السنة 19 العدد 181
2024/09/01

احتياجات النبات المائية والزراعة التقليدية

 


 

  

 

د.عبد الله بن سيف الغافري 

أستاذ كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج

 

 

تحتاج النباتات للنمو إلى الهواء لامتصاص ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأكسجين في عملية التمثيل الضوئي أو امتصاص الأكسجين وإطلاق ثاني أكسيد الكربون في أثناء التنفس. كما تحتاج النباتات أيضا إلى العناصر الغذائية والماء والضوء والطاقة والدعم الميكانيكي.

 

في الزراعة التقليدية (الزراعة في التربة)، تحصل النباتات على الماء والعناصر الغذائية والدعم الميكانيكي من التربة. أما في الزراعة دون تربة، مثل الزراعة المائية Hydroponics، والهوائية Aeroponics، فإن النباتات تحصل على العناصر الغذائية مباشرة من الماء. في هذه المقالة، سنركز فقط على الزراعة التقليدية (Geoponics) إذ تكون التربة هي الوسط المستخدم للزراعة. في هذه الطريقة، تذوب العناصر الغذائية في الماء وتمتص النباتات العناصر الغذائية الذائبة من التربة عبر الجذور وتنقلها إلى أجزاء أخرى من جسمها. تحتاج النباتات إلى الماء من أجل عملية التمثيل الضوئي في النهار، إذ تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الهواء ومع الضوء تصنع غذاءها وتطلق الأكسجين والماء. تسمى هذه العملية بالنتح، إذ تفقد النباتات أكثر من 80% إلى 90% من الماء (الشكل 1).

 

 

 

 

 

 

كما يفقد الماء من التربة وأجسام النباتات عبر التبخر. تتكون متطلبات المياه للنباتات من مجموع التبخر والنتح معًا، وهذا ما يسمى بالتبخر- نتح (Evapotranspiration).

 

على الرغم من أن جميع النباتات تحتاج إلى الماء للنمو، إلا أن كمية الماء التي تحتاجها تختلف بشكل كبير بناءً على عوامل مختلفة، والعامل الرئيس هو نوع النبات ومرحلة نموه وصحته، وعامل آخر يتعلق بالظروف البيئية. ويمكننا تصنيف النباتات إلى ثلاث مجموعات حسب احتياجاتها من الماء:

 

النباتات التي تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء: تسمى هذه النباتات: النباتات المحبة للماء hydrophytes ، مثل: الزنابق والخس المائي والنباتات المائية الأخرى.

 

النباتات التي تحتاج إلى كمية معتدلة من الماء: تسمى هذه النباتات: النباتات المتوسطة الاحتياج للماء mesophytes، مثل: معظم المحاصيل الزراعية كنخيل التمر والليمون والمانجو والورود.

 

النباتات التي تحتاج إلى كميات قليلة من الماء: تسمى هذه النباتات: النباتات الصحراوية xerophytes، مثل: نبات الصبار والأناناس.

وتعد معظم النباتات في عمان نباتات متوسطة أو صحراوية، ولكن قد يكون هناك بعض النباتات المحبة للماء في الجنوب.

 

في المناطق الاستوائية والمناطق ذات الأمطار الغزيرة، لا نقلق بشأن متطلبات الماء للنباتات. ولكن في الأراضي الجافة وشبه الجافة مثل عمان، يجب أن نعطي الماء بشكل صناعي للنباتات، وهذا ما يُسمى بالري. وللحصول على إنتاج أمثل من المحاصيل في الزراعة، نحتاج إلى إعطاء الكمية المناسبة والجودة المناسبة من الماء للنباتات وفي الأوقات المناسبة. أم إذا قدمنا للنباتات كمية أقل من الماء مما تحتاجه، فإنها ستعاني وسيكون الإنتاج أقل من حيث الكمية والجودة، لكن هذا لا يعني أننا يمكن أن نزيد الإنتاج بزيادة الري للنباتات إلى مستوى غير محدود. وإذا تجاوزنا متطلبات المياه للمحصول، سَيتدهور الإنتاج، وسَتعاني النباتات وقد تموت من التعفن أو اختناق الجذور؛ فيما ستقل كفاءة الري وسيُهدر الماء؛ ومع ذلك، فإن القليل من الماء يمكن أن يؤدي إلى تملح التربة؛ مما يقلل من الإنتاج أيضا؛ لذا، فإنّ فهم كيفية تقدير متطلبات مياه المحاصيل مهم جدًا للحفاظ على الماء والحصول على النمو والإنتاج الأمثل للنباتات. وبِعبارات بسيطة، يجب أن تكون كمية مياه الري مساوية أو أكثر قليلاً من متطلبات المياه للمحاصيل الزراعية.

