قراءة في كتاب "البيان في بعض أفلاج عمان"
أمجد الرواحي
كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج
يعد كتاب "البيان في بعض أفلاج عمان" من أوائل الكتب التي ألفت في نظام الأفلاج في عٌمان، إذ تشير بعض البيانات إلى أن الكتاب خرج إلى النور عام 1980م، ومع ذلك، فالكتاب لم يلقَ انتشارً واسعًا، ولم تتوفر نسخ منه إلا في بعض المكتبات العامة، كما أن الكتاب لا يحمل بيانات النشر ولا تاريخه. بدأت القصة مع هذا الكتاب بوجود نسخة مصورة منه في مكتبة "كرسي اليونسكو في دراسات الأفلاج بجامعة نزوى". وبعد الاطلاع على مضمون الكتاب رأيتُ من الجيد تقديم قراءةٍ لأهميته، وتعريف القارئ بمؤلفه ومحتوياته ومضامينه.
المؤلف:
بدر بن سالم بن هلال العبري، ولد في ولاية الحمراء عام 1350هـ\1931م، ونشأ وتعلم في ذات الولاية، إذ درس القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة على يد والده، ثم درس اللغة العربية على يد سعيد بن ماجد السيفي النزوي، الذي كان قاضيا في ولاية الحمراء فترة حكم الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، كما تتلمذ على يد الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري، ورحل إلى دولة الكويت قبل عصر النهضة، ثم عاد إلى عمان، وعمل في وظائف حكومية عدة، منها: وزارة الإعلام، وزارة التراث القومي والثقافة (سابقا)، بالإضافة إلى وزارة شؤون الديوان السلطاني. هناك العديد من المؤلفات للعبري، منها: (إرشاد الأخوان في معرفة الزراعة في عمان)، و كتاب (السدود) وكتاب (مربع الأفكار). قد وافته المنية عام 2011 بعد مسيرة حافلة بالعطاء.
أهمية الكتاب
كتاب "البيان في بعض أفلاج عمان" من الدراسات المبكرة في الأفلاج العمانية، كان ولا يزال مصدرًا من المصادر المهمة التي يُعتمد عليها، فمؤلف الكتاب اعتمد على خبراته ومعارفه في نظام الأفلاج، فكان ذلك توثيقا لتلك المعارف التقليدية التي ابتدعها العمانيون في أنظمة الري والزراعة. ويتكون الكتاب حوالي من (143) صفحة، تشمل: المقدمة والخاتمة، وحوالي (32) مبحًثا تتعلق بنظم الري والأفلاج وهندستها، وتفاصيل فريدة من نوعها، إذ تعد مهمة للباحث في مجال دراسات الأفلاج ونظام الزراعة في عمان.
محتويات الكتاب
وبالإشارة إلى مباحث الكتاب، فقد جاءت قصيرةً لا يتعدى محتوى كُلّ مبحثٍ منها الصفحة الواحدة، إلا أنها شملت جميع العناصر والمفردات المتعلقة بنظام الأفلاج في عمان، وسوف نتحدث عن محتوى الكتاب وفق الخطوات الآتية:
-
مفهوم الأفلاج وأماكن وجودها في عمان وخارجها: تحدث الكتاب عن مفهوم الفلج من الناحية اللغوية والاصطلاحية، فمن حيث اللغة فعرف الفلج على أنه: "الشق في الأرض"، واصطلاحا عّرف الفلج بأنه: "نبع ماء يجري عبر قناة مشقوقة في الأرض لسقي أرض زراعية...". وقدم الكتاب أيضا إحصائية لعدد الأفلاج، إذ قُدرّ عددها حوالي عشرة آلاف اعتمادًا على حصر وزارة الزراعة والأسماك (سابقا). وأشار الكتاب إلى العديد من البلدان التي توجد بها الأفلاج، مثل: إيران، واسبانيا. الجدير بالذكر أن المؤلف كان مطلعًا على بعض الآراء التي تَنْسب نظام الأفلاج في عمان إلى الفرس، وقد نفى ذلك بقوله: "الأفلاج هندسة عربية النشأة أو أنها نشأت مع غيرهم وتطورت في مجالاتها الهندسية والفنية مع العرب وبالأخص مع العمانيين".
-
هندسة الأفلاج: خصص الكاتب مساحة للحديث عن هندسة الفلج، وقد وضع عناوين عدة للحديث عن الجوانب التقنية والهندسية، وهي كالآتي: "اختيار منطقة تتوفر فيها عوامل عملية شق الفلج -بداية شق الأخدود- وكيف تتم العملية".
-
التقسيم المركزي للفلج: وهذا هو العنوان الذي استخدمه المؤلف في أثناء حديثه عن توزيع مياه الفلج، وتحدث عن هذه النقطة تحت عنوان محدد، هو: "تقسيم ماء الفلج بين أربابه وضوابطه" وهذه المرحلة قسمها الكتاب إلى قسمين: مرحلة أولى يتم فيها تشكيل لجنة "من خبراء عمانيين معترف بخبرتهم في تقسيم الأفلاج، وأول ما تقوم به اللجنة النظر في قوة الفلج وضعفه، ومدى استمرارية جريان مائه أو أنه يتضرر بالجفاف ...". (ص:24). ثم تحدث الكتاب عن أحكام تقسيم الري بماء الأفلاج، وقد أشار إلى أن الأحكام تختلف من فلج إلى آخر، ويقصد بذلك مدة دوران الفلج، كما أن هناك أفلاج تدور على عشرة أيام، وأربعة أيام، وثمانية أيام، كذلك تطرق إلى الحصص التوزيعية للمياه، مثل: البادة، والآثر، والكياس. كما ذكر كيفية ضبط أوقات الري بمياه الأفلاج في الليل والنهار، فقد أشار إلى النجوم في الليل، وأسماء بعض النجوم، والأدوات المستخدمة في النهار.
-
الأفلاج العينية: خصص الكتاب باباً للحديث عن أفلاج العيون، ويحمل العنوان الآتي: "باب نفرده لأفلاج العيون الطبيعية وأحكامها، تقسيمها، نظامها"، وقد تحدث في هذا الباب عن عين الكسفة كنموذج.
-
الأفلاج المندثرة: تضمن الكتاب بابا لبعض الأفلاج المندثرة، ويحمل العنوان الآتي: "أربعة أفلاج عمرت ثم اندثرت"، مثل أفلاج البزيلي في ضنك، وفلج سوق الإمام في الكامل والوافي، وفلج الرستاق، وفلج برزمان في المضيبي.
-
الأحكام الشرعية: واختتم الكتاب بمبحث يحمل عنوان: "باب تطبيق الأحكام الشرعية في شؤون الأفلاج". أشار في هذا الباب إلى بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالأفلاج، مثل: احرامات الأفلاج وغيرها.
وأخيراً يتضح لنا أن المباحث والقضايا التي طرقها هذا الكتاب، مهمة للباحثين في نظام الأفلاج العمانية، ونوصي أن يتم طبعه لأهمية المجال الذي يتحدث عنه، وتحقيقه تحقيقا علمياً؛ حتى تعم الفائدة منه.