استنطقت أفكار أهل مكة وآراءهم ...
"إشراقة" تبحث واقع برامج الدراسات العُليا ومُستقبله في قسم اللغة العربية بجامعة نزوى
قسم اللغة العربية من الأقسام التي تمتلك القدرة على طرح برنامج الدكتوراة
د. مسعود الحديدي، رئيس قسم اللغة العربيّة:
-
يهدف القسم إلى إنشاء قاعدة بحثيّة أكاديميّة ينطلق منها الطلّبة لمواصلة الدراسات العُليا.
-
بلغ عدد بحوث الدراسات العليا التي كُتبت في قسم اللغة العربيّة بجامعة نزوى ما يزيد على 200 رسالة.
-
من المأمل أن يكون برنامج دكتوراة اللغة العربية في الفلسفة والدراسات اللغوية والأدب والنقد قريبا.
استطلاع وتحقيق: أميمة الحاتمية
لما كانت لغتها السبيل المفضي إلى فهم كتاب الله، وجُلّ ما وَرَدَ عند العرب، تدارك أصحاب الحروف العربيّة أهميتها، فما قيمة الإنسان وهو لا يملك من تراثه اللغوي قوّة تُعينه على حاضره ومٌستقبله؛ فضرب الأسلاف إليها أكباد الإبل لتصل إلينا بالرواية تباعًا، وثمّر أهل الطلائع من علماء الفكر واللغة والأدب هذا الإرث؛ فوصل كاملًا من غير نقص، سليمًا غير عوج، فهي لا تُعنى بالقوميّة فحسب، وإنما أضحت وعاء ديننا القويم، والحصن المنيع، وهي التي حفظها أربابها وحرسوها طِوَال خمسة عشر قرنًا؛ فلهجت بها ألسنتهم قرونًا عديدة، واستثمر أهل القرائح عربيتهم الفذّة بأقلامهم، فأخذوا من مآثر أسلافهم تُراثًا رصينًا ونهجًا سديدًا، فغدت لُغةً حيّة بنبض مُتسارع.
-
اللغة العربيّة أكاديميا وبحثيا ...
اهتمام واسع، وتطلّعات مُستقبليّة واعدة
تهدف صناعة الفنون اللغويّة والأدبيّة، سواء المكتوب منها المنظوم أم المنثور، إلى تقويم اللسان والإنسان العربيّ بعد غزو الرقعة لثقافات الأُمم المُغايرة، وإذ استقرأنا تاريخ العرب والحضارات السالفة لوجدنا ثمّة احتكاكا بالأفكار والعلوم؛ إذ دعت مُقتنييها للشعور بالحاجة إلى النظر ومعاودة دراسة الإرث وتداوله؛ لذا فإن تاريخ الحضارات السالفة على مرّ القرون لم تحيَ من جديد إلّا باندثار القديم منها، وما سلكت للتجديد إلّا باستظهار وجوه القصور فيها... ولعل هذا ما ميّز الأقلام العربيّة عن سواها، إذ إنّها لم تضمحلّ؛ بل تجددت وارتقت -ليس لقصور بها وإنما نهوضًا وإظهارًا لمكنوناتها الإبداعيّة- فكان شأن العصر الحديث المُحافظة على جوهر هذا التراث، فتناقلته القرائح المُتّقدة، وأضحت الجامعات مستودعًا للحضارات الزاهرة، وحافظاتٍ للفكر العربي المتوهج؛ فافتُتِحت لتُعنى بشتّى العلوم، ولم ترقَ أي أُمّةٍ إلّا برقي لُغتها وتاريخها، فشأن العرب مع عربيتهم كذلك؛ وعليه ارتأت ذلك أيضًا جامعة نزوى؛ بإسهامها في إحياء لغتنا المصانة، فاستكملت الجامعة مسيرة صَوْنِ اللغة بافتتاح برامج الدراسات العليا في اللغة العربيّة.
