أنا وأنت: رحلة الحوار الأكاديمي في أحضان المقاربات الأدائية للعالم
د. خير الدين عبد الهادي
رئيس شعبة اللغة الألمانية
كلية العلوم والاداب
في أحضان مشروع حوار أكاديمي مع العالم الإسلامي، تنسج الخيوط الرقيقة للفهم والتبادل الثقافي تحفة فنية تعكس روح التواصل بين طلبة الجامعات الألمانية والعربية، فالمشروع ليس مجرد مبادرة، بل رحلة سحرية تفتح أبواب الحوار والتفاعل بين أروقة العلم والثقافة.
منذ انطلاقته عام 2021، يعمل هذا المشروع الرائد، الذي تدعمه المؤسسة الألمانية للتبادل الأكاديمي (داد)، بالشراكة بين جامعة نزوى وعدد من الجامعات العربية والألمانية، على تشكيل جسر حقيقي بين الثقافات واللغات المتنوعة؛ عبر تعزيز التفاهم المتبادل والتبادل الثقافي بين الشباب الذين يشقون طريقهم في رحلة العلم. يتجلى هدف المشروع في خلق جيل من المفكرين القادرين على التأقلم مع التحديات العالمية بروح مفتوحة وفهم عميق للثقافات المختلفة. هذا المشروع ليس مجرد فرصة للتعلم الأكاديمي، بل أيضًا ساحة لتشكيل الصداقات العابرة للحدود وتبادل الخبرات الثقافية. إنه تجربة لا تُنسى تجمع بين الروح الأكاديمية والحماس الثقافي. في هذه الرحلة الأكاديمية، تنساب الأفكار كأنها أنهار تربط بين الشرق والغرب، تحمل في مياهها حكايات العلم والتعلم.
ويسعى المشروع إلى استكشاف جماليات الفهم المتبادل وتشكيل رؤى جديدة تعزز التواصل بين الأمم. هنا، يتعامل الحوار كجسر فعّال يتيح للأفكار أن تتقاطع والأفراد أن يتقاسمون خبراتهم بروح مفتوحة ومليئة بالاحترام. ويسعى مشروع حوار أكاديمي مع العالم الإسلامي إلى تحفيز الفضاء الأكاديمي بروح التفاعل والتبادل، وبذلك يسهم في بناء جيل جديد من الطلبة القادرين على الفهم العميق والاحترام المتبادل. في هذا الفضاء الواسع، حيث يتداخل الفن والعلم، نبتت بذور مشروع "حوار أكاديمي مع العالم الإسلامي" الذي شرعت جامعات عربية وألمانية في زرعه عام 2021م، من أهمها جامعة نزوى، وجامعات غوتنغن وبوخوم وهامبورغ وجندوبة.
"أنا وأنت" العنوان الذي يحمل اسم المشروع يعني أن النهج الأدائي للعالم يُفهم على أنه مسألة حوارية يتم فيها مخاطبة الجميع في كل من دور "أنا" ودور "أنت". "أنا وأنت" ليس مجرد مواجهة بين أفراد، بل حوار متعدد الأفقيات، يجمع بين "أنا" و"أنت" في مساحة تعاون وتبادل. نحن لا نسعى إلى التفرقة بيننا، بل نتجه نحو حوار ثقافي متعدد الأوجه. ويتم هذا الحوار على مستويين داخل المشروع. من ناحية، تم تصميم المشروع بأكمله ليكون حواريًا: هدفه الأساس خلق مساحات للقاءات بين طلبة الجامعات الخمس المشاركة، ثلاث منها من ألمانيا (غوتنغن، بوخوم، هامبورغ) واثنتان من العالم العربي (جندوبة، ونزوى)؛ وذلك على مستوى الطلبة والأساتذة. من ناحية أخرى، يتناول موضوع المشروع نفسه أيضًا الحوار في شكل ثقافي أدائي، على سبيل المثال في الأدب النثري والمسرح والشعر.
المشروع صُمَّم لثلاث سنوات، تناول في كل سنة موضوعا يعمل كعدسة تكبير للنظر إلى مظاهر المشروع: في العام الأول، أبحرنا في موضوع "وطني / وطنك: أدب المنفى في السياق الألماني العربي". وقد نُظِّمَتْ في هذا السياق مدرسة صيفية عُقِدَتْ في ألمانيا في صيف ٢٠٢٢م. وشارك فيها 24 طالبًا من الجامعات الشريكة. واستمرت هذه المدرسة الصيفية مدة 10 أيام. في العام الثاني، تصدى المشروع لموضوع حياتي اليومية / حياتك اليومية: أَدب الحياة اليومية في السياق الألماني العربي". وأُقيمَتْ هذه المدرسة الصيفية الثانية في تونس في صيف ٢٠٢٣م. وفي جو جامعي مليء بروح التسامح والانفتاح، استقبلت جامعة نزوى هذا العام هذه المدرسة الشتوية، إذ يتناغم العلم والإبداع مع روح التعاون واحتضان الآخر، مُلهمة طلبتها لرحلة فريدة من التعلم والتفاعل الثقافي. في أروقة هذه المدرسة الشتوية تتسلل أصوات الكتابة والإبداع، إذ انعقد هذا العام حوار فريد تحت شعار 'ثقافتي / ثقافتك: الحدود وتخطيها في أشكال التعبير الأدبي'. هنا، تتجلى كلمات الأدب جسرا يتيح لأفق التعبير أن يتسع، متحدياً الحدود ومتسامحاً مع التنوع الثقافي، لتنسج قصصنا وأحلامنا في لوحة فنية تتجاوز حدود اللغة والثقافة.
في أحضان الصيف الدافئ، انطلقت المدارس الصيفية إلى رحلة فريدة من نوعها، تحمل في طياتها مغامرات لا تُنسى ولحظات تشكل ذكريات فريدة. تجمعت فيها أصوات المشاركين، ملوِّنين الأجواء بابتساماتهم المشرقة وحماسهم اللافت. كانت الأنشطة الوفيرة محطات مشرقة للتعلم والترفيه، إذ شهدت الرحلات الاستكشافية إلى المعالم السياحية الرائعة، مثل: القلاع القديمة والمسارح والمتاحف وغيرها، توازنًا مثاليًا بين التعلم والمرح.
إن المدارس الصيفية لم تكن مجرد فترة دراسية، بل كانت رحلة ملهمة تجمع بين التعلم والترفيه، تمتزج فيها مفردات الثقافة العمانية بلغة المعرفة الألمانية. كانت هذه التجربة الفريدة بمثابة جسر يعبر بين الثقافات، يثري الأفكار ويفتح أبواب التعاون والفهم المتبادل.