إنّها الموهبة ...
كثافة المعنى وسبكه في قالب الشعر
نأخذ بيد الشرارة المتوقدة للارتقاء بفحوى الكلمة، نُرسخ صداها، ونكفل المواهب الصاعدة ممن سبكوا تلك الكلمات في قوالب شعريّة، ملؤها المشاعر والمشاهد الجيّاشة؛ إذ إنها لا تزال سبيلًا لتوقّد الفكر وتهذيب النفس، استنبت هؤلاء المُفعمين بإرث العربيّة الكلمة المتوهجة في مشهدٍ شاعري... سُميّة السالميّة اتخذت من الشعر والكلمة ملجًأ لها، فكانت لسُميّة نِعْمَ الرفيق وسط زحام الصناعات، بل أرادت أن توثق مخزونها الفكري واللغوي في قالب شعري لتسهل لها كلماتها الوصول إلى عنان السماء. موهبة شعريّة اتخذت من الجامعة منبرًا لها، فكانت لها ما تُريد... فما لإشراقة إلا أن تكون منبرًا آخر للسالميّة... حوار شائق مع صاحبة الكلمة المُبهرة.
موهبة العدد: تحرير أُميمة الحاتمية.
1. عرفينا بنفسك (شخصياً وتعليمياً)؟
سُمية بنت زكريا السالميّة، أحيانًا يصعب على المرء تعريف نفسه، لكنني سأقول هنا، أنني الحالم الحادس أكثر من الذي يلتفتُ إلى المُعطياتُ بين يديه، مفتونة باللغةِ والموسيقى أكثرَ من أي شيءٍ آخر. تخرجت في جامعة نزوى تخصص علوم الحاسوب وأحاول اكتشاف الطريق والطريقة فيما بعد.
2. حدثينا عن موهبتكِ؟ وما الذي جذبك تجاهها؟
نحنُ نتكلم عن البداية هُنا، ولكن، ثمَّةَ أشياءٌ تنتهي إليها وحسب. لطالما كان المرء مؤهلا لكل ما وقع فيه أخيرًا، تطولُ مسافة وصوله أو تقصر. وما دون ذلك فهو لم يُجرب ويكتشف بعد. ولكنني لا أغض الحديث عن لحظة الافتتان الأولى بالكلمات ذات الإيقاع، حين وجدْتني مأخوذةً تمامًا بكثافةِ المعنى وسبكه في هذا القالب الصغير، وكيف تتحول هذه الصنعة الرائعة فيما بعد إلى هاجسٍ يُطاردك. فتارةً تُصبحُ الكتابةُ غايةً وحيدة من الكتابة، لتقولَ؛ لا لشيءٍ سوى لأن الكلام يمنحك لذةً توازي استلذاذ الطفلِ وهو يخربش بألوانه ويعيد ابتكار المشهدِ كما يراهُ من زاويته، أو أن تكتب لترى وتلاحظ، وتتلمس خرائطَ جديدة داخل وعيك؛ حتى أنني وجدتُ أن الكتابة تُصبحُ في مرحلةٍ ما، أسلوبًا حقيقيًا في تهذيب أفكارك، وكما يحتاجُ الجسدُ إلى طعامٍ صحِّيٍ وتمارينَ رياضيةَ لتحافظ على لياقته، فإن عقلك يحتاجُ إلى أُسلوبٍ يُبقيهِ مُتيقضًا ومتمكنًا .... وهذا شيءٌ تساعدك الكتابة عليه. كما تفعلُ أي مهارةٍ أخرى تُشرِعُ لمدارككَ المدى.
3. ما أهدافك القادمة التي من الممكن أن تنقل موهبتك إلى مكان أعلى؟
لا أفكر في هذه المرحلة على أن الكتابة مشروعٌ أحاول استثماره، بقدرِ رغبتي في اكتشافه وعيش التجربة منه. لكنني سأتحدث عن طبيعة المهاراتِ عمومًا، فلا أحد يستيقظُ ذات يومٍ وقد بَرَع في استخدامِ أداةٍ يمتلكها. وكل خطوة مهما تناهت في القُرب، هي نتيجةُ استعمالك للعضلةِ المعنيَّةِ، ودفعها من حالة استرخائِها إلى حالة المقاومة ورد الفعل، لذلك يبدأ الطفلُ أولًا بالزحفِ ثُمَّ الوقوف وبعدها المشيُ إلى الركض. كما أنه يتعثرُ كثيرًا ما بين ذلك. ولكن لأنه (حينَ يرى)؛ يعرفُ أن ذلك ممكنٌ في النهاية، كما يفعل الآخرون من حوله. وذلك جوهرُ الترقِّي والتقدم، في هٰذينِ العاملين الأساسين: الرؤية (لأن المدى محتمَلٌ)، والمحاولة. ولا يُعيقُ تقدم الإنسان شيءٌ أكثر من توجسهِ تجاهَ النتيجة. ذلك الهاجس الضبابيُ الذي يجعله مترددًا حيالَ استنزافِ فرصته.
4. برأيك، كيف يمكن صقل المواهب الشابة وتعزيزها ورعايتها؟
إن رعاية المواهب الشابة لمسؤولية فردية ومؤسسية في آن. فإن الفردَ الواحد حين يركِّز انتباهه وموارده في سبيلِ أن يصلَ لما هو أبعَد، فإنه بذلك يتحدى نفسه .. ولا شيءَ أرفعُ للمرءِ من تحدي نفسه واشتغالهِ في تقويم المُتراخي والمنهزمِ بداخله. وألفت اهتمامي هُنا بأثرِ التحدي على النتيجة، فهو مقدارُ المسافة ما بينَ الخُطوةِ والأخرى، كبرقٍ "كلما أضاءَ لهُم مَشَوا فيه"... ويا لروعةِ أن تكشطَ في سمائِكَ الساكنة ومضةً وأخرى، تبعثك من تسمُّرِك. أمَّا عن واجب المؤسسات الثقافية والتعليمية في احتضانِ المواهب الشابة، فذلك ما تجُيد فيه حينَ توفِّرُ للأفراد البيئة المنفتحة الداعمة، والنقد البنَّاء، والمراجع المتقدمة. كما تجمعُ بينَ الأفراد مُرتادي نَفسَ المدرسة والمهارة، ليطرحوا مستجداتهم ومحاولاتهم ويتبادلون فيها التجارب والخبرات، أو أن تنظم ما بينهم الورشات التدريبية. وبذلك يتحقق فيها التنافس مع الآخر واختبار نتائج اشتغالاتهم الفردية. ولا تنجح المؤسسة في ذلك إلا حين تنجح في إثبات مواكبتها، وابتكارِ الوسائل وتوظيف الممكن.
5. كيف يمكن أن يكون لمواقع التواصل الاجتماعي دور في تنمية موهبتك الشابة؟
مما لا شكَّ فيه أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جُزءً ذا ملمسٍ وعائد في حياتنا، على كافة الأصعدة والأنشطة، اجتماعيةً كانت أم شخصية، نعتمدُ عليها في أثناء محاولة الحصول على الدعم، أو المشاركة في الدوائر التي نرغب. كما أصبحَ من السهل للمرءِ طرح أفكاره على مجموعة أخرى من مُرتادي هذي المواقع، وذلك ما تستطيعُ استثمار مهاراتك فيه. فقد أصبحَ (كُتَّاب المحتوى) ذا رواجٍ وطلبٍ في مختلف المنصات الإعلانية والتثقيفية وغيرها. كما يفعلُ ذلك الرسَّام والفنان والعازِفُ والمُنشدُ والقارئُ والمصور والمتذوق والمصمم والمفكر والناقدُ والمُجرِّبُ والمطَّلِعُ عليها جميعًا، لِكُلٍ طريقته وأسلوبه في الطرح والتفاعل. وذلك ما يجعلُ لهذه المساحة الافتراضية دورًا معززًا في تطويرِ واختبارِ مهاراتك.
6. كيف وجدت اهتمام جامعة نزوى بالمواهب في أثناء دراستك بها؟ وما نصيحتك لتنمية هذا المجال؟
من لا يشكر الناس لا يشكر الله؛ لذلك لا يسعني سوى أن أوجه جزيلَ الشُكرِ للأستاذ سعود بن ناصر الصقري حيثُ أدارَ (مركز التميز) الخاص بالأنشطة الطُلابية، في أثناء سنواتي الأولى في الجامعة. كما أنه قد تفانى وسعىٰ ليحتوي المواهب الشابة في مختلف المجالات والجماعات الطلابية. حتى بعد أن شغلَ منصبًا آخر في الجامعة، لا يزالَ الطلبةُ يعودونَ إليهِ في أمورهم وأنشطتهم. وهذا مثالٌ حقيقيٌ للبيئة التي دعَمَت المواهب الصغيرة ووقفت خلفَ إنجازاتها الآتية. كما أن مركز التميز ضمَّ العديد من الجماعات الطلابية التي تطرح وتشارك في الكثير من الفُرص والمعارض والمسابقات والأنشطة الداخلية والخارجية، وقد سهَّلت على الطلبة تواصلهم وتوصُّلهم إلى المؤسسات التعليمية الأخرى.
أمَّا الكلمات التي أرغبُ في قولها لزملائي الطلبة، وكل راغبٍ يحاول بلوغَ ما تراودهُ بهِ نفسه، أن يُلحَّ في محاولتهِ ولا ينتظر اللحظة المُناسبة لكي يبدأ؛ فإن هذا القلق الذي لا تسمحُ لهُ أن يهدأ، هو وقودك ودفعتك المُحتملة لتحث نفسك على المواصلة .. ولا تنسَ أبدًا أن ثمار الرحلةِ وتحدياتها قد تكون أشهى من ثمار النتيجة نفسها. اكتشف، واستمتع.