أما عن بواكير هذا البرنامج: تاريخه، وأهميته، فقد سعت "إشراقة" إلى الحديث عنه مع رئيس قسم اللغة العربيّة بجامعة نزوى الدكتور مسعود بن سعيد الحديدي، إذ صرّح أن الجامعة -منذ افتتاحها- سعت إلى دعم مسيرة البحث العلمي وتوطيده، وقد افتتح برنامج الماجستير في القسم في العام الأكاديمي 2006/2007م، وبدأ بأربعة برامج: في الدراسات اللُغويّة العربيّة، وفي النقد الأدبي القديم والحديث، وفي الأدب العربي الحديث، وفي الأدب العربي القديم. وأكمل بعدها حديثه عن أهمية هذه البرامج في كونها تخرّج فيها طلبة الدراسات العُليا بكفاءاتٍ بحثيّةٍ عاليّة من جانب، ومن جانب آخر تدعم سوق العمل في المجالات البحثيّة والأكاديميّة، لاسيما أن القسم قد اختار مُعظم أساتذته العُمانيين من خريجي برنامج الماجستير منها، بما فيه مُحدثكم. وواصل الدكتور مسعود حديثه أيضًا بالإشارة إلى الأهداف المتوخاة من البرنامج؛ وذلك بإنشاء قاعدة بحثيّة أكاديميّة ينطلق منها الطلّبة لمواصلة برنامج الدكتوراة.
"إشراقة" لم تفوّت فرصة استطلاع آراء عدد من الباحثين من حملة درجة الماجستير بقسم اللُغة العربيّة بالجامعة، إذ ناقشتهم في نقاط رئيسة عدّة، أهمها: الاستفادة والتحديّات، ومواطن القوّة والقصور، ومدى قدرة جامعة نزوى لاستيعاب طرح برنامج الدكتوراة في اللغة العربية.
-
بين تجربة الاستفادة وخوض التحديّات...
برنامج الماجستير في اللغة العربيّة في ضوء استطلاع آراء باحثيها
تكمن رسالة جامعة نزوى في تعزيز الشراكة المجتمعيّة والإسهام في نمائه وتطوره، ومن المجتمع تنبثق الثقافات وتترسخ العلوم واللغات، وللمجتمع الجامعي إسهام واضح في الشراكة في تعزيز رُقيّ اللغة ونمائها، فمناهل العلوم ومصادرها شتّى، فما كان برنامج الماجستير في قسم اللغة العربيّة إلّا منهلًا استقى الباحثون منه نتاج علمهم، وعند بحثنا عن مدى استفادة هؤلاء من تجربة دراسة البرنامج بالجامعة سَرَدَ خريجو درجة الماجستير في القسم تفاصيل تجربتهم التعليميّة؛ ليؤكدوا على أن الجامعة مستعمرة ثقافيّة نَهِلَ الطلبة منها العلم الوفير.
حمد الظفري أحد خريجي برنامج الماجستير بقسم اللغة العربيّة تحدّث قائلًا عن تجربته واستفادته من البرنامج: "تتجسد بوجود ثلّة من الأساتذة أصحاب خبرة عميقة ومعرفة واسعة في مجال اللغة العربية، فهم الموجهون والمرشدون للطلبة في هذه المرحلة العلمية. ويمكن القول إن الاستفادة كانت عظيمة؛ لأنها حملت في طياتها أفقًا جديدًا من المعرفة من أجل سبر أسرار اللغة التي جعلتها أرقى وسيلة للتواصل والتعبير بين البشرية، كما أنها منحتنا فرصة للتخصص والتعمق في اللغة العربية عامة والدراسات اللغوية خاصة، من طريق تنمية مهارات البحث والتحليل العلمي، التي بدورها أكسبتنا المعرفة في كيفية صياغة البحوث، وكتابة الأوراق البحثية بكل دقة وإتقان، وتحليل النصوص والتعليق عليها، واستخلاص النتائج بناءً على أسس علمية صحيحة، والبحث في المصادر الأدبية واللغوية بشكل أكثر عمقًا من قبل. ومن هنا أقول إن تجربتي في دراسة الماجستير لم تكن مجرد رحلة أكاديمية؛ بل كانت رحلة في اكتشاف الذات وتحقيق الطموحات، والتجربة منحتني الدافع للبحث بكل إصرار وثقة؛ لاستيعاب المعرفة ودخول عالم مليء بالأفكار الرائدة؛ والبحوث المتقدمة، وتنظيم الأفكار وترتيبها في سياق علمي متسق، واكتساب مهارات جديدة، وطرقًا متقدمة للبحث والتحليل يتجلى فيها العطاء والتفاني في سبيل البحث عن المعرفة وتطويرها".
ولأن فضل العلم كبير، فقد ذكر العقّاد في إحدى كتاباته "إنّ المعارف التي نجمعها من التجارب والكتب محصول نفيس، ولكنه محصول لا يفيدنا ما لم نغربله ونوزعه على مواضعه من خزائن العقل والضمير"... وعليه فإن الباحث ماجد العجمي سطّر تجربته العلميّة والثريّة بقوله: "مما لا شكَّ فيه أنَّ طلبَ العلم فضلٌ وفضيلة، لما ينتِجُ عنه من إنجازاتٍ عظيمةٍ في خِدمةِ البشريَّة، وتعميرِ الأرض، وبناءِ الحضارات، وتنمية المُجتمعات، وخَلقِ فرص التطوَّر في شتى الميادين؛ لذلك كان التوجَّه إلى دراسة الماجستير في جامعة نزوى يدور في فلك هذه الفضائل العظيمة، التي كان لها الأثر الفاعل في ارتقاء العقل، وصقل المهارات والمعرفة، وتوسيع المدارك في الأساليب والمناهج التي يسيرُ عليها البحث العلمي، وإعداد الرسائل العلمية المُحكّمة، فضلاً عن تسخير موضوع الرسالة (تنمية العربية في الدرس اللغوي الحديث) في خدمة اللغة العربية ونموَّها واتّساعها لمواكبة مُستحدثات الحضارة العلمية والتقنيَّة. وقد صحِبنا في مرحلة الدراسة شخصياتٌ أكاديمية غَرسَت فينا غَرسَاً لا يدرِسُ أثرُه ولا يَعفو رسمُه.
(اثنان لا يشبعان: طالب علم وجامع مال) قول حكيم كنت ولا زلت أردده، فطلب العلم حلو ارتشافه، وصاحب العلم لا تمل مجالسته، وحقيقة الأمر أن كلماتي تقصر عن وصف الاستفادة من تجربة دراسة برنامج الماجستير وبيان أثرها، فتلكم الأيام التي قضيناها في رحاب الجامعة، حافلة بعظيم المزايا والفوائد، هكذا استهلّ الباحث علي الهنائي حديثه عن تجربته الجامعيّة، لّخصّها أيضًا بقوله: "لقاؤنا بخيرة الأكاديميين الذين يشار إليهم بالبنان، فسيرتهم الخالدة الحافلة بالمنجزات العلمية المختلفة خير شاهد عليهم، وارتشافنا من معين الأساليب العلمية وصنوف المناهج الأدبية على أيدي أرباب اللغة والأدب، تبعها التطبيق العلمي لما تم دراسته في المساقات النظرية والاستفادة من ذلك في الميدان التربوي".
وافقه الرأي أيضًا الباحث الدكتور هلال البريدي بقوله: "قدمت جامعة نزوى برامج ماجستير رائدة في اللغة العربية وآدابها، وهي بهذا تفتح للطالب فرصًا متعددة للاستفادة من حيث تعميق المعرفة؛ إذ تساعد هذه المقررات بمناهجها المختلفة على تعزيز فهم اللغة العربية بشكل عميق، سواء من النواحي اللغوية أم الأدبية، وتعينه على البحث والتحليل، إذ يتم تشجيعه على الأبحاث الأصلية وتطوير مهارات التحليل النقدي؛ مما يعزز قدرات الطلبة في فهم النصوص وتحليلها، والإسهام في مجال البحث والتأليف، كما يتيح للطلبة التخصص في مجالات معينة، مثل: اللغويات والأدب والنقد، كما فتح لي برنامج الماجستير الذي تقدمه الجامعة أبواباً للتدريس في المؤسسات التعليمية الجامعية، فمن هذه الفرص، يكتسب الطلبة مهارات تأهيلية تعزز فرصهم المستقبلية؛ سواء أكانت في المجال الأكاديمية أم سوق العمل أم البحث والتأليف".
-
من القمة... صنوف التحديّات
إن المتصور لأبعاد المسيرة التعليميّة، سيدرك تمامًا أن الطرق مسلوكة بالعقبات مهما تذللت للسالكين... وقد ذكر أحد العلماء المفكرين واصفًا طلبة العلم: "لا أريد من طلبة العلم أن يكونوا نسخًا من كتب، ولكني أريدهم علماء عالمين"، إدراكًا منه أن لكل صنعة لابد من صانع حاذق لها، وأن في أصل طلب العلم هو تلقيه من أفواه العلماء لا من بطون الكُتب فحسب، ومما لا يخفى على طالب العلم أن الوصول إلى أعلى مراتب العلم والمعرفة لابد من طريق شاق غير مُمهدٍ للمُتعلمين.
هذا ما أكدّ عليه الدكتور مسعود الحديدي بمشاركة آراء عدد من الباحثين أيضًا فيما قد يواجه طلبة الماجستير في قسم اللًغة العربيّة من صنوف التحديّات، مشيرًا إلى أن أكثر ما يُعيق الباحث الحصول على عنوان دقيق يقتنع به الطالب وله مكنة فيه، بالإضافة إلى أن غالبية الباحثين وبنسبة كبيرة منهم غير مُفرّغين من جهات عملهم؛ وهذا ما يخلق تحديًّا لهم في أوقات الفراغ. الأمر الآخر ما يتعلق بالبطء وعدم التركيز على البحث؛ وذلك لأن من مُقتضياته عدم الانقطاع وأن يكون متواصلًا؛ مما سيؤدي لاحقًا إلى عدم تماسك النص البحثي.
وقد كانت آراء الطلبة في تلكم التحديّات كالآتي، إذ ابتدأناها مع الباحث حمد الظفري، حين قال: "إن الطلبة يحملون في قلوبهم آمالًا وأحلامًا وتطلعات لا تعدُّ ولا تحصى وهم مقبلون على دراسة الماجستير؛ لكنهم قد يواجهون بعض التحديات والصعوبات التي تتطلب قليلا من الصبر والتفاني والتحمل وسهر الليالي؛ للوصول نحو تحقيق الهدف المنشود، واستحضر الظفري أبياتا للإمام نور الدين السالمي التي دائما ما يرددها له والده العزيز -حفظه الله- على مسامعهم، إذ يقول في مطلعها:
لا يُورث العلم من الأعمام ولا يُرى بالليـــــل في المنام
لكنه يحصـــــــــل بالتكرار والدرس في الليل وفي النهار
مثاله كشجرة في النفسِ وسَقيُها بالدرسِ بعــد الغرس
ويمكن القول إن أبرز التحديات التي تواجه طلبة الماجستير عمق الموضوعات والمواد الدراسية، مما يتوجب على الطلبة القراءة المستمرة والبحث العميق. بالإضافة إلى التحديات التي تتعلق بالتوازن بين الدراسة والعمل، إذ إن أغلب الدارسين في الماجستير هم من العاملين في القطاعين العام أو الخاص، وربما لا يوجد لديهم تفريغ من جهة العمل لمواصلة الدراسة، وممن أكدّ على ذلك أيضًا الباحث علي الهنائي؛ ولكنّ خريجي القسم أجمعوا على أن طلب العلم يحتاج إلى عزيمة وبذل الجهد والوقت والدعم المستمر من الأسرة والمجتمع والمؤسسة التعليمية ذاتها؛ من طريق التوجيه والإرشاد، وأشاد كل منهما بكل جهد تقدمه الجامعة لتذليل الصعوبات التي تواجه طلبة العلم، فجهودها مشهودة وسعيها مشكور.
من جانب آخر استكمل الباحث علي العجمي نقل التحديّات التي يشعر بها الباحث بقوله: "لا تخلو مرحلة الدراسة من وجود التحديات التي تُفضي إلى بذل جهود مُضاعفَة من قبل طالب العلم في سبيل تذليلها وتجاوزها، ولعلَّ في مقدمتها قلة المراجع البحثيّة والدوريّات العلمية المُعينَة لطالب الماجستير في دراسته، إذ أرى ضرورة أن تقومَ جامعة نزوى بتفعيل دور طلبة الدراسات العليا بإعطائهم فرصةً لتفعيل دورهم في وضع البرنامج الأكاديمي المناسب، إضافةً إلى ضرورة التخطيط لعمل جدولة زمنيّة يجري بموجبها ترتيب لقاءات بين طلبة الدراسات العليا مع الأكاديميين والإدارات المختلفة في الجامعة، بحيث تكون بواقع ثلاثة لقاءات في العام الدراسي، بُغيةَ وضع الحلول الناجعة لتلك التحدّيات، وتقريب وِجهات النظر في الكثير من الحيثيات التي يحتاج فيها الطالب إلى آذانٍ مصغية تمّهد له طريقه في طلب العلم".
وذُكر فضل المُعلّم على طلبته مُنذ أن عرفت البشريّة به، نستحضر واحدة منها، إذ قالوا: "أبدًا لا يكون المعلم واهبًا للحقيقة؛ إنما مرشد وموجّه كل واحد من تلاميذه نحو الحقيقة التي على التلميذ أن يجدها بنفسه" أشار إلى ذلك الباحث علي الريامي، الذي ذكر تحدياته مع إشادته لمن ذلل له مشواره بقوله: "أبرز التحديات التي تواجه أي باحث صعوبة الوصول إلى الكثير من المصادر والمراجع، لعدم توفرها في سلطنة عُمان بشكل عام، ومع ذلك كان أساتذتنا يبذلون قصارى جهدهم في إرشادنا و توجيهنا إلى آلية ألحصول على ما نحتاجه من مراجع مختلفة .
