السنة 19 العدد 177
2024/03/01

 شخصية ما زادتها التجارب العديدة والخبرات المتراكمة إلا إصرارا وطموحا

 


 

 

شخصية العدد: إشراقة

 

بدّل تخصصه بسبب خوف أهله، ولكن لم يمنعه ذلك من مواصلة المسار صعودا إلى أعلى المراتب؛ بل تغرّب وجرّب بين التعلّم والتعليم، فنال من التنوّع ثراء، والسنين عطاء. كانت بصمته في خدمة العلم والمتعلمين واضحة أضحى يفخر بها، وله من الرسائل السامية ما ترك في نفسه منهجا متجددا زاد من مكانته.

 

الأستاذ الدكتور حابس سعد الزبون العبادي، ولد في المملكة الأردنية الهاشمية في إحدى القرى الأردنية التابعة لمحافظة العاصمة عمّان عام 1977م. كان والده -أطال الله في عمره- يعمل آنذاك موظفا في شركة الإسمنت الأردنية إلى جانب عمله في الزراعة أيضًا. ووالدته -أطال الله في عمرها- ربة منزل، إذ كان لهما الأثر الكبير بالدعم والتوجيه والمساندة إلى ما وصل إليه الآن، فقد ربّوه على مخافة الله -عز وجل- وحب رسوله الكريم سيدنا محمد ﷺ وعلى حسن الخلق ومكارمه.

 

 

تزوج عام 2007م، وتشتغل زوجته معلمة في إحدى مدارس الأردن، وقد أشاد -في معرض حديثه- بوقوفها إلى جانبه ودعمها له؛ فكانت -كما وصفها- نعم الزوجة والرفيقة. أنجب منها ثلاثة أولاد وبنت … تستضيفه "إشراقة" لِتحاور شخصيته لها من التجارب ما يستحق الإشادة والاستفادة على حدٍّ سواء.

تغيّر مسار

 

بدأ الزبون مسيرته العلمية بالصف الأول الابتدائي في مدرسة السويسة الأساسية المختلطة، إذ درس فيها الصفين الأول والثاني الأساسيين، ثم انتقل إلى مدرسة السويسة الأساسية للبنين، ودرس فيها من الصف الأول إلى الصف التاسع الأساسي، وقد كانت تبعد عن منزله ما يقرب من 3 كم. يقول: "كنت أقطع هذه المسافة مشيًا على الأقدام، ثم انتقلت إلى مدرسة الفحيص الثانوية للبنين في محافظة البلقاء لرغبتي في الدراسة ضمن الفرع العلمي، التي أنهيت فيها -ولله الحمد- المرحلة الثانوية. وكانت رغبتي آنذاك دراسة الطب في إحدى الدول، ولكن حال دون ذلك خوف أُسرتي عليّ كونها التجربة الأولى للأسرة لسفر أحد أفرادها خارج الأردن؛ لذلك تردد الأهل كثيرًا، مما دفعني إلى الاتجاه نحو دراسة تخصص الرياضيات الذي كنت أعشقه منذ الصغر، فقد قبلت في كلية العلوم في الجامعة الأردنية وتخرجت فيها عام 1999م بتقدير جيد ولله الحمد".

 

بعد تخرجه عمل مباشرة معلمًا للرياضات في المرحلة الثانوية، إذ عُيّن في محافظة الطفيلة التي تبعد 220 كم عن مكان سكنه، وقبل بذلك، رغم أن معظم زملائه الذين تم تعيينهم معه آنذاك استنكفوا هذا التعيين، وبعد مرور سنة على تعيينه معلمًا في وزارة التربية والتعليم التحق ببرنامج الماجستير في جامعة مؤتة عام 2001م، التي كانت تبعد 120 كم عن مكان سكنه في محافظة الطفيلة. وبعد مرور ثلاث سنوات على عمله معلما في محافظة الطفيلة، انتقل إلى محافظة العاصمة بالقرب من مكان سكنه، وحينها كان في مرحلة إعداد رسالة الماجستير.

 

تواريخ ناصعة

 

بعد إتمامه مرحلة الماجستير عام 2004م، التحق الدكتور الزبون ببرنامج الدكتوراة عام 2005م في القياس والتقويم بجامعة اليرموك في الأردن، وتبعد عن مقرّ سكنه زهاء 100كم. وفي أثناء دراسته في مرحلة الدكتوراة عملت محاضرا غير متفرغ في الجامعات الأردنية، منها: جامعة البلقاء التطبيقية والجامعة الأردنية، وتنقل إلى أماكن عدة في وزارة التربية والتعليم الأردنية، منها قسم الامتحانات ثم إدارة البحث والتطوير التربوي ثم رئيسًا لقسم الدراسات الميدانية في مركز الملكة رانيا العبدالله التابع لوزارة التربية والتعليم، وأخير رئيسًا لقسم تجريب المواد في إدارة المناهج والكتب المدرسية.

 

وبعد حصوله على شهادة الدكتوراة عام 2009م عُين في جامعة الطائف في المملكة العربية السعودية برتبة أستاذ مساعد، وقد درَّس فيها العديد من المساقات لطلبة الدراسات العليا وطلبة البكالوريوس، وتمت ترقيته في جامعة الطائف إلى رتبة أستاذ مشارك عام 2014م.

 

وفي عام 2016م عُيّن في جامعة الحسين بن طلال في المملكة الأردنية الهاشمية برتبة محاضر متفرغ، وتدرج في الجامعة في الرتب العلمية من رتبة محاضر متفرغ إلى أستاذ مساعد ثم إلى رتبة أستاذ مشارك عام 2018 ثم إلى رتبة أستاذ دكتور عام 2023م. وعمل في هذه الفترة رئيسًا لقسم المناهج والتدريس. وفي مطلع شهر سبتمبر من العام الماضي 2023م، التحق بجامعة نزوى في سلطنة عمان، أستاذا في كلية العلوم والآداب بقسم التربية والدراسات الإنسانية، ويعمل فيها إلى الآن عضو هيئة تدريس لطلبة البكالوريوس والدراسات العليا.

 

 

درجة الوعي

 

دون أدنى شك، يلعب التكوين البحثي دورا رائدا في تدعيم مكانة الأستاذ الجامعي أكاديميا؛ لذا تضعه مؤسسات التعليم العالي شرطًا للترقية والتمييز والتصنيف. إن خلاصة هذه الفكرة مفادها أن الأستاذ الجامعي الذي يشتغل على الجانب البحثي، يؤدي إيجابا في عملية إثراء الطالب الجامعي بالعلوم والمعارف من مصادرها.

 

لقد أدرك الدكتور الزبون مبكّرا أهمية هذين المجالين جنبا إلى جنب؛ بل استفاد منهما في نشاطات حقله العلمي؛ فنجد في سيرته العلمية العديد من الأبحاث في مجال القياس والتقويم فيما يتعلق بإعداد الاختبارات والمقاييس والنظرية الحديثة في القياس، ما يزيد على 40 بحثًا في العديد من المجلات العلمية العالمية المحكمة.

 

إنّ هذين التكوينين، الأكاديمي والبحثي، تأثر بهما مستوى الطلبة الجامعيين أيّما تأثير، الذين استفادوا من تدريسه مساقات علمية ذات صلة؛ سواء أكانوا طلبة الدراسات العليا أم طلبة البكالوريوس. كما أنّ هذا التأسيس القوي صار مصدرًا مهما قدّم به خدماته بالإشراف على العديد من طلبة الدراسات العليا في مرحلتي الدكتوراة والماجستير، كذلك ناقش رسائل هاتين الدرجتين؛ بل تجلّت درجة الوعي العلمي في الخدمة المجتمعية ومشاركته في العديد من المؤتمرات في مجال التخصص.

 

محطات وتجارب

 

يسترجع معنا الدكتور حابس الزبون أبرز محطاته التي منحته رصيدا وافرا من التجارب؛ فكان لها أثر عظيم أكسبه خبرات واسعة، وفصولا تنوّعت بساتينها وقطافها؛ ليحقق ما حقق من نجاحات رغم التحديات.

 

يقول الزبون في معرض حديثه هنا: "كانت بدايتي في جامعة الطائف في المملكة العربية السعودية، التي عملت فيها عضو هيئة تدريس بالإضافة إلى مرشد أكاديمي لطلبة الدراسات العليا، وكان لها فضل كبير علي في مجال إعداد البحوث والخبرة التدريسية والاستفادة من الزملاء في القسم. ثم التحقت بجامعة الحسين بن طلال في بلدي الأردن، وعملت فيها عضو هيئة تدريس ورئيسا لقسم المناهج والتدريس وعضوا في لجنة امتحانات الكفاءة الجامعية لطلبة الدكتوراة والامتحان الشامل لطلبة الماجستير، وقد كان لها أيضا فضل كبير عليّ بإضافة العديد من الخبرات في مجال التخصص والبحث والتدريس، والاستفادة من الزملاء أعضاء هيئة التدريس".

 

ويكمل: "الآن أعمل في جامعة نزوى عضو هيئة تدريس ومشرفا على بعض طلبة الدراسات العليا، وقد عززت لي هذه المرحلة العديد من الخبرات والتجارب الجديدة في مجال التدريس والبحث والتعاون مع الزملاء أعضاء هيئة التدريس في الجامعة في مجالات التدريس والورش التدريبية والتعليمية رغم المدة القصيرة التي قضيتها منذ بداية الفصل الدراسي الأول".

 

خدمة العلم

 

تجاوزت مسيرة ضيفة شخصية عدد "إشراقة" أعواما من البذل والعطاء في أكثر من دولة؛ فقد تعرَف على ثقافات عديدة، وامتزج مع توجهات إدارات ذات مشارب مختلفة ومتعددة، ودرّس طلبة كثيرين؛ إلّا أنّنا عندما سألناه عن أفضل إنجاز له طوال هذه الفترة في مشواره العلمي والعملي، أجاب قائلا: "حصيلتي البحثية التي تجاوزت أربعين بحثًا علميا محكّما، والإشراف على العديد من الرسائل العلمية لطلبة الدراسات العليا".

 

وقد كان شغف الزبون يتوهّج في سبيل العلم والعمل لتمسكه بمبادئ لم يحدْ عنها؛ فقد كانت رسائل يستعين بها بين الفينة والأخرى، أوجزها لنا قائلا: "أولا الاستعانة بالله دائمًا، ومن توكل على الله فهو حسبه. ثانيا من جد وجد ومن سار على الدرب وصل. ثالثا مهما تعلمت فأنا بحاجة إلى مزيد من العلم؛ فالعلم لا حد له. رابعا كلما ارتقت رتبتي العلمية زاد تواضعي. خامسا لا مستحيل أمام الإرادة والتصميم".

سر التقدّم

 

يمتاز الناجحون بمعرفتهم حقّ المعرفة لذواتهم؛ فقد استثمروا مكامن القوة حتى غدت مرتعا خصبا أثرى حصيلتهم، إذ استفادوا منها في شتى المحافل والمجالات. كما أنّهم عالجوا نقاط الضعف والقصور، حتى أتاح لهم ذلك إمكانية الوصول إلى مقدّرات علمية وشخصية أفضل.

 

ويرى الزبون أنه لا بد على المرء من تقوية نقاط القوة وتنميتها بشكل أفضل؛ لتكون شعلة تقدمه ونجاحه. أما نقاط الضعف فيجب معالجتها والتغلب عليها، ولا شيء مستحيل أمام الإرادة والإصرار والمتابعة.

 

وقد ضرب لنا مثلا في كيفية نقل العمليتين التعليمية والبحثية نقلة نوعية كبيرة في مختلف المجالات، خصوصا في ظل الثورة الصناعية والتكنولوجية الحديثة. يقول: "علينا الاهتمام بالبحث العلمي، فهو سر تقدم الأمم والمجتمعات. وعلينا أيضا الاهتمام بكل ما هو جديد والاطلاع على تجارب الأمم المتقدم". 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة