224 فلجا في ولاية سمائل: تاريخ عريق وإرث حضاري
أمجد الرواحي
كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج
تعد الأفلاج من أبرز المعالم الحضارية التي ارتبطت بتاريخ عمان وثقافتها، إذ إنها نظام ري تقليدي يعتمد على استخراج المياه الجوفية ومياه العيون أو الينابيع ومياه الأودية وتوزيعها على الواحات الزراعية والمجتمعات المحلية. وولاية سمائل واحدة من أهم الولايات العمانية التي تميزت بالأفلاج، إذ تضم عددا كبيرا من الأفلاج الحية والميتة، وهذا يدل على مكانتها التاريخية والزراعية في محافظة الداخلية. وقد لعبت الأفلاج دورا في ولاية سمائل، إذ كانت توفر المياه اللازمة لري المزارع وغيرها من الاستخدامات. ووفقاً للإحصاءات، تحتوي ولاية سمائل على 224 فلجا، منها 137 فلجاً حياً و87 فلجاً ميتا، مما يبرز أهمية هذه الأفلاج في دعم الاقتصاد الزراعي وتوفير المياه للاستخدام اليومي.
أنواع الأفلاج في سمائل
تتنوع الأفلاج في سمائل بين العدية والعينية والغيلية. كما يوجد بها 57 فلجاً عديا، منها 48 فلجا حيا و 9 أفلاج ميتة و 27 فلجاً عينياً، منها 24 فلجاً حياً و3 أفلاج ميتة. أما الأفلاج الغيلية، فيبلغ عددها 140 فلجا، منها 65 فلجا حيا و 75 فلجا ميتا. ويعد فلج السمدي من أشهر الأفلاج الغيلية، كما تمتاز ولاية سمائل بعدد أكبر من الأفلاج مقارنة بولايات محافظة الداخلية، إذ تضم 224 فلجا، متفوقة على باقي الولايات، مثل نزوى التي تحتوي على 134 فلجاً، وبدبد بـ 118 فلجاً، وإزكي بـ 111 فلجاً. وهذا العدد الكبير من الأفلاج في سمائل يؤكد أهميتها كونها مركزا للزراعة.
الأفلاج الأثرية في سمائل
تضم سمائل عدداً من الأفلاج الأثرية التي تدل على تاريخ عريق يعود إلى آلاف السنين، من بينها فلج المدر في قرية البسيتين، الذي بني من طين ويعود تاريخه إلى ما قبل الألف الأول قبل الميلاد، ويمتد مسافة تزيد على 2 كيلومتر. إلى جانبه يوجد فلج الصاروج الذي بني باستخدام الصاروج ويبلغ طوله حوالي 3 كيلومترات؛ لكنه تعرض للتدمير بسبب الفيضانات. وفي منطقة الغبرة، توجد أفلاج تعتمد على عيون كانت تستخدم للزراعة. بينما في منطقة الخطو، ينبع فلج الخطو من وادي فرعي، وتحيط به مدافن ورسومات تعود إلى العصر الحديدي. بالإضافة إلى ذلك، يعد فلج المحيدث في منطقة المدرة في مدينة سمائل من الأفلاج الكبيرة، إذ يبلغ عرض ساقيته 100 سم وعمقها 20 سم، ويعود تاريخه إلى القرون الميلادية الأولى أو العصر الإسلامي. وتروى أساطير عن فلج الحوشي، الذي يقال إن عرضه كان يصل إلى 7 أمتار وكان يسقي منطقة واسعة، لكنه دمر في فيضان كبير عام 252 هجري، ولا تزال بقايا ساقيته كما تشير الروايات.
الأوقاف في أفلاج سمائل
في لقاء مع أحد وكلاء الأوقاف في سمائل، أوضح أن الدوافع التي تحفز الإنسان على الوقف تتنوع بين رغبة في فعل الخير ودوافع إيمانية وعرفية. وأشار إلى أن أقدم مخطوط متعلق بالوقف في سمائل يخص فلجي الدغال والسمدي. كما ذكر أن أنواع الوقف في سمائل تشمل: وقف المساجد، الأكفان، إصلاح الطرق، مساعدة الفقراء، توفير الزيت، بناء السقوف، وتقديم العصي للمكفوفين، بالإضافة إلى وقف الهجور. وأكد أهمية الوقف في توفير الموارد المالية للمساجد والخدمات الاجتماعية. أما بالنسبة لأوقاف الأفلاج، فأوضح أنه في حال وجود أوقاف مخصصة، فإنها تُستخدم في صيانة الأفلاج، مشيرا إلى أن فلج السمدي يمتلك قطعتين من الأراضي الزراعية (الأموال الخضراء).
وتبقى أفلاج سمائل شاهدا حيا على التاريخ العريق والهندسة المائية المتقنة التي تميزت بها عمان عبر العصور. فالأفلاج ليست مجرد مصادر للمياه، بل جزء من إرث حضاري أسهم في استقرار المجتمع ودعم الأنشطة الزراعية والاقتصادية. ورغم التحديات الطبيعية التي واجهتها هذه الأفلاج على مر الزمن، فإنها تظل رمزا للاستدامة والتكيف مع البيئة العمانية الفريدة.
المصادر:
-
كتاب الأفلاج العمانية (البناء الهندسي عبر التاريخ)، هلال بن عامر بن علي القاسمي.
-
سمائل عبر التاريخ 11، المنتدى الأدبي.
-
مشروع حصر الأفلاج (إحصائيات وقوائم الأفلاج في سلطنة عمان).
-
مقابلة مع الأستاذ: محمد بن مبارك الرواحي (وكيل فلج السمدي).