هل الذكاء الصناعي نعمه أم نقمة؟
بقلم: راشد بن حمود الحديدي
يعد الإرشاد التكنولوجي مجالا لا بد أن يهتم فيه بعدما اتجه العالم لاستخدام التكنولوجيا بشكل كبير في كل مجالاتهم، وظهور الذكاء الاصطناعي الذي أخذ يدفع عجلة التقدم التكنلوجي بشكل أسرع عن ذي قبل. وبدأت الحاجة إليه لمساعدة الفرد على التكيف مع هذا التطور المتسارع وطريقة التعامل معه، وأصبح من الضروري أن يعي الفرد مدى الفوائد والسلبيات التي ترافق هذا التقدم.
فكما ظهر الإرشاد المهني في زمن الثورة الصناعية، لا بد أن يظهر الآن ما يسمى بالإرشاد التكنولوجي من وجهة نظري. إن الإرشاد التكنلوجي حاجة تقضيها طبيعة الأفراد وقدرتهم على الاستعداد لتقبل مثل هذه التغيرات. وبلا شك، ستؤثر على جميع جوانب الحياة، اجتماعيا واقتصاديا، وحتى بيئة العمل؛ فلذلك لابد أن يتوافق الفرد نفسيا مع هذه التغيرات التي طرأت على العالم.
وسوف تؤثر عملية الإرشاد والتوجيه التكنولوجي تأثيرا بالغا في شخصية الفرد وفي حياته الحاضرة والمستقبلية لارتباطها بالمستقبل التكنولوجي. إذ ستساعد الفرد على رسم معالم الطريق في حياته التكنولوجية، ومعالم النجاح والفشل ومعالم الإنتاج والاستهلاك ومعالم الانحراف.
إنّ منهج الإرشاد عملية صقل لطاقات الفرد الكاملة وتوجيهها إلى الإنتاج والإبداع؛ ومنه الإسهام في تنمية الفرد والمجتمع. وأرى أن هدف الإرشاد التكنولوجي مساعدة المسترشد في عملية التخطيط في كيفية التعامل مع التقدم التكنولوجي بمختلف جوانبه؛ سواء من جانب مواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية التي تغزو كل بقاع العالم أم على مستوى المنزل أم على مستوى العمل ... وغيرها من المجالات. ولا بد أن يتحضر الفرد ويتهيأ لمثل هذه التغيرات في حياته ليتسنى له اتخاذ القرارات الصحيحة وتنمية مهاراته في كيفية التعامل مع مثل هذه التغييرات واستثمارها لصالحه.
والسؤال الذي ينبغي الإجابة عنه: هل التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي لصالح الفرد أم ضده؟
من وجهة نظري أن ما يحدد ذلك طريقة تعامل الفرد مع التغييرات. بل التطور بحد ذاته لصالح الفرد والعالم ككل، فقد خلقنا الله تعالى في هذه الأرض كي نعمرها، وهذا أحد جوانب التعمير والتطوير، ولكن ما يحدد من فاعليتها طريقة التعامل معها.
وهنا بشكل مختصر سأذكر بعض النقاط التي ينبغي للفرد أن يضعها نصب عينيه ليتسنى له الاستمتاع لأقصى درجة مع هذا التقدم التكنولوجي، ويركل كل السلبيات التي تقف أمامه.
أولا: احذر من الراحة التي تجلب الكسل
الراحة الدائمة تحرمك من النجاح وتبعث الوهن بالجسد، فالإنسان بطبيعته إذا تعود على الراحة يستدعي الكسل معها، ويصبح غير قادر على النشاط والعمل. دعني أضرب لك مثالا: لو تعود الإنسان على أن يعتمد على أحد غيره في إنجاز مهامه اليومية، وفي يوم من الأيام غاب هذا الشخص، فإنه سيشعر بثقل هذا العمل. وهذا ما تفعله الأجهزة المتقدمة فهي تقوم بالتنظيف والغسيل والطبخ وغيرها. وأنا لا أدعو إلى ترك هذه الأشياء والعيش في عالم متأخر والقيام بغسل ملابسي باليدين، ولكن ما أرمي إليه أنه لا بد لك أن تعي أن الراحة الدائمة تجلب الكسل، فإذا قامت الأجهزة الذكية بالعمل عنك. قم أنت واستغل هذا الجهد والوقت لتتعلم أشياء أخرى ولا تركن للراحة.
ثانيًا:لا تجعل التكنلوجيا هي من تفكر عنك
بعد ظهور محركات البحث وما يعرف ببرامج الذكاء الاصطناعي (chatGPT) مثلا أصبح الكثير من الناس إذا طرح عليه أسهل الأسئلة لا يسأل عقله أو يبحث في معلوماته الكامنة التي تعلمها سابقا عن الإجابة، بل يهرع إلى أحد هذه البرامج ليتلقى الإجابة بكل أريحية؛ بحجة أن العالم متطور ولا حاجة إليهم بتعلمه، ولكن القاعدة تقول: (if you don’t use it, you will lose it) أي إذا لم تستخدمه سوف تفقده.
في إحدى الزيارات إلى واحد من الكهوف، كانت به بحيرة توجد بها أسماك، أخبرني المرشد هناك أن هذه الأسماك تملك عينين ولكن لا ترى. هذه الأسماك تعيش في الظلام الدامس منذ مئات السنين؛ ولهذا لم تعد بحاجة إلى استخدام عينيها للنظر، وهكذا هو العقل البشري صمم لكي يتعلم ويحفظ ويكتشف؛ فإذا أهملته فسوف تفقده.
وفي الأخير، أنت من تحدد مصيرك مع هذا التقدم التكنولوجي المتسارع. وهل سيكون نعمة تنير لك الطريق وعوناً لك؟ أم أنها نقمة تفقدك مهاراتك التي تعلمتها منذ صغرك وتعيقك عن التطور؟