سيرة تربوية ...
شخصيتنا مسيرتها حافلة وهمتها متقدة منذ بواكيرها
إشراقة: شخصية العدد
إن التنشئة الصالحة التي يجدها الفرد منا منذ بداية حياته كفيلة بأن ترسم مساراته في الحياة، وإن الفرد منا ينجز ويستمر في العطاء إذا ما وجد بيئة محتضنة، وأسرة مخلصة وشغفًا متجددًا ممتدًا، وهذا كله انعكس في حياة ضيف إشراقة لهذا العدد الدكتور سعيد بن علي بن عبدالله الحضرمي، رئيس شعبة الإحصاء بكلية العلوم والآداب في جامعة نزوى.
ولد الحضرمي عام ١٩٧٢م بقرية فرق في نزوى، وكانت نشأته دينية بامتياز، فقد نشأ في أسرة وبيئة محافظتين، فجده إمام مسجد الهابط في قرية فرق، وقد كان كثير القراءة للقرآن الكريم وهذا ما انعكس إيجابًا على جميع أفراد العائلة من الأبناء إلى الأحفاد؛ فكان نتاجه حصول الأبناء على إجازات قرآنية.
وعن والديه يقول ضيفنا: "أما بالنسبة لوالديّ فقد كانا حريصين على نصحنا للاهتمام بالدراسة واكتساب المعرفة والبعد عن رفقاء السوء. وكان أبي حريصًا على متابعة دراستنا وتقدمنا في المنزل والمدرسة".
وأضيف: "وقد كان المجتمع أيضًا بيئة مناسبة للتنشئة الصالحة بوجود المخلصين الحريصين على تعليم النشء النصح والإرشاد في بيئة ريفية بسيطة بعيدة عن تعقيدات المدينة، كما لا أنسَ فضل المسجد والارتباط به والمحافظة على الصلوات في جماعة وحضور مجالس الذكر؛ مما كان له الدور في الابتعاد عن التسكع وتضييع الوقت فيما لا فائدة منه".
رحلة ممتدة
يتحدث ضيفنا عن رحلته التعليمية بقوله: "بدايةً درست على يد المعلم أحمد بن عامر البريدي، رحمه الله، الذي كان معلما للقراءة والكتابة والقرآن الكريم في فرق. ثم التحقت بالتعليم النظامي في مدرسة أبي الأسود الدؤلي حتى الصف الثالث الإعدادي (التاسع في النظام الحالي)، بعدها انتقلت إلى مدرسة أبي عبيدة الثانوية. وبعد حصولي على الثانوية العامة (الدبلوم العام حاليا) التحقت بكلية التربية في جامعة السلطان قابوس بتخصصين: رئيس في الرياضيات وتخصص فرعي في الحاسوب. وبعد التخرج، أي عام 1994م، انضممت إلى سلك التدريس في مدرسة أبي الأسود الدؤلي مدة 4 سنوات. ثم عدت للدراسة في جامعة السلطان قابوس للحصول على الماجستير في تخصص الإحصاء، ثم عملت مشرفا تربويا بمديرية التربية بالداخلية مدة سنتين، بعدها التحقت بكلية التربية في نزوى محاضرا لمساقات الرياضيات والإحصاء ومشرفا على طلبة التربية العملية. ثم واصلت دراسة الدكتوراة بماليزيا وتخرجت فيها عام 2007م. وبعدها عملت أستاذا مساعدا في كلية العلوم التطبيقية بنزوى، ثم أستاذا مشاركا حتى عام 2022م. وقد كان لي شرف الالتحاق بجامعة نزوى في أغسطس 2022م، وقد عيّنت رئيسا لشعبة الإحصاء في يناير 2023م.
تنوع واستحقاق
يستدرك الحضرمي حديثه عن دراسته قائلاً: "كان لدراسة الماجستير دور فعال في الاتجاه نحو تخصص الإحصاء وتعلم المنهجية العلمية للبحث العلمي من طريق رسالة الماجستير؛ ونتيجة لذلك نشرت أول بحثين في مجلات علمية. وأشيد هنا بالدور الكبير لمرشدي وموجهي في البحث الأستاذ الدكتور محمد فريوان الصالح الذي تعلمت منه الكثير؛ سواء من محاضراته أم إشرافه على الرسالة. وقد كانت الانطلاقة في رسالة الدكتوراة التي كانت بإشراف الأستاذ الدكتور عبدالعزيز جامين. ونشرت بعدها عددا من البحوث في طريقة معاينة المجموعات المرتبة وتحوراتها بدراسة التقدير بنقطة وفترات الثقة واختبار الفرضيات معلميا أو غير معلميا أو باستعمال طريقة بيز".
وعن إنجازاته يقول أيضًا: "نشرت كتابا عن جودة توفيق البيانات الذي اشتمل على مقدمات في الاحتمالات والتوزيعات الاحتمالية، ثم مناقشة عدد من التقنيات المتعلقة بتوفيق البيانات للتوزيع الاحتمالي المناسب". ويذكر أنه اكتسب الكثير من الخبرات التدريسية والأكاديمية والإدارية نتيجة سنوات الخبرة الطويلة من تدريسه في المدرسة، ثم تدريسه في كلية التربية بنزوى وكلية العلوم التطبيقية وجامعة نزوى، وقد عمل مشرفًا أيضًا؛ كل هذا كان له الدور الكبير في إكسابه الكثير من الخبرات التدريسية والأكاديمية والإدارية، وقد شغل أيضًا منصب رئيس قسم المتطلبات العامة في كلية العلوم التطبيقية وحاليا رئيسا لشعبة الإحصاء.
ويواصل حديثه قائلًا: "ألقيت عددا من المحاضرات في عدد من المؤسسات عن الرياضيات والإحصاء. وبينما كنت أعمل في وزارة التربية شاركت في تأليف كتب الرياضيات للمدارس". وبعد إلتحاق الحضرمي بالتعليم العالي شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات واللقاءات العلمية؛ سواء بالحضور أم إلقاء أوراق عمل أم عضو لجان في هذه الملتقيات. وبسبب طبيعة عمله اختصاصيا في الإحصاء، قدّم عددا من الدورات في التحليل الإحصائي في عدد من المؤسسات، وساعد بعض الباحثين في تحليلاتهم الإحصائية وفي تحكيم الاستبانات والبرامج التدريبية، وفي تحكيم بحوث المؤتمرات والمجلات العلمية ورسائل الدراسات العليا. وقد شارك أيضا في توصيف مقررات كلية التربية بالرستاق. وكان المنسق العام لمقررات الرياضيات لكليات العلوم التطبيقية ورئيس فريق توصيف المقررات وكتابة المادة العلمية لعدد من مقررات الرياضيات والإحصاء في كليات العلوم التطبيقية.
مؤلفات
يتابع ضيفنا الحديث عن منجزاته: "ألّفت كتاب جودة توفيق البيانات، وهو مرجع مناسب للطلبة والمدرسين، إذ يتميز بكثرة الأمثلة وسهولة العرض". ويجب أن نشير إلى أن هذا الكتاب يتوفر في مكتبات عدد من الكليات والجامعات في السلطنة، ويمكن الحصول على نسخة إلكترونية منه بالتواصل مع المؤلف. أما الأوراق العلمية المنشورة يمكن أن يستفيد منها الباحثون في المجال نفسه، ويمكن الحصول عليها من المجلة أو الناشرين.
من واقع تجربة
يوصي الدكتور سعيد طالب العلم بالاعتماد على النفس في اكتساب المعرفة وإنتاجها، والتعرف كذلك إلى المصادر الموثوقة، إلى جانب الاستعانة بخبرات الآخرين والاستعانة بالتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي. وكذلك الاستقلالية في التفكير، وعدم تبعية الآخرين في سلوكهم وتصرفاتهم إذا كانت لا تحقق إنجازا. وهذا كله تقليد لأصحاب الهمم العالية في طريقة تفكيرهم وأسلوبهم في اكتساب العلم ونشر المعرفة ومحاولة مجاراتهم في ما ينجزونه من معالي الأمور.
ويؤكد الدكتور الحضرمي على أن نقاط القوة سبيل لمواجهة نقاط الضعف، إذ تأتي نقاط القوة والضعف نتيجة للخبرات المتراكمة والصفات الملازمة لنا منذ الصغر. وفي هذا الشأن يعلّق ضيفنا: "أتقبلها لأنها في نظري نقاط قوة؛ فمثلا الانطوائية والعلاقات الاجتماعية المحدودة تمنح الشخص فرصة للتفكير والتعلم وتحقيق الأحلام والطموحات والأهداف بعيدا عن الارتباطات الاجتماعية الكثيرة، وبعيدا عن المجاملات والنفاق الاجتماعي. كما أن بعض نقاط الضعف المعوقة للعمل الإيجابي يمكن التخلص منها تدريجيا بالاستعانة بمحاضرات وكتب هندسة وتطوير الذات، وتقليد سلوك الأفراد الذين يملكونها. أما نقاط القوة فيجب المحافظة عليها وتطويرها؛ وهي بدورها تعين على تخطي نقاط الضعف".
نقلة نوعية
يمكن استثمار الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة استثمارا إيجابيا في تحسين وتطوير أساليب التعليم؛ وذلك بجعل الحصص الدراسية أكثر متعة وفائدة، كذلك اختصار الوقت والجهد، وتساعد أيضًا في تحسين فهم الطالب و تعزيز التحصيل العلمي، هكذا ينظر الحضرمي إلى هذا الموضوع. ويضيف: "بواسطته يمكن تحديث المقررات الدراسية وتقديمها للطالب بما يتناسب مع احتياجاته وقدراته، وقد تجيب عن أسئلة الطالب، كما تساعد المعلمين في تحضير الدروس، والحصول على الوسائل التعليمية المناسبة، ووضع الاختبارات وتصحيحها، وتسجيل حضور الطلبة للمحاضرة وقراءة سلوكهم. كما توفر تقنية الذكاء الاصطناعي البيانات والمصادر، وتسهّل الوصول إلى الأبحاث وقواعد البيانات، والأفكار البحثية، والشبكات العلمية".