الزراعة وموارد المياه في عُمان في السجلات والتقارير البريطانية
د. ناصر بن سيف السعدي
أستاذ مساعد
كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج
تضم المكتبة البريطانية العديد من التقارير والمسوحات عن عُمان بدءاً بتركيبتها الجغرافية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بالإضافة إلى مواردها الطبيعية، خاصة فيما يتعلق بالزراعة والموارد المائية والغطاء النباتي. وتعود أقدم التقارير التي تناولت الموارد الطبيعية لعُمان إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، وفي البداية كانت المساحة المخصصة للموارد الطبيعية ضيقة، ولم تهتم بالتفاصيل الدقيقة، وتم في إنتاجها من قبل السياسيين والعسكريين، إلا أن مع مرور الزمن تزايد الاهتمام البريطاني برصد الموارد الطبيعية. ونحاول في هذا المقال الموجز تسليط الضوء على نماذج من تلك التقارير ومراحلها وخصائصها، وهي كما يأتي.
مذكرات مختصرة تحتوي على معلومات عن النظام السياسي والموارد الطبيعية في عُمان، أعدها المقدم أتكينز هامرتون، سفير الحكومة البريطانية ووكيل شركة الهند الشرقية في أراضي صاحب السمو إمام مسقط. وقد تم تقديم هذا التقرير إلى الحكومة البريطانية في الهند بتاريخ 24 مارس 1855م. وإلى جانب الجوانب السياسية، تناول التقرير التربة والمصادر الطبيعية والصناعية، والطرق ووسائل النقل البرية والبحرية، والمناخ ومتوسط درجات الحرارة.
جيمس ريموند ويلستد، رحلات في شبه الجزيرة العربية. تم إعداد هذا المسح في الفترة ما بين عامي 1835-1836م، وتناول هذا التقرير التركيبة الجغرافية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الموارد الطبيعية لعُمان، مثل الزراعة ووسائل الري والغطاء النباتي. ومن بين ما جاء في هذا التقرير عن إدارة الموارد المائية، ما يأتي: "كل المدن في داخلية عُمان تدين بخصوبتها إلى سلوك السكان عندما كانوا يعمدون إلى جلب الماء إليها بأنفسهم، وهذا أسلوب خاص يميز هذه البلاد، ويتم ببذل كثير من الجهد والمهارة، وهما صفتان صينيتان أكثر منهما عربيتان". وتحدث التقرير باستفاضة عن نظام الأفلاج في عُمان. ويقول التقرير أيضًا: "لم تعد الحكايات التي تدور عن الواحات من قبيل المبالغات؛ لأن خطوة واحدة تنقل المسافر من وهج الصحراء ورمالها إلى طريق خصب ترويه مئات الجداول الصغيرة وتحتشد فيه أنواع الخضروات والنباتات وتظلله أشجار باسقة تحجب تماما أشعة شمس الظهيرة القاسية". وتضمن هذا التقرير ملاحق تتعلق بالأحوال الجوية في سلطنة عُمان في الفترة التي تم إعداد المسح فيها.
مايلز. س. ب- الخليج بلدانه وقبائله. طُبع هذا النص لأول مرة عام 1919م في لندن. وبعيداً عن شكل العنوان، فإن هذا النص يتحدث عن عُمان فقط، وتناول الجوانب السياسية والاجتماعية والجغرافية، بما في ذلك الموارد الطبيعية، مثل الثروة السمكية والحيوانية، والإنتاج الزراعي، والغطاء النباتي، وملاحظات عن أنواع الطيور. وقدم هذا النص إحصائية لحوالي (39) نباتاً ومحصولاً زراعياً.
الطبوغرافيا الطبية لمسقط من إعداد جراح الوكالة البريطانية بمسقط أتماريم ساداشيف جاياكار. ورغم أن هذا التقرير يركز في الأساس على أنواع الأمراض في مدينة مسقط والمناطق المجاورة لها، إلا أن التقرير تطرق إلى جوانب جغرافية ومناخية وإمدادات المياه والغذاء.
- السجل التاريخي للخليج وعُمان وأواسط الجزيرة العربية، من إعداد ج.ج. لوريمر، في الفترة ما بين 1905-1907م. ويعتبر هذا التقرير من أشمل التقارير التي تم إنتاجها عن شبه الجزيرة العربية، بما فيها عُمان، وينقسم إلى قسمين تاريخي وجغرافي. وتناول الجانب الجغرافي جميع المدن والقرى العُمانية المعمورة في ذلك الوقت، من حيث خصوبة التربة والمناخ والموارد المائية والثروة الحيوانية والزراعية والنباتية وسائل الري.
شبه الجزيرة العربية، المجلد الأول، من إنتاج أركان الحرب الإمبريالية،قسم الاستخبارات البحرية، مايو 1916م. يتناول هذا النص طبيعة الطقس والمناخ، وكميات الأمطار، والمنتجات الزراعية، والغطاء النباتي، والموارد المائية. وأشار هذا التقرير إلى وسائل الري وهي الأفلاج والآبار.
على الرغم من أنه قبل العقد الثاني من القرن العشرين، كان جمع البيانات والتقارير يتم في إطار المسوحات الاجتماعية والسياسية والاجتماعية والثقافية، إلا أنه منذ العقد الثالث من القرن العشرين، بدأت المسوحات تأخذ جوانب أكثر تركيزا وتخصصا. وبدأت تظهر تقارير تهدف إلى دراسة الموارد الطبيعية وإمكانية تنميتها، والتعريف بالأساليب والتقنيات الحديثة. سواء في طرق الري أم تحسين خصوبة التربة أم إدارة الثروة الحيوانية والسمكية. ومن أمثلة هذا النوع من التقارير ما يأتي:
الثروة الحيوانية والنباتية وجيولوجيا أجزاء من منطقة الباطنة، من إعداد السيد داوسون عام 1927. تحدث هذا التقرير عن النظام الزراعي في عُمان، من حيث الزراعة وأدواتها، والمحاصيل، وطبيعة التربة، وأنظمة الري، والأيدي العاملة\ البيادير، وملاك النخيل\ الهناقرة، وشمل المسح أعداد النخيل وتقديرات المحصول السنوي، وحجم المساحة المزروعة. ووصف التقرير سهل الباطنة، على النحو الآتي "من المخطط الصغير الذي رأيته، ومما أمكن لي قراءته حول الباطنة، باتت لدي قناعة بأن هذا البستان هو ثاني أكبر بستان أشجار النخيل في العالم".
مسوحات وتقارير بين الأعوام 1933-1939م. الأول منها صدر عن هيئة الأركان العامة البريطانية في الهند، وقد تضمن جوانب تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية عدة، وتلك المتعلقة بالموارد الطبيعية. وشمل بيانات عن الطقس والمناخ وإمدادات المياه. ويشير التقرير إلى المدينة العُمانية وَمصادرها المائية، سواء من طريق الأفلاج أم الآبار. على سبيل المثال، أشار إلى مدينة صور قائلاً: "يتم جلب المياه من الآبار في بلاد صور، وهي قرية على بعد ميلين من الداخل، والآبار بجوار صور شديدة الملوحة. وفيما يتعلق بالموارد الطبيعية الأخرى في عُمان جاء في التقرير ما يأتي: "… البلاد قاحلة جداً باستثناء التمور والوقود… التربة ليست خصبة إلا في بعض الأماكن في الباطنة… ولذلك القول إن النزول إلى عُمان سيعتمد على جميع الإمدادات باستثناء الوقود. وفي تقرير آخر عام 1939م، أصدرته أيضا هيئة الأركان العامة، وطبع عام 1940م، لا يختلف كثيرا عن هيكل التقرير السابق، إلا أن الأحكام والتصورات هي التي اختلفت. ولم تعد البلاد قاحلة في نظر معدي التقرير، فقد تزامن هذا التصور المتغير مع حصول شركة الامتيازات النفطية المحدودة عام 1937م على امتياز التنقيب في عُمان. وأهم ما أشار إليه التقرير فيما يتعلق بإدارة الموارد المائية هو إشارته إلى كيفية تزويد مدينة مسقط بالمياه، إذ جاء إن مسقط بها مستودعات لتخزين مياه الشرب وقناة مائية تؤدي إلى الرصيف الواقع جنوب قلعة الميراني، ويمكن تزويد السفن بالمياه على الرصيف عبر الأنابيب. ويوجد مركب مائي حمولته (45) طنا لتزويد السفن بالماء. وأشار التقرير أيضا إلى إمكانية تطوير وتوسيع الزراعة في مدينة روي، إذ تتمتع بإمدادات مياه كبيرة. وفيما يتعلق بالموارد الأخرى، لم يختلف التقرير عما ورد في التقرير السابق، باستثناء الإشارة إلى عدد الآبار في بعض المدن والقرى، منها على سبيل المثال قرية ضباب (5) آبار، قرية بمة (4) آبار، طيوي (20) بئراً، وبلاد صور (80) بئراً.
- مراسلات تعود إلى عام 1941م، بين الوكيل السياسي في مسقط والمبعوث البريطاني إلى البحرين، بشأن إمكانية توفير المياه الارتوازية في مسقط، أو في أي مكان آخر على ساحل الباطنة. ويتضمن التقرير أيضا مراسلات تتعلق بترتيبات لجيولوجي من النفط شركة الامتيازات المحدودة يقوم بزيارة مسقط لتقييم المنطقة.
تقرير بعنوان: "التنمية الزراعية والصناعية في سلطنة مسقط وعُمان" من إعداد بريان جوزيف هارتلي مدير الزراعة بعدن عام 1948م. ويتضمن التقرير مجموعة من الصور تظهر إمدادات المياه وبساتين النخيل والمحاصيل الزراعية.
ومع بداية سبعينيات القرن الماضي ظهرت العديد من التقارير والمسوحات المتعلقة بالموارد الطبيعية، وكان أهمها: تقرير يعود تاريخه إلى عام 1974م، وهذا التقرير تطرق إلى العديد من المشاريع التي تم إعدادها مسبقاً أو في طور الإعداد، وركزت على الجوانب الآتية: الأرصاد الجوية، وكل ما يتعلق ببيانات الغلاف الجوي ودرجات الحرارة والرياح والتبخر وتدفقات المياه السطحية وانتقالات المياه الجوفية وغيرها. كما أشار التقرير أيضا إلى بعض الدراسات التي تعالج قضايا الموارد المائية في عُمان، منها: مشروع ميشيل كوتس، ومشروع مدرسة نزوى الزراعية. ومسح للموارد المائية أجراه السير ألكسندر جيب وشركاه. وقد وُصف هذا التقرير بأنه أول مسح علمي. ومشروع جامعة دورهام بتمويل من شركة تنمية نفط عُمان. ومسح موارد التربة أعده مكتب السيد جيب وسوجري. والدراسات المسحية والأبحاث المتعلقة بمحافظة ظفار. وتضمن التقرير ملاحظة مفادها أن الخبراء والاستشاريين ليس لديهم مؤهل في الخدمة المدنية العُمانية؛ بهدف استيعابهم والعمل على أساسه؛ ولذلك أوصى الدكتور ريس ديفيز من AGS والسيد فيتزغيبون، اللذان زارا عُمان في نوفمبر 1974، بـإنشاء هيئة للموارد الطبيعية في وزارة التنمية العُمانية بمساعدة ثلاثة خبراء بريطانيين للمساعدة الفنية.
(1)
الصورة لبرج الرياح وقلعة بهلا تم تصويرها من قبل العقيد مايلز في سبعينيات القرن التاسع عشر الميلادي
(2)
أشجار النخيل تم تصويرها من قبل العقيد مايلز في سبعينيات القرن التاسع عشر الميلادي
(3)
صورتان للمواشي بجانب المياه في محافظة ظفار، يعود تاريخهما إلى عام 1948