هل لغة الإشارات لغة طبيعية قائمة بذاتها؟
غسان محمد بن حامد
مترجم لغة إشارات قسم التربية
قد يتساءل بعضهم عند الحديث عن لغة الإشارات: هل هذه اللغة طبيعية قائمة بذاتها شأنها شأن بقية اللغات المنطوقة؟ أم مجرد إشارات اعتباطية لا تمت إلى الواقع بصلة؟
في حقيقة الأمر، لغة الإشارات لغة قائمة بحدّ ذاتها؛ لها قواعدها وخصائصها التي تميزها أيّما تمييز، فهي اللغة الأم لفئة ذوي الإعاقة السمعية، أو ما نطلق عليهم فئة الصم، التي يكتسبها الصم من آبائهم وأقرانهم الصم.
وتخضع لغة الإشارات لخاصية التمفصل المزدوج (التقطيع المزدوج)، وهو المقابل للمصطلح الفرنسي ( double articulatio) الذي أنشأه العالم اللغوي الفرنسي أندري مارتيني، وهو ما يُؤكد لنا على أنّ لغة الإشارات لغة طبيعية قائمة بذاتها. إذ اكتشف ويليام ستوكي أنّ كل إشارة وحدة قابلة للتقسيم والتحليل إلى وحدات دنيا غير دالة شأنها شأن الكلمة في اللغات المنطوقة، وتتمثل هذه الوحدات الدنيا غير الدالة في ثمانية معايير، منها أربعة معايير يدوية، هي: شكل اليد، موقع اليد، حركة اليد واتجاه كف وأصابع اليد، وأربعة معايير غير يدوية، وتتمثل في النظر، تعابير الوجه، وضع الجسم وحركة الشفاه. وتسمى هذه الوحدات الدنيا غير الدالة بـــــ (les chérèmes) وهي كلمة فرنسية يمكننا تعريبها باستعمال مصطلح (الشيرام) التي باتحادها مع بعضها تعطينا وحدات دنيا دالة هي الإشارات، وهو ما يطلق عليها (leskinemes) التي يمكننا تعريبها باستعمال مصطلح (الكينام).
وبذلك فإنه يمكن القول إنّ لغة الإشارات تخضع إلى التقطيع المزدوج (التمفصل المزدوج)؛ لذا فهي لغة طبيعية قائمة بذاتها.
كما أنّ لغة الإشارات تتميز بتجددها وتطورها، فهي لغة متطورة عبر الزمن، تواكب التغيرات وتقبل الإضافات، فهي تتطور بشكل طبيعي، بناءً على احتياجات المجتمع وتطوره، فكلما شهد العالم حدثا جديدا نجد الصم قد وضعوا إشارة خاصة بهذا الحدث، نأخذ على سبيل المثال جائحة كورونا والمصطلحات المرتبطة بها كأنواع اللقاحات وغيرها، أو مصطلح الذكاء الاصطناعي … إلخ.
كما تتميز اللغات الإشارية بتنوعها؛ نظرا لقيامها على خاصية الأيقونية الثقافية، فاللغات الإشارية مرتبطة ارتباطا وثيقا بثقافة مجموعات الصم، كما تتميز أيضاً بتشابهها في بعض الإشارات، وذلك نتيجة لتجسيدها لشكل الشيء كليّاً أو جزئيّاً في الواقع، وهو ما نطلق عليه صفة الأيقونية التامة (الكلية) والأيقونية الجزئيّة، فهذا التنوع يؤكّد لنا قوة اللغات الإشارية ومدى ارتباطها بمجموعات الصم المتنوعة، التي تعكس الموروث الثقافي وخصائص مجتمع الصم. كما يمكننا كتابة الإشارات بنفس الطريقة التي نكتب بها الكلمات في اللغات المنطوقة.
للوهلة الأولى قد يبدو الأمر غريبا بعض الشيء لبعضهم، فكيف يمكننا كتابة إشارات تُؤَدّى في الفضاء على ورقة باستعمال القلم أو الكمبيوتر! لكن أصبح الأمر ممكنا، وهو مايسمى بــــ "كتابة لغة الإشارات" (sign writing)، وهو عبارة عن مجموعة من الرموز تجسد أشكال اليد المتنوعة في وضعيات مختلفة مصحوبة أحياناً بصورة للوجه لتجسيد تعابير الوجه.
نستطيع كتابة لغة الإشارات وتدوينها، إذ يمكن كتابة قصص للأطفال أو نصوص باستعمال هذه الخاصيّة.
وتتميز اللغات الإشارية أيضاً بكونها لغات بصرية تعتمد أساسا على القناة البصرية، وتتخذ من الفضاء والجسم مكانا لتجسيد إشاراتها، وهو ما يفسر لنا سبب اختلاف تركيبة الجملة الإشارية عن نظيرتها في اللغات المنطوقة، فالجملة الإشارية ننطلق عند ترجمتها بتحديد الإطار الزماني، ثمّ رسم الإطار المكاني، وبعد ذلك نوزّع الشخصيات في أماكنها في المشهد، ثم يأتي الحدث أو الفعل.
ولغة الإشارات لغة قائمة بذاتها؛ يلتجئ إليها الصم للتعبير عن احتياجاتهم وآرائهم وممارسة حقوقهم وواجباتهم، فهي تضمن اندماجهم في المجتمع وتحقيق أهدافهم.