من تحدٍ إلى طموح: حكاية طالب حارب الظروف لبناء مستقبله
في عالم تعترضه التحديات وتختبر به إرادات الإنسان، نجد أن قوة العزيمة تظهر بوضوح في طريق أولئك الذين يواجهون الصعوبات بكل حزم، راسمين خطوط الشجاعة لتخطي العقبات، مدركين أن لكل حاجز يعترض النجاح ما يحطمه. قصص كثيرة سمعناها عن مناضلين حطموا جدران الصعاب التي قذفتها الحياة في طريق أحلامهم، فما كان منهم إلا أن يشمروا عن سواعدهم، باحثين عن منفذ صغير يتسللون منه لإكمال الطريق.
في ظل رحلة الحياة المليئة بالصعاب، كان لعابد قصة ملهمة، شق في أحداثها طريقه نحو النجاح والتميز، وتجاوز الظروف مرة وأخفق معها مرات عديدة، ومع ذلك واجه واقعه بكل قوة، وقوّم إرادته كلما أوشك على الاستسلام. وها هو اليوم -بكل فخر- يحتفل بتخرجه -امتياز مع مرتبة الشرف- في درجة الماجستير في جامعة نزوى بعد رحلة طويلة تستحق أن يسلط الضوء عليها.
لكنها العزيمة
ابتدأت قصة عابد بن حمود العامري عام 2008م، منذ اللحظة الأولى لقبوله في جامعة نزوى، وبعد تردد طويل وأفكار مشوشة بين الرغبة في الدراسة والبحث عن الوظيفة بسبب الظروف المالية التي حاصرته في ذلك الوقت، عقد عابد العزم في نفسه ورجّح كفة الدراسة وابتدأ سنته التأسيسية، ووجه كل خططه للانتهاء مبكرا من الدراسة والتخرج بدرجة الدبلوم في أقرب فرصة ممكنة؛ إذ إن ظروفه المالية تشكل عبئا عليه للاستمرار في الدراسة. أنهى سنته الأولى وحان الوقت لدراسة مواد التخصص (التجارة الدولية والمالية)، مكرسا جهوده، مثابرا في دراسته تجنبا لأي تأخير قد يحدث نتيجة إعادة المواد أو انخفاض المعدل، وقد عاهد نفسه منذ البداية ألا يكون معدله التراكمي أقل عن 3، وبالفعل استطاع أن يفي لنفسه ليحدد المعدل الذي سعى إليه في فصله الدراسي الأول. لم يمتلك عابد قوة خارقة، ولا وقتا مضاعفا، بل بعكس زملائه كان وقته موزعا بين الجامعة وواجباتها، وعمله في محل صيانة وبيع الهواتف الذي يعمل به في الفترة المسائية؛ لكنها العزيمة والقوة الداخلية التي تدفع بمالكها نحو النجاح مهما كانت الطريق شائكة.
كفة الدراسة
استمر عابد بنفس الجهد الذي بدأ به وكان معدله التراكمي يزداد فصلا يتبع الآخر، حتى أنهى متطلبات الدبلوم التي كانت النافذة التي فتحت من جديد لأحلامه؛ إذ أخبره أحد الموظفين في القبول والتسجيل بالجامعة أنه من الممكن أن يكمل دراسة البكالوريوس على نفقة وزارة التعليم العالي؛ إذ إن معدله التراكمي أعلى من المعدل المطلوب لاستحقاق هذه الفرصة، رغم أنّ الفرصة مغرية أمام طالب مجتهد ومتميز، إلا أن هناك ظروفا أخرى جعلت عابد في تردد مستمر بين مواصلة الدراسة أو الخروج من الجامعة بشهادة الدبلوم للبحث عن وظيفة، فرجحت كفة الدراسة مرة أخرى، وسعى للحصول على فرصة إسناد إداري في مكتبة الجامعة لتكون خير مُعين له لمساعدته في التغلب على ظروفه المادية آنذاك، وحصل عليه بتقدير وتعاون الإخوة في صندوق "معين"، فقد أصبحت الساعات في يومه مقسمة بين العمل في مكتبة الجامعة مستقطعا الوقت بين المحاضرات، والعمل في محل الهواتف في فترة المساء، بالإضافة إلى الدارسة؛ فهل لك أن تتخيل حجم الضغط الذي يقع في كاهل هذا الطالب؟!
أمّا بعدُ،
مع كل ذلك، أنهى عابد درجة البكالوريوس في خمس سنوات بمعدل امتياز، وفتحت الحياة أمامه فصلا جديدا، ابتدأ فيه رحلة البحث عن الوظيفة، فعمل مساعد محاسب في شركة نفطية؛ لكن الوظيفة كانت غير مرضية لطموحه، واستمرت رحلة البحث عن عمل إلى جانب عمله في الشركة وأجرى العديد من المقابلات إلى أن وفقه الله والتحق بركب العمل باحثا اقتصاديا في جهة حكومية مرموقة.
شرف وامتياز
لم تنتهِ قصة الكفاح، فالنهايات غالبا ما تكون بداية جديدة، فما أن استقر العامري في الوظيفة حتى راودته فكرة مواصلة الدراسات العليا، وترصد عقبات الفرص باحثا عن محطه الانطلاق التي سيعود من طريقها إلى مقاعد جامعة نزوى التي احتضنت أحلامه حتى نضجت، وحصل على ابتعاث وموافقة من جهة عمله لإكمال الدراسة بعد ثلاثة أعوام من تقديم الطلب، ففي عام 2020م عاد إلى الدراسة في جامعة نزوى بكل شغف للحصول على درجة (ماجستير في الاقتصاد)، وواصل جهده رغم الضغوط التي لم تقل عن سابقها، واليوم في حفل التخرج السادس عشر، الذي أقيم في الخامس من نوفمبر 2023م، احتفى بتخرجه بمعدل امتياز مع مرتبة الشرف، يحكي شعور الرضى والسعادة بعد الإنجاز، معلنا أنّ المصاعب التي واجهته وانتصر عليها اليوم ستكون يوما من الأيام بوابة إلهام ودوافع قوة له ولغيره، ينطلق منها نحو شغفه وتطلعاته المستقبلية.
تحت مظلة الطموح، يتجاوز الإنسان الحواجز ويصنع لنفسه طريقا نحو النجاح، مدركا أن كل تحدٍ يعترض طريقه هو فرصة لتقديم أفضل ما لديه؛ بل فرصة ذهبية لمعرفة قدراته التي لم تكن لتظهر لولا التحدي الذي وضع به، فالأحلام المتسللة إلى قلوبنا هي الضوء الذي ينير طريقنا مهما كان الظلام حالك بها، فلتعتنوا بأحلامكم حتى تكبر أمام أعينكم، وبروا بها لتبر بكم وتتحقق.