"إشراقة" تتبع أثر طلبة جامعة نزوى في معرض مسقط الكتاب الدولي
تقرير واستطلاع: ثويبة السليمية
للكتاب صفحات تغني العقل عن الجهل، وتحث الفرد على العمل، ويحوي كلمات أكثر مما تحويه الألسن من تعبير؛ فهو بنك المفردات، يهب القارئ معجم الحياة، يقرب ما هو بعيد، ويترجم ما هو معجم.
في عالم تسوده المتغيرات على صعيد الأفكار الدخيلة، وترويج مفاهيم لا تتوافق مع القيم الإنسانية، يشتغل الكتاب على منظومة تفاعلات فكرية مع مختلف الثقافات؛ فمنه تظهر إبداعات أدبية في مجالات شتى؛ ذلك أن الكتاب أساس لتحقيق نهضة تعليمية وفكرية وتنموية.
لقد أتى معرض مسقط الدولي للكتاب 2024 المقام في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض بمسقط في دورته الثامنة والعشرين، في الفترة من 21 فبراير إلى 2 مارس؛ وذلك كي ينهض بالفكر ويغرس بذور الذكر في مجالس العلم. فيما بلغ إجمالي العناوين والإصدارات المُدرجة في موقع المعرض 622 ألف عنوان، منها 269 ألفًا تقريبًا كتب عربية، و200 ألف كتاب أجنبي. بينما بلغ عدد المجموعة العُمانية 19 ألف كتاب، وبلغ عدد الإصدارات الحديثة التي طُبعت بين 2023 و2024 حوالي 35989 كتابًا. وضم أكثر من 120 فعالية في مختلف المجالات؛ ليعطي الزائرينكم كبير من الفائدة، وق شاركت جامعة نزوى بركن خاص بها في المعرض.
واستثمرت صحيفة "إشراقة" هذه التظاهرة الثقافية المهمة؛ إذ استطلعت رأي طلبة جامعة نزوى من مختلف التخصصات وآراءهم عن معرض الكتاب؛ لتقصي توجهاتهم الفكرية وتطلعاتهم الثقافية.
تعددت الأسباب ...
تكمن أهمية معرض الكتاب في ذلك الدافع العلمي الذي يلفت الزوار من مختلف الشرائح العمرية والعلمية. إذن، ما دوافع طلبة جامعة نزوى من زيارتهم لمعرض مسقط الدولي للكتاب؟ وما الذي لفت انتباههم فيه؟
أجاب الطالب وليد بن سالم المعولي، يدرس تخصص تربية لغة عربية، عن هذا السؤال بقوله: "يهمني شراء الكتب التي أحتاجها في مسيرتي الدراسية، وكذلك اكتساب ثقافات جديدة تفيدني في الحياتين العلمية والعملية، وما لفت انتباهي الطاقمين الإداري والتنظيمي للمعرض، والفعاليات المتنوعة المقامة". أما بدور بنت خالد الصبحية، تدرس تخصص تربية لغة إنجليزية، فقالت: "الذي دفعني لزيارته،شغفي للاطلاع على الكتب، إذ يبهجني منظر الكتّاب ورؤية الكتب بين الأرفف، والأهم ترتيب المكان وأناقته، فهي من عوامل نجاح المعرض، والفعاليات التي تضم الكبار والصغار بناءً على ما يحتويه ويهدف إليه".
في حين تخبرنا شروق بنت خميس القاسمية، تدرس تربية لغة عربية، عن جوهر زيارتها أنها تعد عادة سنوية تقوم بها، فالمعرض وهج ثقافي ومعرفي يضيء سماء مسقط، بتجدد عرس القراءة، وهي النافذة المفتوحة دائما؛ فنطل منها على آفاق أرحب. وما يشد المرء في المعرض الخلاب جانبه الفني البارز، ومجسم مدينة السلطان هيثم المستقبلية فكرة ثرية.
لكلٍّ منهاجًا
تعددت الوسائل التي يلجأ إليها الإنسان للحصول على المعرفة، إلا أنّ الكتاب ظلّ متربعا على عرشه لما له من مكانة وقدسية في مسالك العلم وطالبيه. ونرى سنويا ذلك الجهد الجهيد الذي تشتغل عليه دور النشر في استقطاب الأقلام ودفع حركة التأليف وطبع الكتب ونشرها في مختلف العلوم والمعارف. إلا أنّ أدوات العلم والمعرفة في عصرنا الحاضر لا تقتصر على حدٍّ واحد؛ بل تتعد الشرائع وتتنوع المشارب.
ناقشنا طلبة جامعة نزوى عن أبرز الوسائل المعرفية -غير الكتاب- التي يقدمها معرض مسقط للكتاب؟ ومن بين أبرز الإجابات التي حصلنا عليها ما قالته شهد بنت هلال الشامسية، تدرس تخصص أمراض نطق ولغة، بقولها: "يتضمن معرض الكتاب العديد من المصادر المعرفية، مثل: الوسائل التكنولوجية الحديثة والفعاليات الفنية والندوات التثقيفية".
وحين يعلم الطالب أن ما يتعلمه لا يجب أن ينحصر على الدراسة الجامعية، بل لا بد له من التوسع في مجال تخصصه، فهل يجد الطالب بغيته عند زيارته المعرض؟
حكت ميثة بنت خميس الخنبشية، تدرس تخصص تربية رياضيات، تجربتها بقولها: "كنت فيما سبق أبحث فقط في الأدب، وركزت في الفترة الماضية على الأدب العربي والعماني خاصة، وبالنسبة للتخصص لم أقرأ عنه كثيرًا، بعدها بدأت في قراءة تاريخ الرياضيات، إذ أبحث عن اقتراحات من القراء، وأبحث عنه في الموقع؛ فمن طرق تميّز الإنسان في تخصصه أن يقرأ فيه وألا يكتفي بدراسته الجامعية". وأضافت إليها موزة بنت حميد السنانية، تدرس تخصص تربية مجال ثان، متحدثة: "أستعين بمحرك البحث لمعرض الكتاب، أو محرك البحث (جوجل) ... وأبحث عن الكتب التي تناسب تخصصي وتخدمني في مسيرتي الدراسية".
وفي ذات السياق، وافقتها شهد بنت فائل الحربية، تدرس تخصص تربية لغة إنجليزية،إذ استعانت بتطبيق "MIBF"، الذي يحتوي على محرك بحث. تقول: "فعندما أجد كتابًا يدعم تخصصي أبحث عنه في التطبيق فتظهر أسماء الأجنحة التي يوجد بها الكتاب".
الرواج في الميزان!
تتصدر أحيانًا عناوين كتب معينة في معرض الكتاب دون غيرها؛ لتصبح أكثر رواجا وأشد انتشارا على وسائل التواصل؛ مما يؤدي بها الأمر لتحقق أعلى المبيعات. فيا ترى هل يحرص طلبة الجامعة على شرائها أم يتريثون حتى يكتشفوا موضوعاتها؟ هذا ما حاولنا تلمّسه في نقاشنا معهم.
نستطيع القول فا بادئ الأمر، إننا وجدنا اتفاقا بين الطلبة في هذا الطرح، إذ إنهم يتريثون عند شراء أمثال هذه الكتب. مثلا ميثة تقول: "إن الكتب التي حازت إعجابًا كبيرًا من 2021 إلى الآن لم أقرأها، أفكر أن أجدها يوما ما ولو بعد خمسة أعوام، بل أقرأ صفحات عشوائية، وأجد أن الكتاب يستحق ذلك الصخب". فيما عقّبت عليها موزة بقولها: "أحياناً تسمع أن كتابًا وصل للطبعة المليون ... إذن الكتاب يحقق مبيعات عالية! الأمر ليس دائماً هكذا، بل مثال ذلك كأن يقوم الكاتب بطباعة عشرة آلاف نسخة ويحسب كل ألف نسخة أنها الطبعة الأولى والألف الثانية الطبعة الثانية وهلم جرًا ... حتى يصل إلى الطبعة العاشرة دون أن يطرح الكتاب موضوعًا ذا قيمة؛ فليس بالضرورة أن تكون المبيعات العالية مؤشرا على نجاح الكتاب، والعكس صحيح؛ لذلك سأتصفح الكتاب بنفسي وأنظر إن كان يناسبني أم لا".
وتفاعل إسحاق مع هذا السياق في حديثه مؤكدا على أنّه يستعير ممن في حوزته الكتاب حتى يتعرف على مضمونه ومحتواه، ثم يقبل على شرائه من عدمه.وتوافقه الرأي شهد الحربية بقولها: "أقرأ عن مضمون الكِتاب أولاً، رُبما لا يُناسب ذوقي في اختيار الكُتب". وأضاف راشد: "جوهر الكتاب في مضمونه لا شهرته، إذ توجد كتب حققت شهرة عالية وهي بعيدة عن الآداب الاجتماعية".
الورق ... ثروة أم ثورة؟
تستمتع وأنت تستمع إلى طلبة العلم، تحاور أفكارهم لتستخرج ما تختمره أذهانهم من معارف ومهارات في شتى صنف العلوم وفنونه؛ ربما لأن الثقافة مخزون معرفي متنوع في أبسط معانيها؛ فتجد الإنسان طامح إلى تلقف ما هو جديد، ومطالعة ما هو مفيد. تقول شهد الشامسية: "إن المخزون الثقافي سلاح الفرد، يجعله ملمًا بمجالات مختلفة، وعضوًا فاعلا في المجتمع". أما راشد بن جمعة الفارسي، يدرس تخصص تربية فنية فيقول: "الثقافة مزيج متنوع من المعارف، وهذا يثري تفاعلنا مع العالم، ويسهم في توسيع مدركات آفاقنا".
دورة بعد دورة نجد أن المشتغلين على معرض مسقط الدولي للكتاب يسعون إلى مواكبة التطورات التكنولوجية والنهضات الرقمية المتسارعة، وقد ركّزوا في هذا العام على فعاليات متخصصة في الذكاء الاصطناعي. ما مدى تأثير ذلك على طلبة جامعة نزوى الزائرين له؟ بمعنى آخر: سألناهم عن مدى تأثير الذكاء الاصطناعي في صناعة الثقافة؟
رأت ميثه أن الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يوسع المدارك، فكل ما يدهش الإنسان ويفاجئه خارج توقعاته يعلمه شيئًا جديدًا، هذا الشيء تفعله الكتب في صفحة واحدة فقط؛ بمعنى أدق يقال إن الذكاء الصناعي يفعل أشياء لا يتوقعها الإنسان، لكن يبقى للكتاب هيمنة متفرّدة.
لكن ... في ظل الثورة التكنولوجية الواسعة، امتدت توجهاتها لتصل إلى الكتب، فأصبح بإمكان القارئ أن يطالعه رقميّا. إذن لماذا نحتاج إلى الكتاب الورقي؟
تقول ميثة:"إنّ مصادر القراءة تعددت، والكتاب الورقي ليس مجرد مصدر للقراءة فقط، بل امتياز عظيم حتى في ملمس الأوراق، إذ يمتلك طريقة شاسعة لتصل المعلومة إلى عقل الإنسان، وعلاقة القارئ الوطيدة بالكتب لم تعد كالسابق؛ لأن الكتاب كان السبيل الوحيد للقراءة".
تضيف: "في بعض الأحيان الكتب لا تتوفر ورقيًا، فقد يرجع ذلك إلى البعدين المكاني أو الزماني، حينها نقرأه إلكترونيًا". وأضاف راشد، أنّهلابد من الدمج بين الكتب الإلكترونية من جانب كونها سهلة الوصول، ومن جانب آخر الكتب الورقية لأنها توفر تجربة مميزة، إذ نشعر بالتفاعل مع الصفحات التي تسهم في تركيزنا وفهمنا العميق للمحتوى. وقد وافقه الرأي إسحاق، فمهما تطوّرت التكنولوجيا، تبقى لرائحة الورق عبقها الخاص.
وشاركتنا شهد رأيها، بقولها: "إنّ الكِتاب أنيس الروح، و كَما قيل (إنّ القراءة ترياق، ترياق ضد الوحدة، والملل، والقلق، والجهل، ضد كل شيء). وثورة التكنولوجيا تشتت العقل بما فيها، ومَهما بَلغت، لا تغنيك عن مصداقية الكِتاب الورقي". وأكّدت موزة على أن الكتاب الورقي يبني علاقة وثيقة بين القارئ والكتاب، وهو أكثر راحة للعين وهذا ما لا يوفره الكتاب الإلكتروني.
ذو حدّين
أخذت التكنولوجيا حيّزا سلبيا في كثير من الأوقات في مختلف أوساط المجتمع؛ لما لها من آثار سلبية صحيا ووجدانيا ونفسيا واجتماعيا وطبيعيا؛ إذ إنها تأخّر النمو وتوجد خللا، لكن -في نفس الوقت- لا يمكن أن نشكك في أنّ هذه التكنولوجيا أسهمت إسهاما كبيرا في رفع العلم إلى مرتبة متقدمة؛ لتبقى سلاحا ذا حدّين كما يطلق عليها غالبا.
وقد اشتغل معرض مسقط الدولي للكتاب على توظيف التكنولوجيا واستثمارها الاستثمار الأمثل؛ لينهض بدور النشر المشاركة والكتب والكتّاب ووسائل التواصل والاتصال؛ ليكون قريبا من العالم متاحا لكافة المهتمين؛ ليبقى التساؤل فارضا نفسا: كيف يمكن أن يتفادى معرض الكتاب الرواسب السلبية التي تفرضها التكنولوجيا؟
تجيب ميثة عنه ميثة بقولها: "معرض الكتاب فرصة كبيرة للعدول عن التكنولوجيا الخطرة، لأن المصادر القرائية موجودة في السلطنة بشكل كبير. كما أنّ معرض الكتاب فرصة لأن تجتمع كل هذه المصادر في بؤرة معرفية؛ بحيث يسمح للقارئ بالتجول وعن يمينه مصادر المعرفة وعن يساره مصادر العلم أو أكثر، وبمجرد دخوله ينسى التكنولوجيا غالبًا، والشيء الجميل أن السلطنة بدأت تجمع بين هذه المصادر وبين التعلم الرقمي أو الإرشاد الرقمي".
حافز أكبر
يحفز المعرض الطالب على الاطلاع، ويبث كثير من مفردات الثقافة ويصححها؛ لذا يولي طلبة جامعة نزوى أهمية خاصة له وللقراءة، وهذا دليل على تعلقهم بكل ما يخص بالمعرفة ومستجداتها.
تقول شروق: "تكمن أهمية المعرض في نشر الوعي والثقافة المعرفية، ولابُد من كل شخص يذهب إلى المعرض أن يكون لديه هدف يسعى إليه". وأضافت بدور أن المعرض يستقطب الكثير من الأشخاص كتّابا وقرّاء، صغارا وكبارا، والأهم من ذلك تناغم الزائرين و البائعين من مختلف الدول وتآلفهم؛ ليكون مقصدهم نماء ثقافة عُمان، وهذا تبادل ثقافات مميز وتعارف مذهل. بعدها أضاف وليد قائلا: "سعى المعرض إلى تحقيق أهداف معينة على المستويين المحلي والعالمي، منها: مشاركة دور النشر من مختلف دول الوطن العربي والعالم؛ لتوسيع الثقافات وتحفيز الشباب للاشتغال على النتاجين الفكري والمعرفي".
وبما أن المعرض حاز اهتمامهم، فقد كانت لهم آراء لتطوير هذا الحدث السنوي المهم، وقد اقترحت شروق أن تفصل منصات التوقيع عن الدور لما تسببه من ازدحام. كما ترجو بدور أن تمد الفترة الزمنية التي يقام فيها المعرض؛ كي ينال نصيبا أكبر يستحقه من الاهتمام والمطالعة والزيارة.