عشرون عاما من التعلم والعمل: رحلة امتنان وتقدير
رقية بنت سعيد بن عثيم الفارسية
تقني المكتبة
تُعَدُّ جامعة نزوى منارة علمية مشرقة في عُمان، وأنا أحمل في قلبي عميق الامتنان لهذه المؤسسة التي احتضنتني منذ دخولي إليها عام 2004 بصفتي إحدى أوائل الطلبة المبتعثين من وزارة التعليم العالي. كانت تلك بداية جديدة ومليئة بالتحديات، إذ استقبلت الجامعة أولى دفعاتها من الطلبة، وكان صباح ذلك اليوم مشرقًا بوصول الطلبة مع أفراد من عائلاتهم، حاملين معهم آمالهم وأحلامهم الكبيرة.
رغم حداثة التجربة، واجهت الجامعة تحديات لوجستية تتعلق بتوفير السكن لطلبتها، إذ كانت السكنات الموزعة في المناطق المجاورة لنيابة بركة الموز غير كافية لاستيعاب العدد الكبير منهم. ومع ذلك، لم تقف الجامعة مكتوفة الأيدي، بل مددت فترة استقبال الطلبة مدة أسبوعين إضافيين حتى تمكنت من توفير مزيد من السكنات المناسبة؛ لذا عكس هذا الموقف ذلك التفاني والحرص على راحة الطلبة ورفاهيتهم.
بدأت الدراسة الفعلية في منتصف سبتمبر، إذ تم توزيع الطلبة على مستويات اللغة الإنجليزية بناءً على نتائج اختبار تحديد المستوى (التوفل). ومن اللّافت أن رئيس الجامعة كان حاضرًا بين موظفي القبول والإدارة، يشرف بنفسه على توزيع الجداول الدراسية. كانت تلك لحظة مؤثرة للغاية، إذ شعرنا بالدهشة والفخر بأن رئيس الجامعة يقف أمامنا ويشاركنا هذه اللحظة المهمة.
في الفصل الدراسي الأول، كانت الجامعة بسيطة جداً في إمكانياتها. كان المحل التجاري (السوبر ماركت) عبارة عن سيارة (بيكب) تبيع المواد الأساسية مثل الكعك والعصير وبطاطس صحار. وبرغم تواضع الظروف، كنا نتجاوز الجوع بالخجل، منتظرين بفارغ الصبر العودة إلى السكن لتحضير بعض الأطعمة السريعة التي تسد جوعنا. ومع مرور الوقت، تطورت الجامعة وافتتحت بقالة صغيرة، وبدأت بتشجير الممرات ورصفها، وإضافة المظلات على الطرق الرئيسة للأقسام.
وفي الفصل الدراسي الثاني، اتخذت الجامعة قرارًاً بإقامة أسبوع ثقافي سنوي في شهر مارس. كانت هذه الفعاليات تمثل ذروة النشاط والفعالية؛ إذ كنا نتفوق في الدراسة ونبدع في الأنشطة. ومع مرور كل فصل دراسي وكل عام، كانت الجامعة تزدهر أكثر، وتعكس نموًا وتطورًا مستمرًا في خدمتها وتدريسها الأكاديمي.
في عامي الثاني من دراستي الجامعية، جاء والِدَايَ لأخذي لقضاء الإجازة الصيفية في بلدتي ظاهر الفوارس. على الرغم من بساطة والدتي (رحمة الله عليها) وتواضعها، لاحظت أن مبنى الجامعة كان بسيطًا جدًا وغير مطابق للصورة التي كانت في ذهنها. قالت باستغراب: "هل تدرسين هنا؟ لو كنت أعلم ذلك من البداية لما سجلتِ فيها". ومع ابتسامتي الخفيفة وراحتي مع زميلاتي، كنت أظهر نفسي راضية وسعيدة بالبيئة التي كنت فيها؛ مما جعل الدتي تشعر ببعض الطمأنينة رغم الظروف التي كنا نمر بها جميعًا.
لقد كانت تلك السنوات في جامعة نزوى مرحلة مهمة ومؤثرة في حياتي، وليس لدي سوى الامتنان العميق لهذه الجامعة التي شكلتني وأسهمت في بناء شخصيتي ومسيرتي العلمية. بل إن أجمل المشاعر تكمن في السير بخطوات الثقة غير المحدودة بين ممرات صرحي الشامخ، طالبة تتعثر بخطوات بسيطة يسيرة، فتمر الأعوام وأسير في نفس الممرات ولكن لأصبح جزءًا معطاءً فيها.
وها أنا ذا اليوم -وبعد مرور عشريون عاماً- أقِفُ مع زملائي موظفةً طموحة، صقلتني جامعة نزوى وعزَّزت شخصيتي ومهاراتي العلمية والوظيفية. ها أنا اليوم أحكي لأطفالي قصة نجاح هذا الصرح العلمي القوي وكادره المميز وبنيانه المتين، مفاخرَةً الجميع بأنني إحدى مخرجات هذا الصرح العلمي الراقي، وممتنّةً لقائده الفذّ المِعطاء الأستاذ الدكتور أحمد الرواحي ولجميع من كانت له بصمةً من الموظفين والطلبة.