العَزيمة النفسية … مفاهيم وتوجيهات
إعداد: د. عبدالفتاح الخواجه
قسم التربية والدراسات الإِنسانية / كلية العلوم والآداب
مفهوم العزيمة (Grit)
يشير مفهوم العزيمة إلى القوة العقلية والإرادة الصلبة التي تُمكن الفرد من الاستمرار في مجهوده والعمل بجدية وإصرار لتحقيق الأهداف ذات المدى الطويل، والانتصار على التحديات والصعوبات المحيطة به.
والعزيمة تتجاوز مفهوم الذكاء (Intelligence) أو المواهب الفطرية، إذ يُمكن للفرد تطويرها وتعزيزها من طريق التفكير الإيجابي والتدريب العقلي؛ كما أن مفهوم العزيمة (Grit) يشير إلى صفة أو خاصية نفسية تتعلق بقوة الإرادة والتصميم الثابت على تحقيق الأهداف والمثابرة والتفوق على المدى الطويل؛ رغم وجود عقبات وصعوبات وعوائق في طريق الفرد. ويتعلق الأمر بالقدرة على الاستمرار في العمل بجدية والتفاني في تحقيق الأهداف دون الانحناء أو التراجع والتقهقر أمام التحديات أو الفشل، وهناك تأكيد على أن مفهوم العزيمة من حيث التأثير يتجاوز الموهبة أو الذكاء الفطري عند الفرد. ورغم أهمية الموهبة أيضا في النجاح، إلا أن العمل الجاد والجهد والالتزام الدائم بالأهداف طويلة الأمد غالبًا ما تؤدي إلى النجاح.
كما أن مفهوم العزيمة يقترن غالبًا بمفاهيم أخرى وردت في علم النفس الإيجابي، مثل: التفكير الإيجابي والتحفيز الذاتي؛ وهناك علاقة طردية بين العزيمة القوية والتفاؤل رغم الظروف الشخصية والتحديات والدعم والسياق المحيط بالفرد وصعوبة ظروفه، إذ إن قوة الإصرار يمكنها التغلب على الصعاب والتحديات بفضل قوة التصميم على تحقيق الأهداف.
وتُعدّ العزيمة ذات تأثيرات جوهرية لتحقيق النجاح في العديد من المجالات، بما في ذلك التعليم والعمل، والرياضة والفنون، إذ يمكن للأشخاص الذين يمتلكون هذه الصفة التحمل والاستمرار في العمل تجاه أهدافهم حتى لو واجهوا تحديات كبيرة. في المقابل يمكن تعزيز العزيمة بالتدريب العقلي وتطوير مهارات التحفيز الذاتي عند الفرد، وتعزيز الإيمان بالقدرة على تحقيق النجاح على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، الإصرار على التعلم وتطوير القدرات الشخصية يمكن أن يسهم في بناء عزيمة أقوى.
مفهوم العزيمة يشمل عنصرين رئيسين:
-
الشغف: يتضمن هذا العنصر وجود اهتمام عميق ودائم في العمل أو الأهداف التي تسعى لتحقيقها. يعني ذلك أنك متحمس حقًا لما تقوم به، وهذا التحمس يساعد في تعزيز إصرارك. وتؤكد أنجيلا دكوورث (Angela Duckworth) على أن العزيمة ليست مجرد المثابرة والإصرار، بل تتضمن أيضًا العاطفة؛ أي بمعنى أن يكون لديك اهتمام دائم وشغف بالهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، وهذا الشغف يمكن أن يكون الدافع الذي يجعلك تستمر عند مواجهة الصعاب.
-
المثابرة: هي جودة الاستمرار في العمل وعدم الاستسلام، حتى في وجه الصعوبات والانتكاسات التي تقابلك أو الفشل الذي تجرعته مرارا؛ إنها إصرار على المضي قدمًا نحو أهدافك بلا توقف، بغض النظر عن التحديات التي تواجهك.
بعض النقاط الرئيسة عن العزيمة:
-
العمل الشاق المستمر نحو تحقيق الأهداف، والمثابرة في وجه التحديات، والحفاظ على الشغف وصولا الى الأهداف طويلة الأمد التي رسمها الفرد لحياته في مختلف مجالاتها العلمية والاجتماعية والمهنية والمادية والروحية والصحة الجسمية والنفسية.
-
تمتلك العزيمة دورًا مهمًا في تحقيق النجاح، وهي تعزز القدرة على العمل الجاد والتركيز على الأهداف لفترات طويلة.
-
تمثل العزيمة جزءًا مهمًا من الاختلافات والفروقات الفردية بين الأفراد في تحقيق النجاح والإنجاز، أما عند الطالب فَتؤثر على النجاح التعليمي الأكاديمي، وحتى في المجالات الأخرى في الحياة.
-
العزيمة ليست مرتبطة بالذكاء، فقد يكون الفرد ذكيا ولكن عزيمته ضعيفة، لكنها ترتبط بشكل جوهري بالصفات الشخصية الأخرى، مثل: الانضباط والالتزام والمثابرة والتفاؤل.
-
العزيمة تظهر فائدتها في تحقيق النجاح بشكل مستقل عن الذكاء والانضباط؛ مما يشير إلى أهميتها عاملا مهما في تحقيق الأهداف الصعبة.
ونختم بما جاءت به أنجيلا دكوورث، إذ إن العزيمة يمكن تطويرها وتعزيزها عند الفرد، وهذا يشير إلى أنها ليست بالضرورة صفة فطرية تملكها أو لا تملكها منذ الولادة؛ بيد أنّ العزيمة سمة تحتاج إلى تطوير وتمرين مستمرين لتصبح جزءًا من شخصيتك وسلوكك. ولِتنمية العزيمة عند الفرد، يمكن اتخاذ بعض الخطوات والممارسات، أبرزها:
-
تحديد أهداف واضحة ذات أولوية وجانب معنوي عالٍ، إذ هناك أهمية لِتحديد أهداف طويلة الأمد، يصاحبها شغف واهتمام في تحقيقها، وتمثل تحديات تستحق المثابرة.
-
تقوية إيمان الفرد وثقته بنفسه من طريق تعلم كيفية التحدث إلى النفس بإيجابية، وامتلاك التفكير الإيجابي الداعم لقدرة الفرد على التغلب على الصعوبات.
-
التخطيط والتنظيم والعمل بفعالية نحو هذه الأهداف، وتجنب الاشتغال بأمور ثانوية.
-
المثابرة على الممارسة والتطوير الشخصي علميا ومهاريا وقيميا.
-
تعلم كيفية التعامل مع الفشل والتحلي بالصمود حتى عند مواجهة الفشل؛ كون أن الفشل جزء من العملية المستمرة وفرصة للتعلم والنمو.
-
حافظ على شغفك واهتمامك بأهدافك من طريق البحث عن مصادر تحفيز دائمة وتذكير نفسك بالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها.