السنة 19 العدد 181
2024/09/01

موهبة قلّ نظيرها ...

لغة القدم ... ترجمة وطباعة النصوص

 


 

حرّره: ثويبة السليمية

 

منذ قديم الأزل، كانت الشعوب ببداوتها تخترع لغة لها، فلا حياة بلا لغة، إذ خُلقت اللغة لاستمرار الكائن الحي في العيش، ولكل شعب لغته، سواء بالنطق أم بالإشارة أم بالرموز، فهي مفتاح التواصل بين الشعوب، وباب دخول إلى كل مجهول، فلا نعي المرغوب إلا باللغة؛ لذا لا عجب أن اللغة موجودة حتى بين الحيوان والنبات وكل على شاكلته.

 

فمن آيات المولى عز وجل أن جعل من ألسنتنا اختلافًا، والاختلاف سنة الله في الأرض؛ لذا حق علينا تعلم لغة غيرنا لنفيد ونستفيد، ونجد شغف بعضنا يصل إلى تعلم لغة قد تكون مندثرة في العصر الحالي، يدفعه إلى استكشاف القديم وأخذ الخبرة منه، وتسخيره للجديد.

 

وهذا ما يحدث مع ضيفنا في مجلة "إشراقة" الطالب عبدالرحمن بن ناصر المعدي من ولاية بهلاء الحاصل على درجة البكالوريوس من جامعة السلطان قابوس في علوم الأرض (جيولوجيا) عام ٢٠٢٢م، ويدرس حالياً تربية في الكيمياء بجامعة نزوى، وكذلك طالب إسناد في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي، إذ يتعامل مع النصوص الأكادية والسومرية.

 

 

(تاريخ اللغتين)

في الألفية الثالثة قبل الميلاد، حدث تطور ثقافي تكافلي بين السومريين والأكاديين، إذ شمل دمج اللغتين (كتابة اللغتين في آن واحد). إن تأثير اللغة السومرية على اللغة الأكادية (والعكس صحيح) واضح في جميع المجالات، ابتداءً من الاقتراض المعجمي الواسع إلى النحو والصرف، وحتى التقارب الصوتي. نرى أصل الأكادية أنها لغة سامية قديمة ظهرت في بلاد ما بين النهرين، وتعد من أقرب اللغات القديمة إلى اللغة العربية، أما السومرية فكانت اللغة التي تحدث بها السومريين في جنوب بلاد الرافدين.

 

(محطة عبور)

لينجز المرء حلمه يمر برغبة في عبور البداية؛ فبداية صغيرة ثم إحباط أحياناً وتراجع ثم عزيمة فحب العمل فإتقان، هذه طبيعة الإنسان. مرَّ عبدالرحمن بصعوبة في بداية المشوار خاصة في أول محاولة له في التعامل مع النصوص الأكادية والسومرية وقراءتها، فالكثير من الأسئلة تحوم في خلده، هكذا أسئلة البداية كثيرة. إنه يستغرق وقتًا كثيراً في بادئ الأمر عند طباعة النصوص، فهو يتعامل مع لغة قديمة، ولكن مع الأيام والاستمرار بدأت هذه الصعوبة تتلاشى إلى حد ما، وذلك مع العمل المستمر وطباعة النصوص بشكل شهري، أصبح الأمر يسيراً وممتعاً له في طباعة النصوص في وقت وجيز.

 

 

(عند الكتابة)

يؤكد عبدالرحمن على أنّ ما يهم في التعامل مع النصوص أولاً هو فهم الرموز ثم الممارسة والتدريب عليها، ثم طباعتها بتركيز وبشكل صحيح كي لا يختل المعنى، أخيراً، مراجعة النصوص بتمعن وكذلك لا نغفل إمكانية التعامل مع برنامج الورد بمهارة وتقنية لطباعة النصوص وعمل المجلدات والموسوعات كما استخدم أدوات للكتابة القديمة: قلم القصب، والعظام، الطين، وألواح الشمع.

 

مآزرة وتكاتف

تعاون عبدالرحمن في هذا المجال مع الدكتور الباحث التاريخي نائل حنون، وكان نعم المعلم، نَصفه أنه موسوعة متحركة في مجاله، وتمكن بفضل الله ثم جهود الطرفين أن يتعلم عبدالرحمن الرموز الكتابية غير المستعملة في الطباعة العربية والاستفادة منها في نقل المصطلحات إلى العربية، ثم انتقل إلى إعادة صياغة نصوص لاتينية بالعربية، وفي المرحلة الحالية يمارس ترجمة نصوص قديمة مجهولة إلى لغة عربية مفهومة وواضحة اعتماداً على الأصوات، والاطلاع على منهجية جديدة في نقل المعارف من لغات مجهولة إلى العربية. كما درس منهجية إعداد المعاجم المبتكرة.

 

طموح واحتراف

حدثنا عبدالرحمن عن مهاراته بقوله: "اكتسبت المهارة اللازمة والجديرة بالفخر في التعامل مع النصوص السومرية والأكادية ولا أنكر خبرتي. وكأي شخص طموح أسعى إلى مزيد من التقدم والمعرفة وإتقان اللغة بشكل احترافي، كما أتطلع مستقبلاً أن أكون مساعد باحث في هذا المجال في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي لأطور مهارتي والتعمق في هذا المجال".

 

ويكمل: "ما ساعدني في ذلك تنظيم الوقت، فهو العامل الأساس في الموافقة بين الدراسة والإسناد بعد التوكل على الله. كما أستثمر وقتي أحيانا بين المحاضرات لأنجز بعضا من أعملي، وفي أوقات الفراغ والإجازات كذلك، وفي المقابل أعطي الدراسة حقها، وبهذه الطريقة يحدث الانسجام بين الأمرين".

 

ويكمل: "أما عن السؤال الأكثر طرحا لي فهو: ما اللغة التي تتعامل معها وهل تفهمها؟ 

 

فأجيب: إنها اللغة المسمارية، وهي إحدى اللغات التاريخية التي تستخدم في الآثار قديماً لفهم الخطابات والمكاتبات في العراق آنذاك، ونعم أصبحت أفهم بعضاً منها".

 

كلمة أخيرة

اللغة الهوية الناطقة، وهي من تأسس مجتمعا وأمة وتاريخا وحضارة؛ لذا ختم عبدالرحمن كلامه بحثنا على تشجيع وتثقيف عامة الناس بهاتين اللغتين قراءة وفهماً، فكل لغة تعبر عن حياة الناطقين بها، وعن التزاماتهم، وكيف حلوا مشاكلهم وتعايشوا مع وضعهم البدائي، كل ذلك يسهم في تكوين فكرة وثقافة عن الماضي العتيق، بالإمكان أن نجد معلومات ومهارات هذا المجال عند الدارسين والباحثين في الشأن الأكادي والسومري.

 

  

إرسال تعليق عن هذه المقالة