السنة 19 العدد 177
2024/03/01

ذكريات تحفظها السنون ... عمل وعلم وبحث وآفاق واسعة


 

 

إشراقة: ذكريات خرج

 

إنّها أوراق التدوين التي تلهم أقلامنا لتوثيق لحظات دافئة جميلة، أشرقت أيامها بين جدّ واجتهاد، وفرح وترح، تارة تبهجك وتارة أخرى تكاد فيها تقول: "يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا"؛ بل تكتشف لاحقًا أنها فترة شققت فيها أولى خطواتك لتتعلّم وتصنع لك شخصية ومسلكا في هذه الحياة. ولقد راودت ضيف "إشراقة" في باب ذكريات خريج الفكرة ليشاركنا فترته التي قضاها في جامعة نزوى، وهو الدكتور علي بن حمد بن علي الريامي، من مواليد ولاية عبري عام 1987م. نشأ في مدينة بات الأثرية التاريخية، إحدى قرى ولاية عبري، التي تتميز بوجود قبور تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد.

 

سلّم صاعد

 

تدرج الدكتور علي الريامي في مراحل التعليم بدءا بالكتاتيب مع معلمه الفاضل سليم المقبالي، رحمه الله، ثم التحق بالمراكز الصيفية لتحفيظ القرآن في سن الخامسة، وبقيَ فيها منتظما حتى سن السابعة عشر. كذلك تلقى التعليم المدرسي بالقرية حتى الصف الثالث الإعدادي، ثم انتقل إلى المرحلة الثانوية إلى بلدة الدريز بمدرسة محمد بن سليمان الغافري للتعليم الأساسي.

 

بعدها التحق بكلية التربية بالرستاق للدراسة في تخصص التربية في اللغة العربية عام 2005 وتخرّج فيها عام 2009م. في فبراير من عام 2010 توظف في جامعة نزوى إداريًا بقسم التربية والدراسات الإنسانية. وفي سبتمبر التحق بقسم اللغة العربية طالبا في برنامج الماجستير في الدراسات اللغوية العربية، وتخرج فيها عام 2014م.

 

في شهر سبتمبر من عام 2011م التحق بالعمل في وزارة التربية والتعليم بتعليمية مسقط معلما للغة العربية. وفي الشهر نفسه من عام 2014م التحق بالعمل في جامعة صحار محاضرا للغة العربية حتى شهر يناير من عام 2023م. درس فيها -تحديدا عام 2016م- دكتوراة الفلسفة في اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس، وتخرجت فيها عام 2019م. وفي أثناء عمله بجامعة صحار ترأس قسم اللغة العربية مرتين مدة عامين أكاديميين (2015/2016م، 2020/2021م)، وحصل على ترقية أستاذ مساعد في شهر سبتمبر عام 2020م.

 

في شهر يناير من عام 2023م التحق بالعمل في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصحار لتدريس متطلب اللغة العربية، والآن يرأس فيها وحدة المتطلبات العامة بمركز الدراسات التحضيرية.

 

إنصاف وإحقاق

 

التحق الريامي بجامعة نزوى موظفا إداريا بقسم التربية والدراسات الإنسانية بكلية العلوم والآداب شهر فبراير من عام 2010م، وفي شهر سبتمبر من العام نفسه انتظم طالبا في برنامج الماجستير في الدراسات اللغوية العربية، بقسم اللغة العربية وآدابها.

 

بدأت رحلته في الجامعة بدراسة مساقات التخصص في برنامج الماجستير في الدراسات اللغوية العربية، وتتلمذ على أيدي علماء أجلاء، منهم -على حدّ تعبيره- عرف طرق البحث العلمي، وكيفية مواجهة تحدياته بما يتيسر من مواد وأدوات تعين الباحث، أطال الله في عمر الأحياء منهم، هم: الدكتور سعيد الزُّبيدي، الدكتور غالب المطلبي، الدكتور محمد مدني، الدكتور محمد زروق، الدكتور عبد المجيد بنجلالي. ورحم الله الأستاذ الدكتور أحمد حالو، فمنه عرفوا طرق التحقيق العلمي للمخطوطات.

