الوقف النسائي ... إحياء لإرث مجيد
مصطفى المعمري
احتضان جامعة نزوى لندوة "الوقف النسائي ... آفاق التطوير والاستدامة" شكّل تظاهرة نوعية، وتجربة متفردة من حيث المضمون والأهداف والتوجهات، تبنتها الجامعة ممثلة في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية، خاصة أن موضوع الوقف النسائي يكتسب مكانته وأهميته التاريخية والحضارية؛ كونه يبرز إسهامات المرأة العمانية -منذ مئات السنين- في تبني مشاريع وقفية مختلفة، ظلت -ولا زالت- حاضرة في العديد من المشاريع والتفاصيل الممتدة على أرض هذا الوطن.
الندوة بما حملته من مضامين ورؤى أعادت التذكير بالوقف النسائي والتعريف به، خاصة في هذه المرحلة، التي ربما غاب الوقف النسائي بمفهومه الشامل عن أجندة السياسات والتوجهات على مستويات الفرد والمؤسسة والمجتمع، فقد ظلت العملية محصورة في مبادرات محدودة رغم اتساع نطاقها ومجالاتها، ومن هنا جاءت فكرة الندوة لعرض مجموعة من التجارب والمشاريع المتعلقة برعاية أموال الوقف النسائي بشكل خاص، والحلول المبتكرة التي تبنتها العديد من المؤسسات الوقفية بشكل عام، وكيف تمكنت هذه المؤسسات من إعادة هيكلة المشاريع الوقفية من منظور اجتماعي واقتصادي واستثماري، مع إيلاء رعاية أكبر بموضوع حوكمة الأموال الوقفية حفاظا على حقوق المساهمين والمؤسسين.
(محور التوعية والإعلام) واحد من الموضوعات المهمة التي طرحتها الندوة، إذ أكد المشاركون فيه أهمية إعادة إحياء التعريف بـ "الوقف" بما فيه الوقف النسائي، مع التأكيد على أهمية تكثيف البرامج التوعوية والإعلامية لتعريف أبناء الوطن، خاصة جيل الشباب، بالمفاهيم المتعلقة بالوقف من جانبين: اجتماعي وديني، وما يمثله ذلك من أهمية مجتمعية تستلزم ضرورة مشاركة الجميع في دعم مشاريع الوقف ورعايتها وتمكينها.
الدكتور سعيد النعماني، مدير دائرة الأوقاف وبيت المال بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، يؤكد هنا على الدور الذي تضطلع به المؤسسة والفرد والمجتمع للعناية بالوقف؛ لتعميره وتثميره والحفاظ عليه؛ ليبقى معينا لا ينضب ومصدر خير لا ينقطع، منوها في حديثه إلى الحقبة التاريخية لبداية الوقف في عمان، التي تمتد إلى زمن الصحابي الجليل مازن بن غضوبة، كما أنّ أقدم الأوقاف في عُمان يعود إلى ما يزيد على 1200 عام، وهو وقف الإمام الوارث بن كعب الخروصي، كل ذلك وغيره من التجارب والإسهامات العمانية في موضوع الوقف أسس لقاعدة عريضة من صنوف الوقف في عُمان، إذ يبلغ عددها زهاء 88 صنفا، بقيت حتى يومنا هذا منهلا للمحتاجين ومعينا للمتعلمين، بما فيها: الوقف التعليمي والوقف الصحي ووقف المساجد، وأوقاف الطرق والأيتام والمحتاجين، وغيرها من صنوف الوقف، إذ تعدّ بطبيعتها تجربة عمانية خالصة ومتفردة حظيت برعاية المخلصين والمؤتمنين على هذه الأموال، الذين سعوا إلى تثميرها ورعايتها والحفاظ عليها.
وكان لتجربة جامعة نزوى حضورها المشرف، إذ عرّفت بجهودها في دعم المتعلمين ومساندتهم عبر صندوق "معين"، وإسهاماته التي تجاوزت مبلغ 43 مليون ريال عماني، في وقت أعلنت فيه الجامعة مؤخرا عن إشهار "مؤسسة معين الوقفية" بمبلغ مليون ريال عماني تضاف إلى رصيدها في رعاية مصالح المتعلمين والباحثين والعاملين ، هذه تجربة حظيت بإشادة المهتمين بالندوة، مؤكدين على أن مشروع المؤسسة الوقفية يمثل أيقونة خاصة لجامعة نزوى؛ نظرا لطبيعتها والأهداف والتوجهات التي قامت عليها، إذ تتمثّل في وجود مؤسسات أكاديمية تمتلك مشروعا وقفيا يضطلع بأهداف إنسانية واجتماعية وعلمية، بل تعد التجربة الأولى بين مؤسسات التعليم العالي في سلطنة عمان، ولها رؤية ذات أبعاد ومكاسب تشتغل على استثمار أموال الوقف في خدمة المتعلمين والباحثين؛ لذا هي دعوة للجميع -أفرادا ومؤسسات- لدعم مؤسسة معين الوقفية، التي من المؤمل أن يبدأ العمل عليها بدءًا من شهر يناير القادم.
ندوة "الوقف النسائي: آفاق التطوير والاستدامة"، أكدت على أهمية العمل على وضع قاعدة بيانات للأوقاف النسائية في سلطنة عمان، ونشر ثقافة الوقف النسائي وتعزيزها، وإبراز دورها، ورعاية مقاصد الشريعة عند النظر في الوقف النسائي، مع العمل على تكثيف الدراسات العمانية التي تُعنى بهذا الوقف، ووضع استراتيجيات وآليات متقدمة لتطويره، مع أهمية العمل على حوكمة الوقف من طرق المحاسبة والشفافية وحماية حقوق المساهمين، وغيرها من الجوانب التي يمكن أن تعيد الحياة إلى "الوقف النسائي"؛ كي نجده حاضرا بقوة، معيدا إلى إسهامات المرأة ذلك الحضور المشرف الذي جسدته في العديد من المشاريع التي بقيت موردا للخير والعطاء.