السنة 18 العدد 174
2023/12/01

القلق ... حياة كئيبة بلا معنى


 

 

جيهان بنت أحمد الكندية

مركز الإرشاد النفسي

 

 

أتفكّر دائما عن دافع خوفي من كل أمر، لم أجد سببا يدعو إلى ذلك، هل يعقل أن يكون السبب من اللا شيء، أفكر بسلبية ... أتوقع مواقف غير سارة، يراودني خوف من المستقبل، للأسف أجد صعوبة في العيش؟ أشعر بتوتر حتى في أبسط الأمور، إذا رنّ الهاتف أتوقع مصيبة، إذا نوديتُ أتخيل حدوث أمر سيء لأحد، أصبحت غير قادر على الشعور بالراحة والطمأنينة، لا أستطيع الاسترخاء دقائق معدودة، أتحرك بلا هدف، أنفعل بسرعة تجاه أتفه المواقف ... تغيّرت الحياة.

 

لم أعتد على ذلك، علاقاتي الاجتماعية كانت جيدة، أما الآن أصبحت أشعر بتوتر في أثناء التعامل مع الآخرين، ولطالما استطعت اتخاذ قرارات مهمة في حياتي، ولكن بكل يأس أواجه حاليا صراعا نفسيا في أثناء اتخاذ القرارات مهما كانت سهولة الخيارات.

 

  من الصعب جدا أن تشعر أن الحياة عبارة عن توتر ولحظات سيئة فقط، كل موقف يمر بصعوبة جدا، وكأن أحداً يسكب ماء ساخنا، أشعر بالحرارة والتعرق في أثناء مواجهة الأمور، أعاني من صعوبة في النوم، لا أصدق أنني كنت أنام بسرعة دون أي هواجس، وهناك ما يشعرني بالإحراج في أثناء مجابهة المجتمع، أعني رجفة الجسم، يزداد التوتر عندما أشعر أن من حولي يلاحظون ذلك، وتزيد الآلام العضوية الأمر سوءاً، فتارة أشعر بألم في معدتي، وتارة أشعر بضيق في التنفس وسرعة دقات قلبي، وبكل صراحة أواجه تحدٍ في التحدث عن مشاعري للآخرين، ولا أستطيع شرح ما يحدث لي بشكل صحيح، بل أصبحت لدي تأتأة عند الحديث إليهم خصوصاً أمام جمهور.

 

عزيزي القارئ، ربما شعرت الآن بمدى معاناة الشخص المصاب بـالقلق النفسي، ولكن المهم أن نفرق بين القلق الطبيعي والقلق المرضي، فالقلق الطبيعي يمر به جميع الأفراد في لحظات معينة، مثل: مرور الفرد بأخبار مؤلمة، ولكن القلق النفسي (المرضي) عادةً ما يكون بلا سبب، ومن أهم أعراضه التوتر والعصبية، والخوف من المجهول، وصعوبة في التركيز واتخاذ القرارات، كما أن الفرد يفقد الشعور بالأمان، وتصاحب القلق المرضي بعض الأعراض البدنيّة، مثل الرجفة والأرق، كذلك الشعور بآلام في أعضاء الجسم المختلفة، مثل: العضلات وحرقة المعدة.

 

ولعل أسباب هذا القلق تكمن وراء العديد من العوامل، منها ما يتعلق بعوامل وراثية وجينية؛ إذ يصبح الفرد أكثر عرضة للإصابة إذا كان أحد والديه مصابا بالقلق النفس، ومنها ما يتعلق باضطرابات الدماغ، كوجود خلل في المواد الكيميائية المسؤولة عن تنظيم مزاج الأفراد، ومن ناحية أخرى لا نقلل من دور البيئة المحيطة والعوامل الاقتصادية والاجتماعية، مثل التنشئة أو الفقر، وأخيرا وجود أفراد أكثر سلبية مقارنة بغيرهم؛ لذا يعد تباين الشخصيات أحد أسباب القلق.

 

عزيزي القارئ، يجب أن تدرك استراتيجيات التخفيف من آثار القلق النفسي؛ لتعين من حولك، وتجنّب الشخص المصاب حصول أي مضاعفات؛ بل تعين ذاتك في حال شعرت به ... إليك بعض النصائح: ابتعد عن الأخبار السلبية عندما تشعور بالقلق، بل اتجه نحو الجوانب المضيئة المشرقة بقراءة قصة أو البحث عن أخبار محفّزة، كما أن لممارسة الرياضة دورا مهما في التقليل من التوتر والقلق. وعادةً تكون الكتابة من طرق التخفيف من التوتر، وتطبيق استراتيجيات الاسترخاء كذلك، ولا ننس مكانة الدعم المجتمعي والأسري، وما لها من أهمية في مساعدة ممن يعانون من القلق النفسي، إذ تدفعهم نحو التعبير عن مشاعرهم إلى ما يقلل من حدّة هذه الظاهرة والآثار المترتبة عليها.




إرسال تعليق عن هذه المقالة