وما كان رأي الدكتور الباحث هلال البريدي مُخالفًا عمّا قاله جُلّ الباحثين، ولكنه وضّح أن ما قد يعتري طلبة الماجستير من تحديّات في دراسة اللغة العربية وآدابها بجامعة نزوى تحديات صحية وطبيعية، وهي التي تصقل شخصيته العلمية الافتراضية باحثا ومؤلفا وأكاديميا، وهي تحديات تنبع من طبيعة الدراسة الأكاديمية، ولعل أبرزها حسب قوله: "التفرغ لفهم الجوانب الدقيقة والمعقدة للغة العربية وآدابها عبر تاريخها الطويل، بما في ذلك النحو والصرف والبلاغة، إذ يشكل تحديًا يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، زد على ذلك ضغوط إجراء أبحاث عميقة ومتقدمة في مجال اللغة والأدب العربي يمكن أن يكون مرهونا بالتحديات المتعلقة بالمصادر والمراجع ذات الصلة، إضافة إلى الحاجة الملحة إلى تطوير مهارات التحليل النقدي لفهم النصوص الأدبية والثقافية وفهم تأثيرها وأهميتها وفق موقعها الثقافي الصحيح زمانيا ومكانيا، ويزيد الأمر صعوبة الضغوط الوقتية التي تحتم عليه إكمال البرنامج في فترة زمنية محدودة، بحيث ينبغي على الطلبة الاستفادة القصوى من المواد الدراسية المتاحة في وقت زمني محدود، كما تزداد هذه التحديات مع تطور اللغة وتغيراتها، إذ يتطلب من طالب العلم متابعة التحديثات والابتعاد عن التقليدية لمواكبة التطورات اللغوية الحديثة، والحق يقال إن جامعة نزوى تحاول تقديم الدعم والتوجيه للطلبة لتجاوز هذه التحديات وتحقيق أقصى استفادة من فترة دراستهم، بحيث أصبحت مصنعا لكثير من الباحثين المرموقين على مستوى السلطنة؛ بل الوطن العربي".
-
مواطن القوّة والقصور...
قال الأديب والروائي جرجي زيدان واصفًا اللُّغة: "وليعلم حملة الأقلام أن اللغة كائن حي نامٍ خاضع لناموس الارتقاء تتجدد ألفاظها وتراكيبها على الدوام"، وما كان ذلك الارتقاء إلا على يد من أرفعهم صوتُا وأجرأهم عقًلًا وفكرًا بلسانهم وقلمهم الفذّ، فصُنعت لُغةً مُستقيمةً ووُجِدَ إرثًا أدبيًّا وحضاريًا بفضل ملكاتهم الفكريّة واللغويّة، فاللغة العربية على وَارِف حجمها كما يراها أربابها ما زالت القلب النابض وسط خضم العلوم التي تُدّرس في الجامعات، وكأي صرحٍ تعليمي وثقافي لابد من مواطن قوّة وقصور، ليس قصورًا في البرنامج الأكاديمي، وإنما ربما في توفر المراجع والمصادر والدراسات التي تساعد على إنجاز الرسالة في الوقت المحدد وإيجاد حلول بحثيّة لها.
لذا فقد كان لطلبة الماجستير آرائهم حول تلك المواطن التي أفصحوا عنها لصحيفة "إشراقة" ... الباحث يحيى البلوشي عرض باعتبار أنه من الطبيعي أن يعتري مشواره وكأي مشوار دراسي جوانب قوة وقصور، واختصرها قائلًا: "تحديد موضوع الرسالة، والمنهجية التي سيلتزم بها الباحث، وهل هذه الرسالة ستمثل إضافة جديدة للمكتبة العربية؟ أم لا؟، ويمكن تجاوز بعض تلك التحديات التي ذكرتها سابقا بتشجيع الطلبة على المشاركة في المؤتمرات والندوات واللقاءات، أو بالتعاون مع باحثين آخرين من ذوي الخبرات؛ لتبادل الأفكار والتجارب".
كما أن تسليط الضوء على جهود العلماء المُحدثين في اللُّغة من بيان عوامل تنمية الألفاظ في عصرنا الحديث، هو الهدف من دراسة موضوع (تنمية العربيّة في الدرس اللغوي الحديث) للباحث ماجد العجمي، الذي من طريقه اعتمد على الاطّلاعِ واستقراءِ المؤلّفات الكثيرة التي ألَّفوها، بالإضافة إلى بيان الأسس والمُنطلقات التي اعتمدوا عليها في مواصلة تجديد الألفاظ وتنميتها مُسايرةً لعصرنا، فضلاً عن الكشفَ عن تلك العوامل التي أسهمت في تنمية مُفردات العربية لمُلاحقة ما جَدَّ من صناعاتٍ حديثة في شتى الميادين التي تُشكّل إضافةً حضاريةً في عصرنا. وبطبيعة الحال رصد هنا الباحث علي العجمي مجموعة من مكامن القوّة والقصور في تجربته البحثيّة، إذ تمثلت نقاط القوّة في مؤلّفات المحدثين في أنها مرتّبةً تاريخياً، ومنحَت للقارئ كيف بدأت تلك الجهود، ونقاط التقائِها، كما أنَّها بسّطت الجهود التي قامت بها مجامع اللغة العربية والهيئات العلمية في مجال تنمية اللغة العربية. أما عن مكامن القصور فإنَّ الباحث لا يدّعي أنَّه استكمل هذا الموضوع، منتظراً ما يرد من ملاحظات تُسدد وهماً، أو تُضيف ما لم أستطع بلوغه، واللهُ الموفِّقُ للصواب.
وعليه، فإنّ العجمي يتطلّع لإتاحة المجال مُستقبلاً لاستكمال الدراسة في مرحلة الدكتوراة، بحيث تُلملَم الكثير من الجهود التي ما زالت حبيسة المكتبات والأدراج، سواءٌ كمخطوطات، أم بحوث ودراسات لم تنلْ نصيبها من الطباعة والنشر إلى يومنا هذا.
ومن جهة أُخرى ما كان على الباحث علي الهنائي إلّا المُضي قُدمًا لإنجاز مشروع الرسالة بعدما حالت جملة من الظروف عليه من بينها جائحة كورونا؛ فاضطُر للتوقف عن المواصلة، ولكن أخذ بنصب عينيه "إن المشكلات ليست حاجز عائق للتوقف، ولكنها خطوط توجيه"، فما لامسه من تعاون بنّاء من قبل رئاسة الجامعة وعمادة كلية العلوم والآداب وإدارة قسم اللغة العربية والأساتذة الأفاضل يستوجب الذكر والإشادة، فقد كانوا جميعا خير معين ومرشد. وأما عن سؤالنا إياه عن مواطن القوّة والقصور أجاب: "فمن المعلوم أن العلم بحر متسع الآفاق، صعب مركبه، من أراد مخر عبابه فعليه أن يتزود بما يلزم من همة وعزم وصبر، ونصيحتي لمن أراد الولوج في برامج الدراسات العليا، أن يوليه من الوقت جلّه ومن المطالعة أغزرها".
أما عن تجربة الدكتور الباحث سيف المسكري البحثية، التي خاض فيها غمار البحث والاستقصاء فقد كانت مُميزة، وبطبيعة الحال لا تخلو من مكامن القوّة وكذلك القصور أيضًا، أجاب عن ذلك قائلًا: "إن نقاط القوّة تتمثل في الاستفادة من خبرات الأساتذة الأفاضل، وخوض غمار البحث والتقصي عن المعلومة من مظان الكتب، ومن جانب آخر فإن مواطن القصور التي شَعرَت بها تتمحور في قلة إبداء الرأي الشخصي لكثير من المسائل؛ وذلك بسبب عدم امتلاك كل أدوات البحث التي ينبغي أن يمتلكها الباحث، وخلو الرسالة من قائمة فهارس للقرآن الكريم والحديث الشريف والشعر مرتبة ترتيبا منطقيا، وتوجيهي هو أن يتم تفريغ الأساتذة المكلفين بمتابعة الباحثين مدة لا تقل عن يوم كامل ليتفرغوا للطلبة، ويمدوا يد العون التي يحتاجونها في مسيرتهم العلمية".
إن من الحقائق المُسلّم لها أن تلك المواطن تعتمد وبشكل أساس على الباحث نفسه وشغفه وإصراره على تحقيق النجاح والتفوق، أكدّ على ذلك الباحث حمد الظفري، فذكر حينها أن رسالة الماجستير تتطلب إجراء بحث عميق وشامل في موضوع ما، والباحث يسعى إلى تقديم رؤية جديدة أو يوضح مفهومًا أو يطّور نظرية، يُظهر فيها مهاراته في تحليل النصوص وفهم الأبعاد الأدبيّة واللغويّة في البحث العلميّ. مواصلّا حديثه بقوله: "إن الباحث لا يمكن أن يقيّم عمله، وإنما من يكشف عن مواطن القوة والقصور في الرسالة هو المحكم الخارجي ولجنة المناقشة، والقارئ الكريم بعدهما. وهنا أشير إلى أنه متى ما وجد الباحث من يأخذ بيده، ويرشده نحو التقيد بأصول البحث فإنه سيقدم مادة بحثية عميقة وجديدة تحقق الأهداف، وتعزز البحث العلمي، وهذا ما ينبغي أن يقوم به المشرف على الرسالة، إذ إن له دور كبير في التزام الباحث بمنهجية البحث العلمي الرّصين، وفي هذا المقام أجدد شكري للأستاذ الدكتور سعيد الزبيدي على دعمه وتشجيعه المستمر، ومتابعته الحثية لجميع جوانب الرسالة خطوة بخطوة".
-
غرسٌ مُثمر وخُطى حثيثة نحو مُستقبلِ نيّر...
قسم اللغة العربيّة يُسلّط الضوء كاشفًا عن برنامج الدكتوراة
حرصت جامعة نزوى منذ افتتاحها على بلورة الرؤى المُستقبليّة على أرض الواقع وتزويد الوطن بكوادر علميّة واعدة، مُتمكنة من المعارف اللازمة للسير بخطواتٍ واثقة نحو بناء مستقبل وطن معطاء بكفاءاتٍ متوقدّة؛ فسعت إلى التجاوب مع متطلبات سوق العمل، وتقديم كافة المتطلبات الأكاديميّة ذات جودة ورصانة علميّة؛ لتهيئة الطالب الجامعي في التفاعل مع العالم المُتغيّر، وها هي الآن تعمل جاهدة على توقيد همم طلبتها من جديد في فضاءات العمل والتعليم، مسهمة في تعزيز ما يصبو إليه الوطن والمُستقبل.
إن مكامن الإنسان والطالب الجامعي على وجه الخصوص أضحت الثروة الحقيقية التي سينهض بها الوطن، وعليه أخذت جامعة نزوى على عاتقها -منذ نشأتها- الاستفادة من تلك الثروات واستثمارها، فواصلت مسيرتها بافتتاح التخصصات تماشيًّا مع سوق العمل ومتطلبات العلم والتقانة. وفي صدد ذلك ارتأت جامعة نزوى -تزامنًا مع حصولها في تصنيف QS لعام 2024م المرتبة 61 عربيًّا، والأولى على مستوى الجامعات الخاصة، والثانيّة على مستوى الجامعات الحكوميّة والخاصّة- إلى افتتاح المزيد من التخصصات- كما تسعى الآن إلى استكمال افتتاح برنامج الدكتوراة في الفلسفة في اللغة العربيّة وسط جهود مُكثفة ليرى النور قريبًا، بالإضافة إلى ذلك، فقد قام قسم اللغة العربية مؤخرا باستطلاع رأي عدد من طلبتها وأساتذتها الأفاضل في الموضوع. وفي حوار خاص أجرته إشراقة مع الدكتور مسعود الحديدي، رئيس قسم اللغة العربية، أشار إلى أن البرنامج شُكلّت له لجنة في العام الماضي برئاسته وعضويّة الأساتذة المُتخصصين في اللُغة والأدب والنقد، وقد وضعت المساقات والتوصيف لها، وحاليًا يجري العمل على دراسة الجدوى الاقتصاديّة وبعض الفنيّات فيه، وأنّه من المحتمل أن يُقدّم في نهاية شهر نوفمبر الماضي من هذا العام. واستكمل الدكتور مسعود الحديدي حديثه قائلًا: "إن البرنامج سيكون في اللغة والأدب؛ أي يتكون من شقين: الدكتوراة في الفلسفةفي اللغة العربيّة في الدراسات اللغوية والأدب والنقد، وهو لا يزال في العتبة الأولى وفي انتظار العمل على الخطوات المُتبقيّة للحصول على الموافقة من وزارة التعليم العالي، آملين أن يكون في مساراته السليمة".
وبطبيعة الحال واصلت إشراقة استطلاع رأي مجموعة من الباحثين عن البرنامج، الباحث حمد الظفري أعرب عن إشادته للجامعة لما لها من قدرة استيعابيّة كبيرة لطرح برنامج الدكتوراة في اللغة العربيّة؛ إذ إنها -من وجهة نظره- تمتاز بوجود كوادر أكاديمية متميزة ومتخصصة، ويتمتع الأساتذة فيها بالخبرة في شتى مجالات اللغة العربية (الدراسات اللغوية والأدبية والنقدية)؛ مما يوفر فرصًا للتعلم والتوجيه الأكاديمي المتخصص. وكما يرى أيضًا أن الجامعة تملك الموارد والمرافق الضرورية لإجراء البحوث والدراسات، بالإضافة إلى أنها توفر بيئة تعليمية حديثة وملائمة تشجع على البحث وتنمية مهارات البحث العلمي؛ لذا فإن الظفري يعتقد أن طرح برنامج الدكتوراة في اللغة العربية ضرورة ملحة وحاجة ماسة؛ ليسهم في إثراء المعرفة وتطوير المجال اللغوي ومواصلة استكشاف سراديب اللغة العربية وفهم أعماقها.
أما بالنسبة للباحثة حبيبة المفرجيّة، التي أكدّت هي الأخرى على ما قاله الظفري من وجود كفاءات ذات خبرة علمية طويلة، بالإضافة إلى توافر كلّ المقومات الماديّة والجغرافيّة والتاريخيّة التي تؤهل الجامعة لتكون في مصاف الجامعات البارزة في سلطنة عمان وخارجها. إلى جانب المكانة العلميّة التي حققتها، وولاء الباحثين الحاصلين على درجة الماجستير منها؛ فهم يسعون بما لا شك فيه إلى إكمال الدراسة فيها.
بينما يرى الباحث ماجد العجمي أن برنامج الدكتوراة يُعدُّ مطلبًا رئيسا لشريحة كبيرة من طلبة الماجستير، فهو -كما ذكر- أنه سبق ودار الحديث بينه وبين مُشرف رسالته عن هذا الموضوع، لما للجامعة من مقومات تُمكِّنها من احتواء هذا الجانب والوفاء بالالتزامات المنوطَة بها، شريطةَ بذل جهود مضاعفة تتمثّل في توفير بيئة دراسية على أحدث المواصفات القياسية، بحيث تتنوع فيها مصادر التعلّم والتعليم النظريَّة والتطبيقية، سواءٌ من طريق القاعات الدراسية أم التدريبية، والمُختبرات والمعَامل المتعددة الأغراض، وتعزيز المكتبة العامة بالمصادر والمراجع المُعينَة، واستقطاب مزيد من الكفاءات الأكاديمية العلمية المُتخصصة.
أمّا الباحث علي الريامي فقد استكمل ما قاله زملاؤه الباحثين، وذلك لما للجامعة من مكانة عريقة، فقد كانت -ولا تزال- في تقدم علمي وبحثي واضح للعيان، وقد استطاعت مؤخرًا أن تحقق تصنيفًا متقدمًا ضمن التصنيفات البحثية العالمية الموثوقة؛ يرجع ذلك إلى وجود العديد من المراكز البحثية، والمجلات العلميّة المحكمة، ووجود ثلّة من العلماء الأجلاء، والإمكانيات التي تعين طالب الدراسات العليا؛ كل ذلك يثبت قدرة جامعة نزوى على طرح برنامج الدكتوراة في اللغة العربية وآدابها. وقد شارك الباحث علي الهنائي رأيه أيضُا، وقبل الشروع في الإجابة عن السؤال أشار إلى نقاط لها عظيم الصلة وبالغ الأثر، أولهما: الموقع الجغرافي والبعد الحضاري لمدينة نزوى، فجامعة نزوى تتبوأ هذه الصدارة، وهو مما لا يخفى عن كل ذي لب أن للموقع أهمية بالغة، وقد ذكر كذلك الإنجازات العلمية في شتى المجالات: الندوات العلمية، التي اضطلعت جامعة نزوى بتنظيمها، واستقطاب رموز الفكر (أكاديميين وبيوت خبرة ... إلخ) من مختلف الجامعات المحليّة والعربيّة والعالميّة؛ وذلك لتقديم أوراق بحثيّة وتجارب، والإنجازات البحثية التي حققها قسم اللغة العربية في برنامج الماجستير في الأعوام المنصرمة، يُعد شاهدًا ودليلاً واضحًا على ذلك، ومن أراد أن يقف على هذا الأمر، فليتابع الرسائل البحثية المنجزة، وبلا شك سيدرك عظم الإنجازات في شتّى فروع اللغة العربية وآدابها: اللغة والنقد والآداب والتحقيق وغيرها. وذكر الهنائي أن هنالك كلمة لابد أن يسوقها في هذا المقام، وتُعدُّ الأساس لما ذكره سابقًا في هذا الباب، ألا وهي في قوله: "الأكاديميون الذين كان -ولا زال- لهم عظيم الأثر والمآثر، فلهم الدور البالغ والمشهود في تحقيق هذه الإنجازات والنجاحات التي حققتها الجامعة على مر السنين"، وما أورده آنفا في اعتقاده هو خير دليل على قدرة جامعة نزوى -اللا محدودة- وإمكاناتها لاستيعاب برنامج الدكتوراة في اللغة العربية وآدابها خاصة.