السنة 19 العدد 181
2024/09/01

محاربة الإسلام لفكر التطيّر


 

ثويبة السليمية

 

حينما ادّعى فرعون  الألوهية، ظنَّ أن كل حسنة تصبه قد استحقها لأنها من صنعه، وكل سيئة تصبه من قحط أو بلاء يقول من صنع موسى عليه السلام ومن آمن معه، هنا تشاءم فرعون واطّيّر بموسى معللا أنّ العذاب أتى بمجيئه، فقال تعالى: "وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه". لم يفكر قط أن جوره وعدوانه سبب بلائهم.

 

والتطيّر يأتي بمعنى التشاؤم بزمان أو مكان أو شخص، فقديمًا من أراد أن يُقدِم على أمر ما استعان بطائر، فإن ذهب جهة اليسار فالأمر سيجلب لهم النحاسة؛ لذا يتجنبون فعله. وليس ببعيد أنهم يتطيروا بختام الأنبياء، فحدثوا أنفسهم أنه بقدوم محمد بن عبدالله تغيّرت أحاولنا إلى الأسوأ.. ويدل هذا أن التطيّر انثبق منذ العصر القديم، وارتبط واستمر في الحديث. 

 

لقد أتى الإسلام حاملًا معه كل فكرٍ يرقى بالأمة، محاربًا كل ما يمكن أن يؤذيها من صغير وكبير، والتطيّر من ضمنها؛ لأنه قد يودي بالمرء إلى الهلاك والتخلف عن الآخر، فيغدو يتطيّر بكل شيء يراه، حتى من كسر الزجاج، يقول لسان حاله: الشر قادم؛ فيقعد عازلًا نفسه مانعًا إياها من التقدم كي لا يصيبه مكروه، فتصبح طبيعة كل متخاذل يشكك بمجريات الحياة يتعلل، فلا يُقْدِمُ على عمل بزعمه أنه سيتأذى منه. 

 

هذا يثبت أن الإسلام عندما يحارب فكرة لا يعني القضاء عليها، بل تظل طبيعة موجودة في قلوب ضعيفة لا تؤمن بوجود رب دافع للبلاء جالب للرزق، والغريب في الأمر أنهم يتطيروا بأشياء هي من مقومات الحياة، قد تتمثل في الحيوان أو النبات أو الجماد، حالها كحالنا لا دخل لها في أقدارنا، ومن الأساس ما أدرانا بالقدر كي نربط المحسوسات بالتشاؤم! 

 

التساؤل الآن، هل بقدوم العلوم المتطورة والعصر الحديث تخلص الناس من خرافة التطير؟

 

نرى أنّ الإنسان يتغير ويتبدّل بتغيّر نفسه، غير ذلك أنّى له أن يتقدم فكريًا؟ فالخرافة مقرونة بالجهل، فمن يؤمن بالتطيّر فتصبح عادة فيه يقرّ لنفسه بالتخلف. في حين، نجد عالمًا أو مخترعًا أو أيًّا كان عندما يمر شهر من الشهور يصبح راكدًا، نادرًا ما يمارس نشاطاته العادية؛ بحجة أن هذا الشهر شهر التعاسة، لسان حاله ينطق أن كل ما أقوم به يكون ضدي، لنركز على أنه يُشهَد له بالعلم! لكنّ علمه لم يدفعْهُ عن فكره الجاهلي، بل غاب علمه حسرات عليه؛ لذا ما كل عالم يخرج من دائرة الجهل، فلا الشهر يجلب الشر، ولا تجنبك له يجلب لك الخير.

 

وقد ظهر بين الناس من يثبط عزيمتهم، إذ إن الرزق قد قلَّ، والوظائف في حال متدهور؛ وهذا بدوره يحتم على الإنسان أن يعيش في فقر ... هكذا يعيش الناس بعدها في قلق من القادم، كيف نعيش وكيف تمضي الحياة، فيتشاءم ويتطير بكلام لا صحة له؛ كأن كلامهم مقرون برزقهم، فيظل بلا عمل بحجة تلاشي الأرزاق، ونسوا قول تعالى: "وما من دابة إلا على الله رزقها".

 

ومن الناس في أيامه الجيدة والسعيدة يظن في لحظتها أنها السعادة الخالدة ويتفاخر بحاله، بل يتفاجئ بعدها بمصيبة يتقين عندها أن أيام الراحة لا تأتي، ويشرك بالله وتذهب تلك الطمأنينة اللحظية هباء، هذا يطابق قوله تعالى: "ومنَ النَّاس من يعبدُ اللَه على حَرْف".

 

أما الذي يُحيّر، فذلك الذي يحدث عند رؤيتهم لشخصية ما في منافسة معينة، إذ يتشاءمون بأن لهم الخسارة بوجود تلك الشخصية بين الحضور، مع علمهم أنه لا علاقة له بما يجري، بل يصرون ويجزمون أن الخسارة مقرونة بتلك الشخصية حتى قبل بدء المنافسة أصلا؛ لأن طائره نحس. ونقيس على ذلك جميع هذه الظواهر التي ما أنزل الله بها من سلطان.

 

إن ترسّخ فكر التطيّر عند المرء يخلّف القنوط من رحمة الله والانحطاط والتراجع بدل الاستمرار، وعلى المسلم إذا وجد في نفسه ما يقوده إلى ذلك، أن يدفعه بالإيمان واليقين؛ بل يحدث نفسه بالفأل الطيب، فقدر الله كله خير.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة