السنة 18 العدد 175
2023/01/01

رحلة السلامة في صيانة الأفلاج وحفرها


 

 

إسحاق الشبيبي

مشرف في كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج

 

في ميدان زراعتنا الواسع، تعد قنوات الأفلاج نقطة حيوية تحظى بأهمية كبيرة في نقل المياه إلى المناطق الزراعية. ومع استمرارية تلك العمليات، تتبوأ صيانة قنوات الأفلاج مكانة حيوية للحفاظ على فعالية هذه البنية التحتية، ويرافق هذا النشاط مجموعة من المخاطر التي تشكل تحديًا جادًا لسلامة العمال المشاركين في هذه العمل.

صيانة الأفلاج قد تنطوي عليها بعض المخاطر التي يجب أخذها بعين الاعتبار للحد من الحوادث التي تعترض العاملين والمتطوعين، ومن الأخطار المصاحبة لأعمال الصيانة والحفر، انهيار التربة التي تؤدي إلى دفن العاملين وموتهم اختناقا أو سحقهم متأثرين بسقوط الأتربة والأحجار. ومن أمثلة ذلك الحادث الأليم الذي حصل  في ديسمبر من عام 2020م، الذي أدى إلى وفاة عامل كان يعمل في صيانة فلج الفليتي بقرية الروضة في ولاية المضيبي؛ بسبب انهيار أتربة في أثناء الصيانة، واحتجاز العامل لأكثر من عشر ساعات متواصلة للوصول إليه. كما أن مصدر بعض الإصابات يكون بسبب الأدوات والمعدات الميكانيكية، مثل: القطع والسحب. وتتنوع الإصابات الجسدية تبعا لطبيعة العمل والظروف الجوية، مثل: البرد القارس والحرارة الشديدة، ومنها الإجهاد والتعب والاختناق بسبب نقص الأوكسجين، وارتفاع الضغط أو انخفاضه، والتعرق الشديد والدوار والإغماء والكسور والرضوض والغرق. كما أن الانزلاق أو السقوط يعدان خطرا على حياة العاملين، إذ قد يؤديان إلى الوفاة أو إصابات بالغة.

 

 

كما يعد وجود الثعابين والعقارب في قنوات الأفلاج وسواعدها من أكبر التحديات التي تواجه العمال في أثناء الصيانة، إذ تعرضهم للدغات سامة تؤدي بحياتهم وتعرضهم لإصابات مختلفة. وذكرت إحدى الروايات الشفهية التي وردت في كتاب (أفلاج عمان حضارة مستدامة) قصة مثيرة حدثت للعمال في أثناء حفرهم أحد الأفلاج، إذ واجهوا أفعى ضخمة جدا تسببت في ارتباكهم وخوفهم وحيرتهم، وقد أقدم أحدهم مسرعا إلى جلب بندقيته -تسمى محليا الصمعه- وأطلق النار عليها مباشرة فأرداها قتيلة وسقطت في الفلج وحولت لون ماء الفلج إلى اللون الأحمر، وبعد ذلك أخرجوها. وهناك الكثير من الروايات الشعبية التي تروي قصصا مماثلة. وقد تكون الأفلاج أيضا موطنًا للحشرات السامة والحيوانات الضارة، مثل: العناكب والنمل والفئران والخفافيش وغيرها. وقد يتسبب التعامل مع هذه الكائنات في أثناء صيانة الأفلاج لانتقال الأمراض أو تعرضهم للدغات أو عضات أو حساسية.

 

فيما قد يؤثر العمل في الأفلاج على الحياة البيئية، مثل الأسماك والنباتات المائية، ويمكن أن يتسبب في تلوث المياه بالمواد الكيميائية أو الرواسب الضارة؛ كاستخدام أدوات للإضاءة في أثناء الصيانة أو الحفر التي تحتوي على زيوت أو مشتقات بترولية، وفي حال تسربها يمكن أن تسبب تلوثا، وعليه سيكون تأثيره سلبا على استخدام مياه الفلج للشرب والاستخدام المدني والزراعي.

وقد يتعامل الفنيون والمتطوعين مع الكهرباء في أثناء صيانة الأفلاج في تشغيل الأدوات والمعدات اللازمة للحفر والصيانة، مثل حفارات الكهرباء ومضخات المياه وأدوات القطع الكهربائية والإنارة والتحكم في الأنظمة الكهربائية، إذ يتطلب العمل في الأفلاج أحيانًا التحكم في الأنظمة الكهربائية المتعلقة بالمياه، مثل: مضخات المياه وصمامات التحكم، و يتم استخدام الكهرباء لتشغيل هذه الأنظمة وإيقافها وضبطها بشكل صحيح، واختبار الأسلاك الكهربائية، إذ يمكن أن يتطلب الحفر والصيانة اختبار الأسلاك الكهربائية الموجودة في القنوات وفحصها، كما تستخدم الكهرباء لتشغيل أجهزة الاختبار وقياس التوصيلية وتحديد أي مشاكل في الأسلاك.

 

 

في أثناء حفر الأفلاج وصيانتها، هنالك بعض إجراءات السلامة والوقاية التي يجب اتباعها من قبل العاملين والفنيين والمتطوعين: بداية عليهم أن يتوجهوا إلى تقييم المخاطر المحتملة قبل البدء في العمل، وتحديد الإجراءات اللازمة للوقاية منها، إذ يشمل ذلك تحديد المخاطر المرتبطة بالحفر والصيانة، مثل انهيارات التربة، والاختناق بسبب انخفاض جودة الهواء، أو سقوط الأدوات والأجهزة، أو الغرق أو لدغات الزواحف وغيرها، أو الجهد والإرهاق بسبب العمل المتواصل ... ومخاطر أخرى كثيرة.

 

كما  يجب على العمال أيضا ارتداء المعدات الواقية المناسبة، مثل خوذة السلامة التي تساعد في حماية الرأس من الإصابات المحتملة نتيجة سقوط الأجسام أو الاصطدام بالهياكل الصلبة في أثناء العمل، والنظارات التي تقي العينين من الجسيمات العائمة أو الأملاح أو المواد الكيميائية التي يمكن أن تتطاير في أثناء الصيانة، وقفازات العمل التي تحمي اليدين من الجروح أو العضات أو المواد الكيميائية، وحزام الأمان في أثناء عمليتي الهبوط والصعود للحماية من السقوط، وارتداء ملابس طويلة ومغطاة تحمي الجسم من الحشرات أو الحيوانات الضارة التي قد تكون موجودة في المنطقة وتقلل من التعرض للحروق أو الجروح  أو اللدغات، واستخدام معدات الحماية الشخصية الأخرى حسب الحاجة في العمل في الأفلاج،  وارتداء حذاء واقي يوفر حماية للقدمين من الإصابات المحتملة نتيجة تساقط الأجسام أو الانزلاق في أثناء العمل. وعليه فإن ارتداء الملابس الواقية يعزز السلامة ويقلل من مخاطر الإصابة في أثناء صيانة الأفلاج. كما أن قدر أهمية توفير هذه الملابس وضمان استخدامها بشكل صحيح ومنتظم على مستوى واحد.

 أما في حال العمل في مساحات مغلقة، فيجب توفير نظام جيد للتهوية للحفاظ على جودة الهواء وتجنب التعرض للغازات الضارة قبل الدخول إلى الأفلاج، وعليه يجب إجراء فحص للكشف عن وجود غازات ضارة، مثل: غاز الميثان باستخدام أجهزة خاصة ومعرفة طريقة استخدامها بشكل صحيح. ولا شك أن توفير التدريب المناسب للعمال في إجراءات السلامة والوقاية، وكيفية استخدام المعدات بشكل صحيح، وتوفير التأمين الصحي للعاملين، من أهم إجراءات السلامة في العمل الميداني في الأفلاج، ومن المهم أيضا التنسيق مع هيئة الدفاع المدني والإسعاف للحضور في موقع العمل؛ تفادياً لأي حادث طارئ في أثناء الحفر والصيانة في أماكن صعبة وخطيرة؛ إذ إنهم يملكون كافة الإمكانات للإنقاذ والسلامة.

 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة