نحو تعليم جامعي مبتكر: رؤية ناقدة في التوجهات الحديثة لتطوير المناهج الجامعية
مقال: روان بنت سعيد الذهلية
إن تطور المجتمعات مرهون بتطور التعليم، فهو عِماد نهوض أي أمة، ودونه تفقد حيويتها، إذ يسهم التعليم في رفع مستوى الوعي والثقافة؛ مما يؤدي إلى تنمية شاملة تقود إلى النمو والازدهار. وقد نال التعليم نصيبًا وافرًا من التطورات العالمية وما يرتبط بها من متغيرات، فقد اكتسب التعليم طابع الحداثة، وأصبح يركز على المتعلم كونه محور العملية التعليمية، وتستند إليه بقية العناصر المكملة لتلك العملية، ومنها المنهج، ففي التعريف القديم له كان يشمل المادة التعليمية التي تُعطى للطالب، وهو ما أكسبه صفة التلقين، وقد نبذ الفكر الحديث هذا الاتجاه، وجعل للمنهج مفهومًا شاملا يضم مجموعة من الأنشطة والخبرات المخططة والهادفة التي تسهم في تحقيق الأهداف المرجوة من العملية التعليمية.
وقد أضحى تطوير المناهج يشغل التربويين نظير تطورات العصر الهائلة، وهو ما أدى إلى استحداث مناهج جديدة تناسب التوجهات التربوية العالمية، في حين نجد بعض المجتمعات تصر على تدريس المناهج القديمة نظرًا لما حققته من نجاحات في الجيل السابق. وتجدر بنا الإشارة هنا إلى التصور الخاطئ الذي يُفرض على المنهج، فنجاحُ منهج معين على فئة معينة لا يعني بالضرورة نجاحه مع غيرهم؛ فالمنهج يسعى إلى تحقيق نمو شامل للطالب، وعليه ينبغي النظر في ظروف ذلك الطالب وما يحيط به متغيرات؛ لذا منهج اليوم ليس كمنهج الأمس، وهذا ما يدعو إلى التطوير المستمر للمناهج التعليمية على وفق مقتضيات العصر.
ولأجل تطوير أي منهج لا بد من الاعتماد على مجموعة من الأسس مثل التخطيط الجيد مع مراعاة نقاط القوة والضعف في المنهج السابق، ويجب دراسة حالة الطلبة والمجتمع دراسة علمية لمعرفة خصائصهم والقضايا الحديثة، ومن الضروري مواكبة التطورات العلمية الحديثة، بحيث يكون المنهج شاملا ومتكاملا ومتوازنًا، مع الأخذ برأي المعنيين بالمنهج، مثل: الطلبة والمعلمين والمجتمع.
ويشير (الكيلاني، ٢٠٢٤) إلى مجموعة من المعوقات التي تواجه عملية تطوير المناهج، يذكر من بينها معوقات فنية تشمل عدم إدراك المسؤولين للتعريف الحديث للمنهج، وهو ما أشرنا إليه سابقًا، إضافة إلى عدم رسم خطة متكاملة وواضحة لعملية التطوير؛ مما يؤدي إلى العشوائية، وعدم تجربة المنهج الجديد قبل اعتماده فعليًا. وهناك معوقات إدارية تشمل مركزية عملية التطوير لجهة دون أخرى، ناهيك عن المعوقات المالية.
وعلى الصعيد الجامعي تبرز لنا مجموعة من التوجهات الحديثة لتطوير المناهج، منها الاعتماد على التعلم النشط والتفاعلي الذي يعزز التفكير الإبداعي والناقد لدى الطلبة، وهو ما نجده حاضرًا في كثير من المناهج العربية. ومن التوجهات المهمة دمج التكنولوجيا في التعليم لتوفير بيئة تعليمية أكثر كفاءة؛ فاليوم تكتسح ثورة الذكاء الاصطناعي الساحة بما فيها من سلبيات وإيجابيات، ولكن إن ضُبطت تلك العملية لأصبحت ذات فائدة عظيمة للطالب، وتشير دراسة (عتيم، ٢٠٢٤) إلى وجود مجموعة من التحديات التي تواجه إدخال الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، وعليه ينبغي تطوير مجموعة من الاستراتيجيات التي تُهيِّئ القائمين على المناهج والمعلمين لذلك الدمج خاصة في تدريس العلوم، مثل عقد ورش ودورات تدريبية في مجال الذكاء الاصطناعي، وإتاحة موارد وأدوات الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم، إضافة إلى تشجيع المعلمين لاستخدامه من طريق الحوافز والمكافآت.
ومن التوجهات المفيدة في هذا المجال استخدام التعلم القائم على المشاريع والخبرات العملية، إذ تُربط المعرفة النظرية بالتطبيق، وهو ما يعزز مهارات الطالب وتُعينه على دخول سوق العمل بفاعلية حقيقية، ونقصد بالحقيقية هنا المهارة القائمة على معرفة نظرية وتطبيقية، فنجد الكثير من المناهج الجامعية تحاول سد الفجوة بين ما يتعلمه الطالب وما يطبقه في سوق العمل.
مما سبق نجد أن عملية تطوير المناهج تحتاج إلى تخطيط حذق يقود عملية التطوير نحو الأفضل، وهو ما تسعى إليه الجامعات العربية اليوم، ومن بينها جامعة نزوى، ويؤكد د. أحمد الفواعير، أستاذ مشارك في قسم التربية والعلوم الإنسانية في كلية العلوم والآداب، على أن عملية تطوير أي منهج في الجامعة تخضع لمجموعة من الضوابط والإجراءات المنظمة التي توصل المنهج إلى الاعتماد من قبل سلسلة متتابعة من المسؤولين في الجامعة.
وختام ذلك، نتوصل إلى ضرورة تطوير المناهج بشكل واعٍ بعيدًا عن العشوائية، مع الأخذ بالتوجهات الحديثة التي تسعى إلى رفع كفاءة العملية التعليمية مع التحقق من مناسبتها من طريق التجربة والتقييم المستمر.