 

الآن نحن نعلم أن لتحقيق الإنتاج الزراعي الأمثل في الزراعة التقليدية، من المهم حساب أو تقدير، أو على الأقل، فهم احتياجات المياه للنباتات. بالإضافة إلى نوع النبات الذي يحدد معامل المحصول، إذ تلعب العوامل البيئية الأخرى دورًا مهمًا في تحديد متطلبات المياه، وتحتاج إلى أن تؤخذ في الحسبان عند حساب أو تقدير احتياجات المياه للنباتات.

 

أما العوامل البيئية الرئيسة التي تسهم في متطلبات مياه المحصول:

 

ضوء الشمس: ضوء الشمس مهم لعملية التمثيل الضوئي للنباتات؛ كل من شدة وجودة الضوء مهمان للنباتات وكذلك مدة الإضاءة. كلما زادت شدة ومدة الإضاءة التي تتلقاها أوراق النباتات، زاد التبخر-نتح، مما يعني زيادة احتياجات المياه للنباتات.

 

درجة الحرارة: مع زيادة درجة الحرارة، تحتاج النباتات إلى مزيد من الماء؛ لذلك في الصيف تكون متطلبات الماء للنباتات أعلى منها في الشتاء. وفي عمان، يمكننا أن نرى في فترة بعد الظهر، في أيام الصيف الحارة، أن بعض النباتات تذبل بسبب فقدان الماء الزائد من الأوراق دون تعويض كافٍ من الجذور، وهذا ما يسمى بالذبول المؤقت.

 

سرعة الرياح: عندما تزيد سرعة الرياح، يؤدي ذلك إلى زيادة التبخر، مثل ارتفاع درجة الحرارة الذي يجعل النباتات تطلب مزيدا من الماء.

 

رطوبة الهواء: رطوبة الهواء لها تأثير عكسي على متطلبات مياه المحصول؛ لأنه إذا كان الهواء رطبًا، سيكون التبخر أقل؛ مما يؤدي إلى انخفاض احتياجات النبات المائية.

 

يمكن الحصول على مقدار احتياجات النبات فيزيائيًا بواسطة أجهزة القياس الليسيميترية أو من طريق الحساب. الليسيميترات: هي أجهزة تقيس فقدان الماء الفعلي من النباتات المزروعة في التربة، التي يمكن الحصول عليها بطرح الماء المفقود من التبخر-نتح من كمية الري والمطر. وتُستخدم هذه الأجهزة أساسًا لأغراض البحث العلمي. ومع ذلك، تؤخذ جميع العوامل في الحسبان، وهي نوع النبات والتبخر ودرجة الحرارة وضوء الشمس وسرعة الرياح ودرجة الحرارة والرطوبة.

 

نظام الري الناجح هو النظام الذي يوفر احتياجات المياه للنباتات بكفاءة دون إهدار الماء أو جعل النباتات تعطش. ويجب أن نأخذ في الحسبان عند حساب متطلبات الري، احتياجات المياه للنباتات إضافة إلى نوع نظام الري (سطحي، رشاش، تنقيط، تحت سطحي، إلخ)، ونوع التربة، وعمق التربة وجودة الماء. ويمكن تلخيص عوامل التربة edaphic factors التي تؤثر في حساب كمية الري الرئيسة كما يأتي:

 

نوع التربة: الخصائص الأهم لِتربة الزراعة المتعلقة بالماء هي معدل النفاذية وقدرة التربة على الاحتفاظ بالماء. كلاهما يعتمد على حجم جزيئات التربة؛ التربة الطينية لديها معدل نفاذية منخفض وقدرة احتفاظ عالية بالماء، من ناحية أخرى، التربة الرملية لديها معدل نفاذية عالي وقدرة احتفاظ منخفضة بالماء. التربة الزراعية هي مزيج من الاثنين مما يؤدي إلى معدل نفاذية عالي وقدرة احتفاظ عالية بالماء.

