذ صدرت عام 2024 في شهر مايو.
بروتوكول ناغويا ألزم الدول بإيجاد تشريع محلي لتفعيله؛ وذلك لتأطير التقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة من المعارف التقليدية والموارد الجينية (الوراثية)، وقد يكون من طريق الملكية الفكرية. من جانب آخر، تهدف معاهدة الملكية الفكرية والموارد الوراثية والمعارف التقليدية إلى تحقيق تعزيز فعالية نظام البراءات وشفافيته وجودته فيما يخص الموارد الوراثية والمعارف التقليدية المرتبطة بالموارد الوراثية، ومنع منح البراءات عن خطأ لاختراعات ليست جديدة أو لا تنطوي على نشاط ابتكاري فيما يتعلق بالموارد الوراثية والمعارف التقليدية المرتبطة بالموارد الوراثية، ولِتفعيلها تدار هذه المعاهدة بشكل رئيس من قبل مكاتب براءات الاختراع، ويأتي توثيق مصدر الموارد الوراثية من مراكز البحوث العلمية أو بنك الجينات، وتوثيق المعارف التقليدية المرتبطة بالموارد الوراثية ضمن العناصر الأساسية لإجراءات الملكية الفكرية بالموارد الوراثية والمعارف التقليدية، كذلك الحال عند إيداع مثل هذه المادة الوراثية والمعرفة التقليدية المرتبطة بها، فإن العشبة التي تعالج الحروق والجروح في عمان، فرضيا، لن يتم استغلالها من قبل الآخرين قبل أخذ حق الانتفاع من بلد المنشأ وهنا على سبيل المثال حكومة سلطنة عمان.