السنة 19 العدد 179
2024/05/01

حين يلتقي الطالب بأستاذه .. هاني الغيثي يفتح صندوق الذكريات مع أستاذه في العراق الدكتور ماجد الخزاعي

 


 

 

إشراقة: تقرير خبري

 

"إنما الإنسان أثر" عنوان لمقال، تحدثت فيه الكاتبة عالية الهمدان عن الأثر الذي يتركه الإنسان على العالم، وكيف يؤثر في الطبيعة والمجتمعات والثقافة بشكل عام، وكان عنوان المقالة أول ما تبادر إلى ذهني عندما قرأت السرد الذي كتبه الدكتور هاني بن سعيد بن مبارك الغيثي عن معلمه الأستاذ الدكتور ماجد حمزة الخزاعي؛ إذ وصف فيه أعظم أنواع الأثر الذي من الممكن أن يقدمه أحدنا، وهو أثر الإنسان على الإنسان، الذي دام في حياة الدكتور هاني سنوات طويلة تدفق على شكل كلمات ومشاعر فاضت عند لقائه بمعلمه الدكتور ماجد بعد عشرين عامًا منذ آخر لقاء لهما. 

 

شخصية الدكتور هاني

 

منذ كان في جامعة نزوى أستاذا ننهل منه المعارف والعلوم، كانت شخصية الدكتور ماجد الخزاعي محط اهتمام طلبته، يتبادل معهم الود والاحترام.

 

يقول الدكتور هاني الغيثي مستذكرا تلك المرحلة: "لقد كان الدكتور ماجد الخزاعي رجلا مؤثرا، ورغم مرور عشرين عاما فقد ترك أثرا عميقا داخلي، فعلًا وقولًا، وها أنا أسطر ذلك وبكل بساطة دون مجاملات مني أو ديباجات زائفة. إنما أعبر عن ذلك بكل تلقائية وحِس إنساني مترجما ما تمليه روحي بشكل مباشر بلا رتوش أو مزايدات؛ إذ تعيد الذاكرة تشكيل ملامح ووقائع الأستاذ الدكتور ماجد حمزة الخزاعي من جديد، عندما التقينا وافترقنا قرابة عشرين عاما، ثم التقينا من جديد في هذا العام وهذا الكون الشاسع والمشاعر الكبيرة التي فاضت. التقينا بعد كل هذه السنوات والمسافات والإنجازات واحتشاد الأحداث الكثيرة والمثيرة التي غزتنا وغيّرتنا، ولطالما آمنتُ أن حب المعلم أو المحاضر نصف المتعة وطريق لحب العلم ومواصلته والاستزادة منه، فما بالنا بملازمة هذا المعلم أو شيخ العلم والتواصل معه وعدم نسيان كلماته وجميل معروفه علميا وإنسانيا". 

 

من أين بدأ التغيير

 

على الرغم من قدم العلاقة التي جمعت الدكتور هاني ومعلمه إلا أنه لا يزال متأثرا بطريقته وتعامله، وقد تحدث عن ذلك قائلا: "المحاضر الواثق من أدواته ومن علمه يطل بكل ثقة واتزان، ولا يبرح الذاكرة أو الوجدان، نبراس يضيء بعلمه وأفكاره ظلمات أيامنا وغموض أحلامنا القادمة. هكذا كان شعوري طوال كل هذه السنوات منذ أن التقينا به نحن طلبة الدفعة الأولى في التأهيل التربوي في جامعة نزوى عام 2005/2004، كأنه أب يلقي النصح الحقيقي الدائم كي نتجنب السقوط في فخ قسوة الحياة، منحنا خلاصة تجاربه بكل إخلاص يومها، فكان الاحترام والتقدير منا هو أقل ما نرد به عليه".

 

 

سنون كثيرة مرت، لكن الذي يبقى كل هذا الوقت حتما كان له وقع مختلف يومها، ومما لا شك فيه أن ليس كل أحد يستحق مكانة عزيزة في أعماقنا؛ لا سيما مع التقدم في العمر والتجارب وضغوطات الحياة وفهم مضامينها؛ لكن الدكتور ماجد ظل عالقا في ضمائر طلبته وعقولهم.

 

شعور لا يوصف

 

وقد وصف الدكتور لقاءه بمعلمه: "هذا العام، وبعد جهد جهيد، استطعت الالتقاء بالدكتور ماجد في وطنه العراق، مدينة كربلاء، احتضنتُ هذا الجبل العالي بكل محبة وانبهار، وقبّلت جبينه الشامخ، شعرتُ بانتصار عظيم يجري في دمي، ازددت ارتواء من نهره العذب. لقاء شرح صدري وأشعرني أن الحياة لا تزال لها قيمة ومعنى حين نحقق ما نحلم به؛ فقد كان لقائي به ضمن أحلامي الدائمة، لقاء كان يهفو له قلبي طوال عشرين عاما، وأنعش بصيرتي، يا له من شعور حين تلتقي بملهمك رغم مرور السنوات والظروف وتغيّر الأحوال والأماني". 

 

أما عن شعور معلمه فقد قال: "لقد كان الدكتور ماجد سعيدا جدا بزيارتي هذه له في موطنه بعد مرور كل هذه الأزمنة، وكم كان ممتنا ومرحبا أنني قدمت له من سلطنة عُمان التي عمل بها وعاش فيها فترة من الزمن، وأن أحد طلبته يعود كطائر وفيّ، يأتيه منها حافظا للود والجميل ويثير بداخله الحنين، وكان أشد سعادة أنني أكملت الدكتوراة، وأنه كان جزءا من التحفيز ومواصلة مشوار التعليم العالي المتواصل دون انقطاع منذ تدريسه لنا عام 2005/2004 في جامعة نزوى ومرورا بجامعة آل البيت بالأردن محطة للماجستير؛ فقد كانت رسالة الماجستير مهداة له بكل فخر مني وتقديرا له، ثم جامعة تونس حيث نلت درجة الدكتوراة عام 2012 في إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التعليمية، دون توقف أو استراحة إلى أن نلت ما تمنيت. وقد أسعده ذلك كثيرا". 

 

ما أحلى الماضي وتكراره

 

لا حدود للمكان أو البقعة التي جمعتهما معا، سواء في نزوى التاريخية، أو في كربلاء العتيقة. إنه سفر فكري وحميمية وأبوّة غادقة، تبقى مفتونا بهذا الاتساع اللامتناهي للأفق وفضاءات المعرفة والحضور الإنساني، وتنشيطا للهِمة والسعي والأمل. لم يتغير أبدًا، ظل شامخا بذات الفكر والتعاطي مع قضايا الحياة، رغم المطبات الكثيرة التي مر بها الإنسان العراقي خصوصا، وربما ازداد صلابة وثراء *معرفيا وفلسفيا* عن الحياة وتقلباتها وأحداثها.

 

صناعة التغيير

 

 كلمات وجمل كثيرة واقتباسات تمنحنا دفعات معنوية للحياة كان يرددها علينا وعينه تشملنا بالرعاية. كلمات نظل نفكر فيها، إذ إنها تمثل لغة حلوة ومحفزة ولها معنى ومذاقا جديدا علينا كنا نحتاجه يومها طلبة للعلم بدأنا نتفتح لتوّنا، ثم اتضح لنا أننا نحتاجها دوما في حياتنا. أذكر الآن منها على سبيل المثال: "لولا الأمل لانقطع العمل" وكذلك: "حياتك من صنع أفكارك". وغيرها الكثير من العبارات الأبوية التي كانت لنا ملاذا من أعاصير الأيام، العبارات الممتدة إلى أعماق الروح، التي شجعتني شخصيا على المضي قدما في الحياة، والعزم على مواصلة الدراسة للدكتوراة. فليبارك الله هذا الرجل الذي لم أر له مثيلا، ولن تجود الأيام بمثل إطلالته البهية. وبذلك يبقى الود محفوظاً بين البشر مهما طال الفراق وابتعدت المسافات.

 

 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة