السنة 19 العدد 181
2024/09/01

ألوانه تتجاذب الطبيعة  ... 

الهوية العمانية وحضارتها العريقة وإرثها الثقافي ألهمت أعماله الفنية

 


 

 

أجرى الحوار: محمد بن علي الإسماعيلي

 

الفن فعل نقوم به، نُعبّر من طريقه عن أفكارنا وحدسنا ورغباتنا، ويكتسب خصوصيته امتدادا لشخصية صاحبه. تجده مبتكرا للكلمات العذبة والمعاني الجزيلة؛ بل هو الأدب المعطاء الذي نغرس في طبيعته أزكى البذور لنجني أجمل الأزهار وأطعم الثمار. الفن قياس تأثير انغماس صاحبه في عمله؛ فذائقته تبعث الشيء وضدّه؛ إنّه وسيلة لالتقاط العالم بمادياته ومعنوياته ... فلتكن مثلًا لوحة تصيغ المعنى فيما وراء اللغة، فتخلق بلطخة فرشاة واحدة سعادة في عين الرائي ورمزا في ذاكرة التاريخ.

 

 

في ضيافتنا الأستاذ خالد بن يعقوب السبهاني، فنان تشكيلي متجدد مع الوسط الفني، ولد في قرية فنجاء بولاية بدبد في محافظة الداخلية؛ وذلك في شهر إبريل من العام الميلادي 1978م. نشأ في أسرة فنية برع فيها الجدُّ في صناعة المشغولات السعفية ليكون ممن يضرب المثل فيهم، وتمكّن فيها أبوه من الشعر العربي الفصيح؛ لتتلألأ المفردات الجزلة معانٍ رفيعة في قصائده. الحوار الآتي سنتعرف عن قرب على إسهام السبهاني في تطوير السيرة العلمية للفني التشكيلي بسلطنة عُمان.

 

أين الفنان خالد السبهاني في سطور تخصصه؟

 

أحمل مؤهل ماجستير الفنون الجميلة من جامعة السلطان قابوس ضمن دفعة 2021م، عملت معلم فنون تشكيلية منذ العام الدراسي 2001م، ثم مشرف فنون تشكيلية عام 2007م، إلى أن أصبحت مشرف أول فنون تشكيلية في وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 2012م. أعمل حاليا محاضرا للتربية الفنية والفنون الجميلة في جامعة نزوى، كما أنني عضو الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، ومؤسس فريق دار الارتقاء للفنون، ومنسق مجلة الفنون الجميلة والتصميم بجامعة نزوى.

 

 

ترعرعت في أسرة فنية، أحبت الفن منذ مراحل متقدمة في حياتي، إذ بدأ اهتمامي بالرسم مع دراستي في المرحلة الابتدائية تحديدا في الصف الرابع. كنت شغوفا بحصة التربية الفنية، ومع بداية المرحلة الإعدادية كنت حريصا على المشاركة في جميع المسابقات الفنية الداخلية والخارجية، فحصلت على جوائز ومراكز متقدمة، أبرزها الميدالية الذهبية في مسابقة "مصر في عيون أطفال العالم"، وجائزة أخرى من جمهورية الهند.

 

لقد شجعني ذلك على الاستمرار وبذل مزيد من الاهتمام بالرسم والتشكيل، وأصبح حلمي دراسة الفن في جامعة السلطان قابوس، فعملت على ذلك وبفضل الله تحقق، إذ التحقت بدراسة التربية الفنية بجامعة السلطان قابوس في العام الأكاديمي 1997/1998م، وبحمد الله احتككت بالعديد من الخبرات والمعارف، ومارست الكثير من المهارات الفنية؛ سواء أكان ذلك في المقررات الدراسية أم المشاركة في نشاط جماعة الفنون التشكيلية. كما أظهرت مهاراتي وقدراتي في المعرض الشخصي الثنائي المشترك بيني وبين زميلي في الجامعة ونحن في السنة الثالثة للدراسة الجامعية".

 

ورفعت مسيرتي تلك في البدايات الأولى شغفي الكبير لممارسة الفن التشكيلي على مستويات أعلى؛ بل واصلت دراستي في درجة الماجستير في مجال الفنون الجميلة بجامعة السلطان قابوس، وأسعى الآن نحو دراسة الدكتوراة في نفس المجال بعون الله.

 

كيف أسهمت نشأتك في التعلّق بالفن التشكيلي؟

 

أسهمت نشأتي في التعلق بالفن منذ الدراسة الابتدائية مرورا بالمراحل الدراسية الأخرى، التي تكللت بالدراسة الجامعية في مجال التخصص، إذ تُوِّجت بالانفتاح الجميل على الوسط الفني في المجتمع ممن يمارسون الفن، ثم الانضمام إلى عضوية الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، ولقاء الفنانين العمانيين البارزين في تلك الفترة، أهمهم: الفنان أنور سونيا والفنان سعيد العلوي.

 

 

 

وتواصل الشغف لدي بالاهتمام بالمشاركة في معظم المعارض الفنية التي كانت تنظمها الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، ومرسم الشباب، كما قمت بتنظيم ثلاثة معارض شخصية؛ وقد ساعدني ذلك على الاهتمام بنشر الفن والتوسع فيه، فتمكنت مع مجموعة من زملاء الفن من تأسيس مؤسسة أهلية في الفن، اسمها: دار الارتقاء للفنون بمحافظة الداخلية.

 

كيف استخدمت فن الرسم للتعبير عن الحضارة العمانية ومنجزها؟

 

الهوية العمانية وحضارتها العريقة وبيئتها ومناظر طبيعتها الخلابة وإرثها الثقافي الجميل، المتمثل في رموزها التراثية الجميلة، مصدرُ انطلاقتي واستلهامي لمعظم أعمالي الفنية، إذ يجد المتذوّق أن أعمالي تبرز جانب الإرث الحضاري العماني الجميل ومظاهر النهضة العمانية، فقد اتجهت في فني إلى دمج الماضي بالحاضر الجميل لعُمان؛ باستخدام تقنيات فنية ذات أساليب حديثة معاصرة.

 

ما قراءتك للعلاقة القائمة بين الدراسات العليا والفن في سلطنة عمان؟

 

بعد زيادة عدد الدارسين للفن على مستوى الدراسات العليا؛ أسهم ذلك بشكل كبير في الارتقاء بمستوى الفن التشكيلي العماني على مستوى المعارض المنظمة والأفكار الفنية المطروحة في المعارض؛ مما هيّأ ذلك لظهور المؤسسات والجمعيات الأهلية في الفن التشكيلي على مستوى محافظات السلطنة، مثل: مؤسسة بيت فن صحار في محافظة شمال الباطنة، ودار الارتقاء للفنون بمحافظة الداخلية، وغيرهما من الجمعيات والمؤسسات الأهلية في الفن.

 

كما أنّ جوهر لقاء الدراسة الأكاديمية التخصصية بالقدرات والمهارات التشكيلية، قد تبلور في قراءة تاريخ الفن والاطلاع على الممارسات في الفنون المعاصرة وما بعد الحداثة؛ مما أدى إلى ظهور فن راقي مدروس، وأسهم ذلك أيضا في الارتقاء بكثير من الاهتمام للعديد من المجالات الفنية، مثل: النحت، والتركيب، والخزف، والجرافيك، والتشكيلات الحروفية، وفن الميديا، والفيديو آرت ... وغيرها بعد أن كانت تقتصر على مهارتي الرسم والتصوير.

 

 خالد السبهاني: أركز على اختيار الأعمال الحديثة التي بُنيت على أساس علمي فلسفي وأساليب فنية معاصرة.

 

 

 

كيف وجدت استقبال الجمهور للوحاتك وفنك الذي تقدّمه؟

 

من المعلوم أن الفنان كلما اهتم بفنه ومارسه بشغف وحب محاولاَ التطوير فيه، زاد ذلك من رقيه ورفع من قدر شأنه، ولله الحمد كنت -ولا زلت- أرى أن الفن جزء لا يتجزأ من اهتماماتي الحيوية، إذ اعطيته جل وقتي واهتمامي، فممارستي المستمرة وتجاربي في الفن جعل من فني محط اهتمام ومحلّ استقبال من متلقي الفن أو عموم جمهور المجتمع خاصة المحلي؛ لأنه نابع من أصالة الثقافة العمانية وهويتها التي يعتز بها كل فرد ينتمي إلى هذا الوطن العريق.

 

حدثنا عن أشهر أعمالك الفنية؟ بدءا منذ أن كانت فكرة إلى أن أصبحت جزءا من الواقع الفني.

 

في مسيرتي الفنية أنتجت أعمالا كثيرة جداَ وجميعها عزيزة إلى نفسي، ولكن تختلف حسب الأساليب الفنية ومراحل الحياة والفلسفة الفكرية التي أطرحها في كل فترة زمنية؛ إذ تتلخص المراحل الفنية في سيرتي في الآتي:

 

  • المرحلة الأولى: المرحلة الفنية التأسيسية: (1997م- 2001م):

هي مرحلة الدراسة الأكاديمية لدرجة البكالوريوس في التربية الفنية، وتتلخص في ممارسة مهارات الرسم والتصوير واكتشاف بعض المجالات الفنية، مثل: الخزف، والتصميم، والتشكيل بالخامات المختلفة، والطباعة (الجرافيك). وقد أنتجت فيها أعمالا فنية نتيجة لتطبيق المهارات التدريسية في مختلف المجالات، وكانت الأعمال الفنية المنتجة تتميز ببساطة التكوينات الفنية، واللجوء إلى التقليل من العناصر المرسومة، والميل نحو الأساليب الكلاسيكية والواقعية البسيطة، التي غالبا ما تكون مستوحاة من البيئة العمانية وتراثها، وأكثر ما ميّز هذه المرحلة غزارة الإنتاج.

 

  • المرحلة الثانية: الفنان التشكيلي المشارك: (2002م- 2014م):

وتتلخص هذه المرحلة في محاولة صنع اسم فني بين وسط الفنانين التشكيليين العمانيين؛ وذلك من طريق المشاركة في معظم المعارض والورش الفنية التي كانت تنظم من قبل الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، ومرسم الشباب، ووزارة التربية (كوني كنت معلم فنون تشكيلية ثم مشرف فنون تشكيلية في هذه الفترة). وأهم ما يميز أعمالي في هذه الفترة محاولة طرح أفكار فلسفية مختلفة، والتجريب المستمر للخامات اللونية سعياَ لاكتشاف أسلوب فني مميز. وقد تعددت الأساليب الفنية واتجاهاتها في أعمال هذه المرحلة، مثل: السريالية والتجريدية والتأثيرية ... وغيرها من الأساليب.

 

  • مرحلة اكتشاف أسلوب فني خاص: (2015-2019):

 من في التجارب الفنية في المرحلة السابقة توصلت إلى أسلوب فني خاص بفني التشكيلي، إذ كان بارزاَ في جميع أعمالي في هذه الفترة، وهو أسلوب العلاقة التبادلية بين الشكل (الموضوع) والأرضية، مستخدما خامة ألوان الأكريليك السائلة، ووظفتها بتقنيات السحب والرش والدمج مع التأثيرات الملمسية؛ فألوان الأرضية المتمازجة بطبيعتها الشفافة والمتداخلة تأتي فجأة لتظهر موضوع العمل ... وهنا تكمن العلاقة التبادلية بين الموضوع والأرضية؛ إذ تلعب الأرضية دور الموضوع والعكس صحيح. وقد برز ذلك ليميّز أعمال هذه المرحلة، التي تلخصت في معرض "أصالة فكر"، وهو معرضي الشخصي الذي أقمته في قاعة عرض مطعم روزنة في عاصمتنا الجميلة مسقط عام 2019م. وفلسفة أعمالي في هذه الفترة جاءت لتبرز العلاقة الجميلة بين أصالة التاريخ والتراث العماني ومنهجية فكر عُمان في حاضرها ومستقبلها.

 

  • مرحلة الفكر المعاصر في الأعمال الفنية: (2020م-2023م):

وقد أتت هذه المرحلة لتبلور الفكر الفني والانفتاح على التجارب العالمية والاطلاع على فنون ما بعد الحداثة والمعاصرة؛ كونها مرحلة متأثرة بدراستي الأكاديمية في مرحلة الماجستير في الفنون. فيما جاءت أعمالها بمنهجية متزنة ارتبطت تجربتها الفنية بالبحث العلمي والدراسة بأسلوبي الممارسة والتجريب، وقد حددت موضوع قضيتي الفنية، هو: (النخلة مصدر إلهام جمالي في الفن المعاصر)؛ ثم تشكّلت فلسفة أعمالها في (المرئي وغير المرئي).

 

وما يميز هذه المرحلة تنفيذ مجموعة كبيرة من الأعمال بأساليب فنية معاصرة، مثل: المكس ميديا - التركيب - التجهيز في الفراغ - فنّ الأرض). وهي مرحلة اتسمت بغناها الفكري والفلسفي والتقني؛ وجوهرها الخروج عن المألوف وتوظيف مبادئ الأصالة والابتكار. 

 

ما حجم التأثير المتبادل بين واقع المجتمع وظروفه وإبداعك الفني؟ وما الحركة الفنية الأبرز حالياً (عربياً ودولياً)؟

 

الفنان بحاجة إلى أن يكون مواكبا للأحداث المجتمعية والعالمية التي يتأثر بها ويؤثر فيها، ولي مشاركات، سواء أكانت خاصة أم من طريق المشاركات الجماعية مع الفنانين، فقد شاركت فنياَ في مناسبات وقضايا المجتمعية محلية، مثل: مناسبات العيد الوطني ويوم المرأة والندوات والمؤتمرات العلمية المختلفة. وأيضًا الخارجية، مثل: قضية فلسطين ومؤتمرات ومعارض الدولية وإقليمية.

 

إلى أي مدى تؤمن بقوة قدرة الإبداع الفني التشكيلي على التأثير والتعبير عن مختلف مجالات الإبداع الإنساني؟ أعطنا أمثلة

 

الفن التشكيلي من المجالات المميزة التي تلعب دورا كبيرا في التأثير والإسهام في جميع المجالات، وهذا ما نلاحظه في فن الحضارات القديمة؛ إذ يعد توثيقا حقيقيا وبارزا لثقافات الشعوب المختلفة، فنجد الفنون المرسومة والمنحوتة في الأهرامات والمعابد المصرية في فترة العصر الفرعوني هي مَن وثّقت تاريخ هذا العصر وخلدته، كما نجد ذلك أيضا في فنون حضارات بابل وأشور، أم على المستوى المحلي، فما نجده من إرث فني معماري في القلاع والحصون والمساجد والمباني الأثرية القديمة فهو أكبر دليل على تأثير الفن على مختلف مجالات الإبداع الإنساني، ناهيك عن أهمية الاستعانة به في جميع شؤون الحياة اليومية، على سبيل الذكر التصاميم الإنشائية والصناعية. والفن أسلوب حياة لكل فرد على هذه البسيطة، إذ فطر الإنسان على حب جماله. وقد قال رسول الله ﷺ صادقًا في حديثه الذي أخرجه مسلم في صحيحه: "إن الله جميل يحب الجمال".

 

لو أقيم أضخم معرض (محلياً أو دولياً) لاختيار لوحات الفنانين التشكيليين، ماذا ستختار من لوحاتك؟ ولماذا؟

 

في مثل هذه المعارض العالمية سوف أركز على اختيار الأعمال الحديثة التي بُنيت على أساس علمي فلسفي وأساليب فنية معاصرة؛ كونها تجمع بين عنصر الأصالة ممثلة في الثقافة والهُوية العمانية، وعنصر الابتكار والمعاصرة؛ لتكون أساليب تقديمها متجانسة مع الفكر العالمي المعاصر، الذي يهدف إلى مثاقفة التراث بالحديث، وجمع الحضارات والأمم لتتداخل أفكارها وهويّاتها وتتلاقح؛ لتنتج مادة تجسّد حضارة الإنسان وتاريخه.

 

 

متى ترسم (في أي ظروف)؟ وبمن تأثرت من الفنانين محلياً وعالمياً؟ 

 

أحب ممارسة الفن في وقت فراغي، إذ أعدّه متعة حقيقية لي كي أفرّغ طاقتي لأنتج أعمالا فنية خلّاقة؛ فعند ممارستي للفن أكاد لا أشعر بمرور الوقت، بل أتلهف للرجوع إليه حال انقطاعي عنه لظروف الحياة، كما أن إنجازي لأي عمل فني يبعث في نفسي شعورا بالفخر والاعتزاز والسعادة.

 

كيف تجد علاقتك بالألوان - اللوحات - الإضاءة - الوقت - الحافزين المادي والمعنوي؟

 

الإنسان بطبيعته وفطرته محب للجمال، والفن أساس هذا الجمال؛ كونه يخاطب المشاعر والأحاسيس والوجدان الكامنة في داخل المرء وسيرورته، ويسمو بالنفس إلى أعلى المستويات. انظر مثلا إلى تلك العلاقات الجميلة بين الظلال والإضاءات، ستجدها علاقات تترجم جانب الحياة التي أعيشها ويعيشها جميع الناس؛ أي المتناقضات الجميلة في الحياة: الليل والنهار، والشتاء والصيف، الخير والشر ... وغيرها كثير. أما الألوان فتبهج النفس وتريح العين وتبعث في نفسي الراحة والطمأنينة لما تكتنزه من باعث للاستمتاع برؤية العلاقات اللونية المنسجمة والمتآلفة والمتوافقة بهرمونية جميلة، ومن يعتاد التعامل مع تأثيرات الفرشاة والألوان يقوده ذلك إلى متعة حقيقية لرؤية الطبيعة بعين البصيرة، بما فيها من تفاصيل جميلة قد تكون غير مرئية عند الإنسان العادي أو بتعبير آخر: قد لا تشدّ انتباهه ورعايته.

 

ما أقرب أعمالك إلى قلبك؟ وما قراءتك لها؟

 

سأقدم لكم لوحتين: اللوحة الأولى تحمل اسم: "علاقات جمالية في النخلة"، استعملت فيها خامة اكريليك على قماش، أنتجتها عام 2020م، تحمل مقاس160*120سم. وقراءتي لهذه اللوحة أجدها في أن العمل ترجمة لفلسفة البحث، الذي يتبع في الإنتاج الفلسفة الخاصة بمحاولات تجديد نشاط العين في رؤية الواقع بالاستفادة من التقاطات الكاميرا للتكوينات التفصيلية القريبة جدا، الواضحة في أجزاء النخلة من طريق التأمل البصري لإيجاد علاقات تكوينية خطية ولونية وملمسية متكاملة؛ وذلك تأكيدا على إظهار الجوانب غير المرئية بشكل مباشر ومعتاد من قبل المشاهد العادي.

 

 

ويأتي التأكيد هنا على اختيار لقطة تكوينية مقربة جدا لمشهد مأخوذ من مكونات النخلة، وقد تكون هذه اللقطة غير مرئية بشكل مباشر لدى المشاهد، مع تعمد إظهارها برؤية الفنان اللونية، وهي رؤية مغايرة عن الواقع؛ لذا على أن الفنان دائما التنبّه لنقطة انطلاقه الطبيعة في أعماله الفنية؛ ليكون ملهما ومثيرا تشده رؤية الطبيعة والأشياء أبعد من ذلك حسب رؤيته الفنية الخاصة؛ لإضفاء نوع من الدهشة والإبهار لدى المتلقي تجاه عمله لإيصال رسالته الفنية. 

 

أما اللوحة الأخرى فعنوانها: "موسم جداد النخيل"، ومجالها الفني عمل تركيبي – مكس ميديا، الخامة المستعملة فيها اكريليك على قماش وخامات النخيل. سنة إنتاجها 2020م، ومقاسها: الجزء العلوي 130*80سم.

 

قراءتي الخاصة لهذا العمل تكمن في أن هذه التجربة الفنية تعتمد في الإنتاج على الفلسفة الخاصة بمحاولات التأمل والتفكر في رؤية الواقع؛ تأكيدا على إبراز وإظهار جماليات تفاصيل النخلة وتكويناتها الرائعة، وهنا دعوة إلى التأمل والتفكر في إعادة صياغة مشاهد الذاكرة ورؤية الجمال فيها، والاستمتاع بالعلاقات البصرية ذات الحس الجمالي من طريق البحث والتقصي والتعمق في اختيار الموضوع، والبحث عما هو جديد في الطرح بعيدا عن التقليد؛ وذلك بتصوير مشاهد من مواسم جني ثمار النخيل التي كان يعيشها الفنان بكل بساطة واستمتاع في طفولته، وتستدعيها ذاكرته بأسلوب المكس ميديا في مجال التجهيز في الفراغ، إذ إن النخلة كانت قريبة من حياة الفنان ونشأته؛ كونها مصدر إعمار وفخر واعتزاز للإنسان العربي المسلم، إذ يعدها رمزا للعطاء والسخاء والكرم والشموخ.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة