السنة 19 العدد 176
2024/02/01

التكنولوجيا وتعزيز التفكير النقدي في التعليم العالي

 


 

 

انتصار بنت عبدالله الشعيلية

رحاب بنت زهران البحرية

سارة بنت هاشل الهنائية

 

إشراف: د. محمود الوائلي

 

يتسم العصر الحاضر بتغيرات وتطورات متعجلة ومتلاحقة ناتجـة عـن التقـدم التكنولوجي وتكنولوجيا المعلومات، التي وفرت للمدرس والمتعلم استراتيجيات عصرية علـى المستحدثات التقنية ممثلة في برمجيات الحاسب الآلي، والمواقـع التعليميـة، والـتعلم الإلكتروني؛ مما يجيز لهم إمكانية التفاعل الذاتي والنشط مع مواد تعليمية متنوعـة. وتعد التقنية في تطورها المعاصر، حقبة ليس لها مثيل في السابق في التـاريخ البشـري، حقبـة تمتاز بالإثارة والتحديات والفرص الحقيقية لتغيير نهج الاتصال الإنساني كما وكيفـاً، حقبـة بدأت لتوها، واستجابة لهذه التحديات والانفتاح العلمي الـذي كسـر العوائـق، وسـهل التواصل بين الشعوب، والتحوّل المتعجل الذي برز في جميع نواحي الحيـاة، إذ ألزم المؤسسات التعليمية السير على نهج الانتفاع بطرق التعليم ومسـتحدثاتها التكنولوجيـة، إذ أضاف هذا التقدم العلمي كثيرا من تقنيات التعليم الحديثة، التي يمكـن الانتفاع منها في سبيل تهيئة ساحات خبرة للمدرسين؛ حتى يتم إعدادهم وتأهيلهم لمجابهة تحديات العصر .

 

في ضوء هذه المستحدثات، بدأ دور المعلم يتطور وينتقل من الملقن والناقل إلى الميسر والمرشد والقائد، بل تبدّلت عملية التعلم وبيئة التدريس من بيئة تقليدية تعتمد على التعلم التقليدي و حضور المعلم وسيطرته على الموقف، إلى خلق بيئة تطبق منهج العمل والتخطيط الجيد لكل مرحلة من مراحل عملية التعليم والتعلم، مع مراعاة اعتماد الطالب على نفسه وحقه في اكتساب المعلومات والمهارات المناسبة لقدراتهم ومواهبهم واتجاهاته؛ لتحقيق الأهداف المنشودة والانتقال من دور المتلقي السلبي إلى المتلقي النشط والباحث والمكتشف؛ بالممارسة التفكير الناقد وحل المشكلات.

 

أهمية التكنولوجيا في التعليم الجامعي: 

في عصر التطور التقني السريع، أصبحت التكنولوجيا تلعب دورًا حيويًا في تحسين التعليم الجامعي وتطويره. إن استخدام التكنولوجيا في هذا السياق يسهم بشكل فاعل في تحسين العملية التعليمية ورفع جودة التحصيل العلمي للطلبة. دعونا نعرض بعض النقاط التي تبرز أهمية التكنولوجيا في هذا السياق:

يسهم استخدام التكنولوجيا في التعليم الجامعي في تحسين عملية التدريس، إذ يمكن للأساتذة الاستفادة من الأدوات التكنولوجية لتوفير محتوى تعليمي متقدم وملهم. ويتيح ذلك لهم التركيز على توجيه الطلبة وتنمية مهارات التفكير النقدي؛ بدلاً من الاشتغال بالأعباء الروتينية مثل التصحيح ورصد الدرجات، كما تعزز التكنولوجيا التفاعل الصفي بين الطلبة والأساتذة باستخدام منصات التعلم الإلكتروني والتواصل عبر الإنترنت، ويمكن للطلبة طرح الأسئلة، وتبادل الآراء، والمشاركة في نقاشات بناءة. ويعزز هذا التفاعل تجربة التعلم ويعمل على تعزيز فهم الطلبة للمواضيع.

 

كما تلعب التكنولوجيا أيضا دورًا كبيرًا في تحفيز دافعية الطلبة للتعلم، فهي تقدم أساليب تفاعلية ومبتكرة لتقديم المحتوى التعليمي، مما يجعل عملية التعلم أكثر إثارة وتحفيزًا. ويمكن للطلبة الاستفادة من تقنيات التفاعل، مثل: الوسائط المتعددة والتطبيقات التعليمية؛ لتعزيز فهمهم المعلومات واستيعابها باستخدام التكنولوجيا، ويمكن كذلك تقليل مدة المحاضرات التقليدية واستبدالها بتقنيات تفاعلية. يتيح هذا للطلبة فرصة لتعلم أكثر تفردا وبمرونة أكبر، إذ يمكنهم الوصول إلى الموارد التعليمية في أي وقت ومن أي مكان.

 

في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، يصبح تعلم استخدام التكنولوجيا جزءًا أساسًا من تأهيل الطلبة لسوق العمل، ويمكن لتدريس تقنيات التعليم أن يُعد الطلبة لتكنولوجيا المستقبل، ويمنحهم المهارات اللازمة للنجاح في مجتمع المعرفة المتقدم، علاوة على ذلك، يمكن أن يسهم التفاعل المتزايد مع التكنولوجيا في تنمية مهارات الطلبة المطلوبة في سوق العمل المستقبلي، مثل: مهارات حل المشكلات، والتفكير النقدي، والعمل الجماعي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتكنولوجيا أن تلهم الطلبة وتفتح أمامهم أفقًا جديدًا للاستكشاف؛ مما يعزز روح المبادرة والاستقصاء، وهي صفات مهمة لتحقيق التفوق في مجتمع يعتمد على المعرفة والابتكار.

 

دور التكنولوجيا في تعزيز التفكير النقدي

تلعب التكنولوجيا الحديثة دورًا حيويًا في تعزيز التفكير النقدي بين الأفراد، وتفرض نهجًا جديدًا للتعلم يتجاوز الحدود التقليدية، إذ توفر أدوات وموارد تعليمية تفاعلية ومثيرة للتفكير. ويتيح هذا السياق الجديد للطلبة تطوير مهاراتهم النقدية بطرق مبتكرة ومحفزة. ومن أبرز الفوائد التي تقدمها التكنولوجيا في تعزيز التفكير النقدي إمكانية الوصول السهل إلى مصادر المعلومات. كما يمكن للطلبة الآن البحث عن المعلومات بشكل فوري عبر الإنترنت؛ وذلك يشجع قدرتهم على تقييم المصادر واستنتاج المعلومات بشكل نقدي، بل يعزز قدرتهم على التحليل العميق واتخاذ قرارات مستنيرة.

 

أيضًا تقدم التكنولوجيا أدوات تفاعلية تعزز التفكير النقدي من طريق توفير تحديات ومهام تعلم محفزة. على سبيل المثال، إن البرمجيات التعليمية والتطبيقات التفاعلية تقدم سيناريوهات تعليمية تشجع الطلبة على التفكير الإبداعي وحل المشكلات، وهذا بدوره يعمل على تحفيز فهم عميق وتطوير مهارات الاستدلال والتحقق. كذلك في سياق التواصل، تعد وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات التعليمية عبر الإنترنت مساحات لتبادل الأفكار وتحفيز التفكير النقدي. ويمكن للطلبة المشاركة في نقاشات حية يتبادلون فيها الآراء في موضوعات متنوعة؛ بما يعزز تنوع وجهات النظر ويثري تجربة التعلم.

 

تأثير التكنولوجيا في تنمية مهارات البحث لدى الطلبة

تعد التكنولوجيا الحديثة من العوامل الرئيسة التي تسهم في تحسين مهارات البحث لدى الطلبة في مجال التعليم وتنميتها. وتأثير هذه التكنولوجيا يمتد إلى جوانب عدة، منها: رفع معدل تفاعل الطلبة وانخراطهم في العملية التعليمية.

 

زيادة تفاعل الطلاب وانخراطهم:

تعتبر التكنولوجيا وسيلة قوية لزيادة تفاعل الطلاب مع المحتوى التعليمي. فمن خلال استخدام وسائل التكنولوجيا، يتمكن الطلاب من المشاركة الفعّالة في الدروس، سواء كان ذلك عبر منصات التعليم عن بُعد أو استخدام التطبيقات التفاعلية في الصفوف الدراسية التقليدية. يتيح ذلك لهم التعلم بشكل أفضل وبمتعة أكبر، مما يعزز انخراطهم الفعّال في العملية التعليمية.

 

تحسين مهارات الاتصال وتفكيرهم الإبداعي:

تعزز التكنولوجيا أيضًا مهارات الاتصال لدى الطلبة، إذ يتمكنون من التواصل بشكل فعّال مع زملائهم ومعلميهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التعليمية والبريد الإلكتروني. بالإضافة إلى ذلك، يُشجع استخدام التكنولوجيا على التفكير الإبداعي، فيتعلم الطلبة كيفية تطبيق المفاهيم العلمية بشكل عملي؛ لحل المشكلات وتحقيق الإبداع في مجالات متعددة.

 

تسهيل الوصول إلى مجموعة متنوعة من المعلومات:

تسهم التكنولوجيا في توفير وصول سهل وسريع إلى مصادر المعلومات المتنوعة، وذلك باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، مثل: الإنترنت والذكاء الاصطناعي. كما يمكن للطلبة البحث عن المعلومات التي يحتاجونها بسهولة، مما يعزز فعالية عملية البحث ويوسع نطاق المعرفة لديهم.



إضفاء الطابع الديمقراطي على التعليم:

تسهم التكنولوجيا في جعل عملية التعلم أكثر ديمقراطية، إذ يمكن للطلبة من مختلف الأوساط الاستفادة من نفس الفرص التعليمية؛ من طريق وسائل التعليم عن بُعد ومحتوى تعليمي متاح عبر الإنترنت، بل يتاح للجميع الوصول إلى المعرفة بشكل عادل، بما يعزز المساواة في فرص التعلم.

 

تطوير الثقافة الشخصية وتوسيع الإدراك الشخصي:

تعد التكنولوجيا أداة فعّالة لتطوير الثقافة الشخصية لدى الطلبة، إذ يمكنهم اكتساب تجارب ومعرفة جديدة عبر استخدام تطبيقات التعلم الذاتي والموارد الثقافية عبر الإنترنت. كما يسهم ذلك في توسيع إدراكهم الشخصي وفتح آفاق جديدة أمامهم.

 

مستقبل التكنولوجيا في التعليم العالي:

من المعلوم أن أغلبية الطلبة في الجامعات والكليات يستخدمون جهاز الحاسوب في حياتهم اليومية وفي غير أغراض الدراسة، وقد أثبتت الدراسات أنهم يقضون معدل 6 ساعات يومياً على الإنترنت وأجهزة الحاسوب؛ لذا فنحن بحاجة إلى شبكة إنترنت قوية؛ مما يتطلب إعادة تأهيل شبكات الاتصال اللاسلكي لتحقيق أعلى كفاءة في استخدام التعلم الإلكتروني. وهناك نظرة مستقبلية نحو استخدام التعليم الإلكتروني وتطبيقه في التعليم العالي، إذ تشجع الجامعات الخريجين على التعليم الإلكتروني، وبالأخص التركيز على مشاريع تخرجهم. ويرى بعض الباحثون ضرورة دمج التعليم الإلكتروني مع التعليم التقليدي؛ بما لا يؤثر على تراجع مستوى الكتابة باليد. ويوصي الباحثون التربويون بتوفير نسخ عربية من  الوسائل التعليمية والكتب الإلكترونية التي تحتوي على برامج تدريب وأسئلة نظرية و صور وفيديوهات وعروض. 

 

في ختام هذا المقال، نستنتج أن دور التكنولوجيا في مجال التعليم العالي لا يقتصر على تحسين العملية التعليمية فحسب، بل يتعداها إلى تحفيز التفكير النقدي، وتنمية مهارات البحث لدى الطلبة، وتطوير الثقافة الشخصية. بل تعزز التكنولوجيا التفاعل والانخراط في العملية التعليمية، كما تسهم في توسيع نطاق المعرفة وتحسين مستوى التفاعل الاجتماعي والتواصل بين الطلبة.

في المستقبل، يتوقع أن يزداد الاعتماد على التكنولوجيا في التعليم العالي، حيث يلتزم الطلبة بالتعلم الإلكتروني والتفاعل مع المحتوى التعليمي عبر الإنترنت؛ لذلك يتوجب علينا تطوير بنية تحتية تكنولوجية قوية وشبكات اتصال متقدمة؛ لضمان توفير تجربة تعلم سلسة وفعالة وداعمة للتفكير النقدي

 


 

 

 

المراجع 

Shomirzayev, M.Kh. (2020) ‘Developing educational technologies in school technology education’, The American Journal of Engineering And Techonology, 02(07), pp. 51–57.   

 

عميرة , ح., & أحمد, ي. (2016). أثر استخدام تقنيات التعلم الالكتروني في تنمية مھارات التفكير الناقد . المجلة العلمية لكلية التربية النوعية.

 

  • صحيفة سبق الالكترونية ، تحديات المعلم الرقمي ، تم النشر 2022.

  • اسراء ربحي , (2016) ، معوقات استخدام تكنولوجيا التعليم ، موقع موضوع .

  • رشا المحالوي، يناير 2023 ،مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية ،المجلد 4 العدد 1 .

إرسال تعليق عن هذه المقالة