 

يضيف: "لا أبخس حقَّ أساتذة القسم جميعهم، فكلهم لم يبخلوا علينا فتعلمنا منهم ومن صحبتهم والحمد لله".

 

وقد كان مشواره البحثي بإشراف الأستاذ الدكتور سعيد الزُّبيدي. يتحدّث عنه قائلا: "الحقّ أقول إن الدكتور سعيد كان لنا الأب والمعلم والصديق والرفيق والناصح والموجه، فلم يدّخر جهدا في تقويم أبحاثنا، ولم يبخل علينا بكتبه ومصادر مكتبته العامرة، ولم يقتصر الأمر على اللقاءات داخل الجامعة، بل كنا نلتقيه في بيته العامر بالعلم والمعرفة، فأكرمنا وأغدق علينا من واسع علمه وفضله، أسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية والعمر المديد".

 

انتظار أم صناعة؟!

 

 

 

هنالك مكان معيّن في حرم الجامعة تستذكره بين الفينة والأخرى لما له من تأثير واسع عليك نفسيا ومعنويا؛ سواء أكان جمعك بأصدقاء الدراسة، أو اجتهدت فيه أكثر من غيره لتلملم ما تبقى مما فاتك دراسته قبيل الامتحان، أو غير ذلك.

 

جامعة نزوى هي المكان الأول للدكتور علي الريامي في العمل وفي مشوار الدراسات العليا أيضا، فقد أضافت له الكثير من الخبرات والمهارات والمعارف، فعمله في قسم التربية والدراسات الإنسانية منسقا لبرنامج الماجستير في التربية ألهمه الخبرة الكافية للتعلم مع الرسائل العلمية، كالتنسيق لتحكيمها، والعمل بعد ذلك لتنسيق أعمال مناقشاتها، وكذلك الالتقاء بنخبة من الأساتذة العلماء والاحتكاك بهم مباشرة أفاده في اكتساب الكثير من المهارات.

 

من هنا تشكلت لديه قناعة لدراسة الماجستير في الدراسات اللغوية العربية بالجامعة، والحمد لله وفَّرت له الجامعة الفرصة للدراسة، وسخرت له الظروف التي سهلت له إنجاز المشوار في الوقت المحدد دون تأخير.

 

مواسم السعي

 

لعل قطار ذكريات الجامعة على مدار أعوام الدراسة تكون أبرز وقفاته في محطات الأساتذة والمناهج وطلبة العلم والفصول الدراسية. إنها فترة جوهرية تضع مفصل الشغف والرغبة على مقصل الجد والسعي الحثيث.

 

يقول الريامي: "بدأت الدراسة في فصل الربيع من عام 2010م بدراسة أربعة مساقات، هي: قضايا الفكر العربي المعاصر، عند الدكتور محمد زروق. ومساق المنهجية، عند الدكتور سعيد الزبيدي. ومساق الاستشراق ونقد الاستشراق، عند الدكتور محمد مدني. ومساق التحقيق، عند الدكتور أحمد حالو رحمه الله رحمة واسعة. وفي فصل الصيف من عام 2010م درست مساق المدارس اللغوية القديمة، عند الدكتور سعيد الزبيدي. ومساق المدارس اللغوية الحديثة، عند الدكتور غالب المطلبي. وفي فصل الربيع من عام 2011م درست مساق المدارس اللغوية الغربية، ومساق الصوتيات، عند الدكتور غالب المطلبي. ومساق حلقات البحث، عند الدكتور سعيد الزبيدي. وفي فصل الصيف من عام 2011م درست مساق إشكاليات التراث والتحديث في الثقافة العربية، ومساق الأسلوبية المقارنة، عند الدكتور عبد المجيد بنجلالي".

 

بكل تأكيد إنّ هذه المساقات تعد خطوة قوية لصقل معارف طلبة قسم اللغة العربية وتجاربهم البحثية، يشير إلى ذلك الريامي بقوله: "أضف إلى ذلك الاحتكاك المباشر بأساتذتنا الأجلاء كان له الدور البارز في الارتقاء بمواهبنا وقدراتنا نحو بذل مزيد من الجهد في مجالات البحث العلمي. وبعد الانتهاء من دراسة المساقات الدراسية سجلت عنوان بحثي الذي سأعمل عليه في رسالة الماجستير، وكان بعنوان: (استدراك شراح الألفية على ابن مالك حتى القرن الثامن الهجري)، وقد ناقشت المخطط البحثي بحضور أساتذتي من القسم وعدد كبير من زملائي الطلبة، أذكر من بين الطلبة آنذاك الشيخ الدكتور إسماعيل العوفي".

 

ليس كأيّ يوم!

 

ما أجمل ذلك اليوم الذي يصل فيه طالب الدراسات العليا لمناقشة منجزه البحثي؛ بعد فترة ليست بالقصيرة، تكللها جد وتعبّ وبحث وتقصٍ واسع بين المصادر والمراجع الأرشيفية والحيّة. إنّه صباح يومٍ له ما بعده من التكريم والتشريف لذلك الطالب الذي قدّم علما مفيدا أو أضاف جهدا جهيدا يفيد به غيره.

 

وقد أشرف على رسالة الدكتور علي الريامي في الماجستير أستاذه الدكتور سعيد الزبيدي، أستاذ النحو العربي بالقسم، يقول فيه: "لم يبخل عليّ بمعلومة أو مرجع أو مصدر، ولم يكن أستاذا فحسب، بل كان الأب والأخ والصديق. ومما يميز الدكتور سعيد أنه كان يقرأ منجز طلبته في الحال، فيقدم الملاحظات في نفس جلسة تسليم المنجز؛ مما جعلنا نتقدم في البحث ونحن على يقين أننا نسير في الطريق الصحيح. وبعد إتمام الرسالة، بعثها القسم للتحكيم الخارجي، وكانت من نصيب أستاذي الدكتور حسن الملخ، الذي أشاد بالرسالة وأثنى على جوانب كثيرة، ولم يبخل عليّ بملاحظاته القيمة".

 

في شهر ديسمبر من عام 2013م حُدد يوم المناقشة، وقد تكونت اللجنة من: الأستاذ الدكتور صلاح الدين بوجاه، رحمه الله رحمة واسعة، رئيسا، والمناقش الداخلي الدكتورة زينب الجميلي، والمناقش الخارجي الدكتور محمد المنجد من جامعة السلطان قابوس. وقد أجيزت الرسالة وتخرّج بتقدير امتياز.

 

جزء منها عالق!

 

جامعة نزوى لها وقع خاص في نفس الريامي، فهي أول مكان احتواه موظفا مدة عام ونصف، وطالبا في الدراسات العليا مدة ثلاثة أعوام. يصف في هذا السياق مشاعره الجيّاشة: "هي المكان الذي أحن إليه لا شك، وقد شرفتني بالعودة إليها مناقشا لرسالة ماجستير في الدراسات اللغوية شهر مارس من عام 2023م، ولا زالت نفسي تطمع في مثل هذه الزيارات العلمية المفيدة. وشرفتني كذلك بنشر بحثين محكمين في مجلة الخليل في العددين: الثاني والثامن. والمشاركة في تحكيم بحثين آخرين للمجلة ذاتها، ولا يزال التعاون قائما ومستمرا ولله الحمد".

 

وإذا كان ذلك حال المكان، فكذلك الشخوص، الذين جمعته بهم أيام ومواقف لا تنسى. يقول: "بالطبع لا تزال جامعة نزوى كلها عالقة في ذهني وقلبي، والأمر لا يقتصر على كوني طالبا، بل تعداه إلى عملي بها مدة 18 شهرا كانت كافية لأتعرف على كليات الجامعة ودوائرها وأقسامها، وأخص بالذكر هنا: أستاذي الدكتور سعيد الزبيدي أطال الله عمره، والدكتور حسين الحارثي والدكتور طارق عبد الرؤوف رحمة الله عليهما، فمنهم تعلمت وخبرت كثيرا من جوانب العلم والمعرفة والحياة بشكل عام".

 

ونصيحتي لطلبة العلم أن يبذلوا جهدهم في سبيل العلم، وأن لا تلههم الملهيات عن طلبه. فوطننا سلطنة عمان يستحق منا بذل مزيد من الجهد، فمن أخلص النية وفقه الله.

 

 

  

إرسال تعليق عن هذه المقالة