السنة 19 العدد 183
2024/11/01

هل هدف الذكاء الاصطناعي علمي بحت؟


 

 

مقال: ثويبة السليمية

 

يتيح لك العلم استنتاج مقدمات عن الأشياء؛ إذ يعد من البديهيات التي تطلب التفات العقل البشري؛ لذا نجد تسلسلا معرفيا وعلميا لما وصل إليه العلم الحديثا امتدادا لما وضعه الأقدمون، فقد يكون الجديد محاكاة ما عمل به القديم وسطّره واستمرار له؛ وهذا بيان أن العلم لم يتقدم بمحض الصدفة.

 

دخل الذكاء الاصطناعي في عالمنا في الفترة الأخيرة بقوة بالغة، بل أضحى ينبض بقدرة الأنظمة الحاسوبية على محاكاة الذكاء البشري من طريق التعلّم والتفكير واتخاذ القرار، والعمل على أخذ خبرات البشر والاستفادة منها. ومع تزايد حجم البيانات وتطور الخوارزميات، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات الأعمال والابتكار التكنولوجي، حتى في غضون بضعت أعوام سنصل إلى ما هو أبعد من استيعابه في الوقت الحالي، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هدف الذكاء الاصطناعي علمي بحت؟

 

إبّان هذا الزخم العلمي والتطوّر التقني الهائل، قررت أكبر شركات الذكاء الاصطناعي (Open AL) صناعة منصة غير ربحية، وهو روبوت ذكي: Chat GPT))، منصة تمتلك قدرة على التعامل مع عدد لا نهائي من النصوص، إذ تتيح هذه المنصة لمستخدميها التفاعل معها في محادثات نصية تمكنها من الإجابة عن استفساراتهم، فتعطي أجوبة دقيقة، حتى المعقدة منها، ربما لا تجدها على شبكة المعلومات بصورة مفصلة.

 

مع مرور الوقت ستصبح أذكى من الإنسان؛ لأنها تتعلم من خبرات الناس وتجاربهم معها، وتطبق هذه التجارب على مستخدمين آخرين مع التعديل، فتضيف وتحذف حسب الموقف المطلوب ... بهكذا غيرت مفهوم الذكاء المعروف سابقًا إلى مفهوم أعمق وحديث.

 

وقد تطورت النسخة الجديدة إلى شات جي بي تي (4 أو)، إذ تبدأ بنسخة مجانية وتكمل معها بنسخة مدفوعة، ويعد هذا التقدم ثورة في الذكاء الاصطناعي، إذ يدعم الترجمة الفورية، وتتحدث معه بالنص والصورة والصوت ويرد بالمثل، وتستخدمه الشركات في الرد الآلي على الزبائن في أي وقت في غضون ثوان، كما تقدم مساعدات صوتية، وحوارات وأجوبة كانت تحتاج إلى أساتذة ومختصين للإجابة عنها، كما تُنظم أعمالا نحصل منها على مقابل مادي.

 

نرى أنّ التكنولوجيا تجتاح العالم، بل أصبحت المسيطر والمتحكم بزمام الأمور، إذ يكاد لا يتم أمر إلا بها، وتواجه التكنولوجيا تحديات أخلاقية واجتماعية، مما يتحتم علينا نحن البشر مواكبتها ومعرفة أين وصلت لتجنب أي مضرة منها، كما سعت إلى جرِّ مستعمليها من كل بقاع الأرض؛ لذا سعت إلى دراسة تصرفات البشر وطريقة تفكيرهم لتوظفها لصالحها، وتحرص على قمع البشر في حصيرتها وتضمن عدم الخروج من مساحتها في كوكبها الصغير والمعقد، فالخطة عندها إدمان المستخدم عليها؛ لذا لا بد من أن تكون المنصة المطروحة سهلة الاستخدام، تعرف اهتمام كل مستخدم وماذا يشاهد، فتنقتي له أفضل ما يرغب به من اهتماماته، وتعرضه له بصورة مثالية ومثيرة.

 

مثلًا منصة (ثريدز) تستطيع دخولها من طريق الانستجرام ... في بداية الأمر يظهر رقم في حسابك ترتيب دخولك إلى هذه المنصة، إنها حركة ذكية من صانعيها، عندها تعرف أنت ترتيب المستخدم، ليتسارعوا إلى دخول المنصة ليصبح ترتيبك متقدما كونك عرفت المنصة قبل الآخرين، فصار البشر يتهافتون كي يصلوا أولًا، ومنه تجد كمية المستخدمين في تزايد ... والكثير من السياسات المتبعة لتجذب المستخدم وتصرف انتباهه عن واقع الحياة.

 

كما تتحكم التكنولوجيا في عرض المواضيع، أي تعمل على إقصاء أي موضوع خارج عن مصلحتها، كما أنّ باستطاعتها إزالة مواضيع مهمة وقضايا حسّاسة من قاموس المستخدم تخصه وتعنيه؛ مما يعني أنها احتلت العقل البشري احتلالا واسعًا، وأن التكنولوجيا لها قدرة على تصفية المواضيع وتصنيفها، في حين ترسل إشعارات إلى حاملي قضية ما تخاطبهم بإلغاء حساباتهم في حال استمرارهم في النشر، كما أن هذه القضايا لا تصل إلى كثير من الأفراد؛ لأنها تتحكم في الرأي العام، ومن ذلك نجد احتمالية ظهورها للمستخدم ضعيفة؛ بحيث توفّر مشاهدات قليلة، ومن ذلك تصل هذه المنصات إلى مبتغاها وتحقق مرادها؛ كونها أتاحت للناس التعرض إلى محتواها، ودعتهم إلى إهمال المهم.

 

الحاصل الآن أن التكنولوجيا تسبق القوانين الموجودة، وما بين هذه المسافة تعطي صلاحية لأفراد غير أسوياء باستغلال هذا الفراغ لمصلحتهم في النصب والاحتيال، وخلق تطبيقات تنافي قيم البشرية وأخلاقها السوية، فالفجوة بين التكنولوجيا والقانون تؤدي إلى دمار إن استعملت في ضلال؛ لذا لنستبعد فكرة أن التكنولوجيا خلقت لأهداف علمية بحت، فما خفي وراء التكنولوجيا أعظم مما هو ظاهر أمامنا، وفهم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته وتحدياته مطلب مهم لضمان استخدامه بشكل مسؤول وآمن.

إرسال تعليق عن هذه المقالة