 

عمق التربة: وهو يحدد الحجم الإجمالي للماء الذي يمكن تخزينه فيها. ويجب أن يتناسب عمق التربة مع حجم النباتات.

 

 

كما لا تحتاج الخضروات والأعشاب إلى تربة عميقة، بينما تحتاج الأشجار مثل النخيل والمانجو إلى تربة عميقة نسبيًا لاستيعاب جذورها.

 

جودة الماء: توثر جودة الماء أيضًا على متطلبات الري؛ فإذا كانت المياه مالحة جدًا، نحتاج إلى غسل الأملاح المتراكمة من سطح التربة من حين إلى آخر، خاصة في المناطق الجافة والحارة مثل عمان.

 

دعونا نرى ماذا يحدث عندما نضيف الماء الى التربة حتى درجة التشبع:

 

أولا، الماء الزائد الذي لا يمكن أن تحتفظ به التربة يتسرب تحت منطقة الجذور للنباتات، وهذا ما يسمى بماء الجاذبية gravitational water. على الرغم من أن النبات لا تستفيد من هذا الماء، إلا أننا نحتاج إلى تشبيع التربة بالماء لغسل أملاحها في المناخات الجافة والحارة من وقت إلى آخر، خاصة في الصيف.

 

بعد أن ينتقل ماء الجاذبية بعيدًا عن التربة، تبقى التربة رطبة والماء المتبقي في التربة يسمى بالماء الشعري capillary water. ويتم احتجاز هذا الماء في الفراغات الصغيرة بين جزيئات التربة بواسطة القوة الشعيرية، ولكن القوة ضعيفة بما يكفي لتتمكن جذور النباتات من امتصاص هذا الماء.

 

الماء المجهري hygroscopic water يحدث كطبقة رقيقة من الماء حول كل جزيئة تربة بعد أن تزيل النباتات الماء الشعيري بالامتصاص. ويتم احتجاز هذا الماء حول جزيئات التربة بقوة قوية جدًا؛ بحيث لا يمكن للنباتات الحصول عليها؛ لذلك، هذا الماء ليس له فائدة لها.

 

يجب تصميم نظام الري بحيث يوفر الماء للتربة للحفاظ على مستواه عند أو قليلاً فوق مستوى الماء الشعيري، بحيث تكون التربة ليست جافة وليست رطبة جدًا حتى تتمكن النباتات من الحصول على متطلباتها المائية بسهولة مع بقاء بعض الفراغات في التربة، دون أن تحتوي على الماء بحيث يمكن للجذور التنفس (الشكل 2).

 

 

 

 

 

 

في نظم الري التقليدية في عمان، الأفلاج (الفلج هو المفرد من أفلاج)، يعرف المزارعون العُمانيون القدامى هذه العوامل بالممارسة، وصمموا نظام الري الخاص بهم بطريقة مستدامة للمحاصيل التي يعتمدون عليها على مدار السنة. ويتم تقسيم الأرض المروية إلى جزئين رئيسين، الجزء العلوي يسمى "الضواحي" والجزء السفلي يسمى "العوابي". في منطقة الضواحي يزرعون المحاصيل الدائمة، وخاصة النخيل والحمضيات والفواكه الأخرى، وفي منطقة العوابي يزرعون الخضروات والأعلاف والحبوب والنباتات ذات الجذور القصيرة. ويضعون أشجار الفاكهة والنباتات ذات القيمة الاقتصادية بالقرب من مصدر الماء والخضروات والمحاصيل ذات الجذور القصيرة في الجزء السفلي من نظام الفلج الزراعي. أما في الصيف، فيقطعون الري عن الجزء السفلي من النظام لضمان وجود كمية كافية من الماء لِأشجارهم لتزدهر، خاصة النخيل لأنها ذات أهمية اقتصادية كبيرة (الشكل 3).

 

 

 

كما أنهم يصممون جدول الري وفقًا لنوع التربة: فَالأفلاج التي لديها تربة ثقيلة تُعطى فترات ري أطول (دوران أطول مدة)، من ناحية أخرى، الأفلاج ذات التربة الخفيفة تُعطى فترات ري قصيرة. لضمان كفاءة الري العالية في الأفلاج ذات التدفق المنخفض، وقد بنى المزارعون خزانات ري لتخزين الماء بحيث يمكن إطلاقه بمعدل تدفق أعلى ولفترات زمنية قصيرة.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة