"المُناخ الأدبيّ العُمانيّ من وجهة نظر صُنَّاع الأدب الحديث"
الحِراك الثقافي العُمانيّ وإسهاماتهِ في تشكيلِ الهويّةِ وضُروب الحضارة المُختلفة ...
"مٌقتنيّات الأدب العُمانيّ في فضاءاتِ د. فليّح السامرائي"
حوار العدد: أُميمة الحاتميّة
أصبحت الآداب عامة تُعنى بثقافة وتاريخ وحضارة المنطقة الجُغرافيّة، لا سيما أنّها مجموعة من الحقولِ المعرفيّةِ والتاريخيّةِ بجانب الموروث الأدبيّ الخلّاق الذي تحمله. كذلك هو شأن الأدب العُمانيّ بأجناسه كافةً.
إنّ التطور الذوقيّ والجماليّ الذي لحق النتاج الأدبيّ العُمانيّ مرَّ بفتراتٍ من الركود -حال باقي الأقطار العربيّة- إلى أن وصل بنا المطاف إلى تكوين هويّة أدبيّة حديثة مرسومة الملامح؛ أسهم في ذلك عُمق هذه الحضارة التاريخيّة والثقافيّة والأدبيّة التي بدأت تنكشف للأوساط الأدبيّة العربيّة على وجه الخصوص؛ جرّاء انتشار المحافل الأدبّية في الأقطار المحليّة والعربيّة؛ لذا فإن العنايّة بهذه الحقول والتفاعل الأدبيّ والثقافيّ العُمانيّ في جميع الأصعدّة خاصةَ من قِبَل روادّه؛ ما هي إلّا مُحاولاتٍ لترسيخ جذور هذا الأدب الحديث قياسًا مع الدول العربيّة التي كان لها السبق في التقدّم لهذه المضامير الأدبيّة، آملين هؤلاء أن يصلَ هذا النتاج إلى أعلى مستويات الإبداع من النضج والإنسانيّة، وأن هذه الظواهر، وإن كانت تُعنى الآن بأجناسٍ محدودة، فلابد لها مُستقبلًا من فتحِ آفاقٍ واسعةٍ من صنوف الأدب المُختلفة التي ليس لها حضور لافت في الأوساط الأدبيّة العُمانيّة في الوقت الراهن.
تناول الدكتور فليّح السامرائي، عضو هيئة التدريس بقسم اللُغة العربية في جامعة نزوى، فضاءات من الأدب العُمانيّ، تحدّث فيه عن واقع الأدب العُمانيّ الراهن بناءً على قراءاته الواسعة وما هو موجود من مصادر أدبيّة تُعنى بهذه الأجناس، مُحاولًا فيها الكشف عن ضروب الأدب العُمانيّ الحديث.
1). عرّف الجاحظ الأدب على أنّه: "يصوّر الحقيقة كما هي"، بينما عرّفه شوقي ضيف على أنّه: "الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به التأثير". في قراءاتك المُتعددة في الأدب العُمانيّ، هل وصل النتاج الأدبيّ العُمانيّ الحديث إلى هذه المرحلة من الغزارة في التصوير والتأثير؟
ج1: الأدب العُمانيّ الحديث قياساً بالبلدان العربية الأساسية في مجال الإبداع الأدبي، مثل: مصر وبلاد الشام والعراق، تعدّ أقل غزارة في الإنتاج بحكم عوامل كثيرة؛ لكنها على صعيد دول الخليج تعدّ الأغزر لأنّ تاريخها الحضاري الأدبي يسبق مثيلاتها من دول الخليج، فضلاً على عراقة عُمان من حيث الكثير من المظاهر الأدبية والثقافية والفكرية. إلّا أنّ الأدب العُمانيّ في السنوات الأخيرة -على وجه الخصوص-شهد تطورا كبيرا على مستويات عديدة جعله في المقدمة خليجياً، وهو يسعى إلى تطوير تجربته في مجالات كثيرة حقق فيها أدباء عُمان نتائج طيبة.
الأدب لا يصور الحقيقة كما هي، بل يعيد إنتاجها برؤية أدبية خلاقة يملكها الأديب بما له من باع طويل في هذا المضمار، ويحاول أن يقدم وجهة نظره العميقة المزوّدة بالخبرة والمعرفة؛ التي ينبغي أن تسهم في التطور الذوقي والأدبي والجمالي لجمهور المتلقين، وربما قول شوقي ضيف هنا فيه كثير من الصحة حين نظر إلى الأدب بوصفه كلاما إنشائيا يقصد به التأثير، وهذا التأثير يمكن أن يكون في مجال الإمتاع والإدهاش، ويمكن أن يكون في مجال الفائدة الأدبية والثقافية الفكرية، فلا حدود لدور الأدب في حياة الإنسان على مختلف المستويات.
بهذا يمكن القول إنّ الأدب العُمانيّ الحديث أسهم على نحو فعّال في رفد الحياة الثقافية العُمانيّة العامة بكثير من عناصر التشكّل الحضاري، وأسهم في ثورة كبيرة في مجال تلقّي الأدب والتواصل مع الثقافة الأدبية على مستويي القراءة والإبداع معاً، وصار أدباء عُمان في طليعة الأدباء العرب المعاصرين على صعيد الإنتاج والنشر والمشاركة في المؤتمرات والندوات، وعلى صعيد الفوز بالجوائز الأدبية المهمة في مجال الشعر والرواية والقصة، والنقد الأدبي والمسرح وغيرها.
2). وَرَدَ في مُقدمةِ الكتاب أنّ الإنسان حينما يلبث في مكانٍ ما عليه أن يُعنى بما فيه. هل كان هذا سببًا في إخراجك لهذه الفضاءات؟
ج2: نعم بالتأكيد حينما وصلت إلى سلطنة عُمان واطلعت شيئاً فشيئاً من كثب على الحركة الثقافية والأدبية العُمانيّة، وجدت نفسي معنياً عناية كبيرة بهذا الفضاء الجميل على نحو أساس ومركزي؛ لأنّ الوجود في المكان يفرض على الكائن هوية واضحة لهذا الوجود، ومن هنا بدأت العناية بمراجعة الأدب العُمانيّالحديث والاقتراب من وسطه من طريق أدبائه المبرّزين كلّما وجدت إلى ذلك سبيلاً، وسأبقى حريصاً على هذا التواصل كي أكون جزءاً فاعلاً ومنتِجاً من هذا الحراك الثريّ.
المكان العُمانيّ كما قلت في مقالتي المعنونة (سلطنة عُمان: الثقافة والمكان)، وكما أراه بسحر طبيعته وعنفوانها وطيبة أهله وتاريخه الضارب في أعماق التاريخ هو مكان إبداعي بامتياز، وهو مكان مثير ومؤثّر ومحفّز على التواصل والنظر والمتابعة والمعرفة؛ لذا كنت من بداية حضوري إلى هذا البلد مشتغلاً بمعرفة المناخ الداخلي والوجداني والثقافي والأدبي له، وربما الأدبي منه على وجه الخصوص؛ كوني أكاديميا مشتغلا في هذا الحقل الحيوي من حقول المعرفة، وهو ما شجّعني على التقرّب أكثر من هذه الفضاءات الأدبية العُمانيّة لمحاولة الكشف عمّا هو متاح من جمالياتها، قدر تعلّق الأمر بالنماذج التي توصلت بها والظواهر الأدبية التي وجدت من المناسب مقاربتها نقدياً.
آمل أن تكون هذه فاتحة للتقرّب الأكثر من هذه الفضاءات، وأن نكون جزءاً منها في القريب العاجل وأحدّ صنّاعها إن شاء الله، على الرغم من أنّ سبب إخراجي لهذا الكتاب أيضاً شكل من أشكال الوفاء لهذا البلد الطيّب، فقد وفّر لنا فرصة العيش الكريم، فالحياة ليست مجرد قصيدة أو قصة أو رواية فقط، بل هي حالات ومواقف وحراك إنساني تاريخي لا يتوقف، تنجم عنه صور وإمكانات تحتوي النصوص وترفعها إلى مستويات أعلى إبداعيا وإنسانيا.
كتابي هذا إذن ما هو سوى عربون محبة لعُمان وأهل عُمان وثقافة عُمان وأدب عُمان، وستكون لنا وقفات قادمة أكثر تخصصاً وأكثر حفراً في حقول الأدب العُمانيّعلى النحو الذي يستحقه هذا الأدب، ولا سيما أنّه أصبح اليوم أدبا ناضجا وطليعيا وتنويريا يشار له بالبنان على الأصعدة كافة، ويحتاج منّا أن نتداوله نقديا ونضعه في مكانه الذي يستحق عربيا وإقليميا وعالميا إن شاء الله.
3). أكدَّ الأديب النمساوي "بيتر هاندكه" على أن الأدب لا يغيّر الحيّاة؛ لكن يوقظها. كيف أيقظت هذه الأجناس الأدبيّة الأدب العُمانيّ؟
ج3: الأدب العُمانيّ الحديث يشرف على حقبة جديدة من النموّ والتطور والتقدم، وربما كانت مهمة الأدب الحقيقية على غير ما يقول "هاندكه" من أنّه يكتفي بإيقاظ الحياة، بل المفروض يغيّر الحياة فعلاً من طريق الإسهام في تغيير الأذواق والخيارات الحيوية نحو فهم أوسع وأعمق للحياة، فالأدب واحة حضارية مدهشة بوسعها تغيير العالم فعلاً حين يرتقي هذا الأدب إلى المراتب العليا، ويصبح حاجة أساسيّة من حاجات المجتمع وخيار أبرز من خياراته الكبرى في الحياة.
لا شك في أن الحياة الجديدة في السلطنة أتاحت فرصا كبيرة لتقدم الأدب وتطور أشكاله، وهذا ينعكس بشكل فعلي وأكيد على طبيعة الحياة التي تستجيب للتفاعل الأدبي بمختلف أشكاله وتتفاعل معه تفاعلا حيا، على النحو الذي تصبح فيه الظاهرة الأدبية في عُمان ظاهرة ثقافية اجتماعية تشمل المجتمع بأسره، فالأدب قدرة حضارية لا بد منها إذا ما أراد المجتمع العُمانيّ تحقيق قفزة حضارية نوعية، فكلما أصبح الأدب ظاهرة اجتماعية على مستوى القراءة وانتشار الثقافة والمسارح والصالونات الأدبية والمؤتمرات والندوات الكبرى، إذ تقوم الجامعات العُمانيّة في هذا المجال بدور فعلي ومؤثر وعميق، فإنّ المجتمع العُمانيّ يتغير نحو الأفضل ويتحول إلى مجتمع فعّال على المستويات كافة.
إنّ الراهن الأدبي العُمانيّ يبشّر بالخير، فهو في المسار الصحيح من حيث تشجيع المواهب الأدبية، ومن حيث الإسهام الأكاديمي للجامعات في دراسة الأدب العُمانيّالحديث، ومن حيث الجوائز الأدبية التي بدأت تشجع على دراسة الأدب العُمانيّ، وغير ذلك من النشاطات الكبرى التي يمكن أن تسهم في تغيير المجتمع وليس إيقاظه فقط، ولا شكّ في أن بلداً تاريخيا وحضاريا مثل عُمان لا ينقصه شيء من أجل أن يقوم بهذا الدور على المستوى الوطني والخليجي والعربي أيضاً.
ليس لدينا شكّ مطلقاً في أن ما اطلعنا عليه من الأدب العُمانيّ الحديث في كل مجالات الإبداع الأدبي، من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة لمستقبل هذا الأدب، ويبشّر بكثير من الخير؛ لما تنطوي عليه البيئة العُمانيّة والطبيعة العُمانيّة والحساسية الإنسانية والوجدانية العُمانيّة من ثراء وغنى وعمق لا ينضب.
4). صِف لنا الرؤية النقديّة العربيّة في الأدب العُمانيّ الحديث؟
ج4: لا يمكن على وجه الدقة الإجابة عن هذا السؤال دون إجراء بحوث إحصائية ميدانية تختبر هذه الرؤية، لكن الحقّ أقول إن العناية النقدية العربية بالأدب العُمانيّ بدأت في الأعوام الأخيرة بوتيرة عالية، فكثير من النقاد العرب بدأ ينتبه إلى خصوصية الأدب العُمانيّ الحديث في كثير من المجالات، وظهرت في الأونة الأخيرة كتب عديدة تشتغل بالأدب العُمانيّ في مختلف ضروبه الإبداعية.
بدأ الأدب العُمانيّ الحديث يأخذ حقه في كثير من دوائر الفعالية النقدية العربية وعلى أكثر من صعيد، وبدأ الأدباء العُمانيون المعاصرون المحدثون يشاركون في كثير من النشاطات الأدبية العربية الكبرى، ويتميزون بأصواتهم الخاصة المعبّرة عن جوهر الحضارة العُمانيّة والتاريخ العُمانيّ والمزاج الأدبي العُمانيّ، بصورة تجعلهم في قلب الحراك الثقافي والأدبي والإبداعي العربي.
لا توجد في الحقيقة رؤية نقدية عربية موحدّة يمكن أن نعوّل عليها في هذا السبيل، إذ ما زال النقد العربي نقداً فردياً ولا يقوم على نظام المؤسسات والكروبات والجماعات النقدية كما هي الحال في أوربا مثلاً، فالجهود الفردية مهما كانت عظيمة وكبيرة فهي لا تصنع رؤية نقدية عربية موحّدة يمكن مقاربتها بدقة، ثم قياس حجم تأثيرها للآداب الوطنية في كل قطر عربي بحيث يمكن توصيفها ومعرفتها.
لعلّ الأرجح الآن على وفق هذا المعيار أن كل الأقطار العربية تعنى بآداب أقطارها بالدرجة الأولى؛ لأن الأدب العربي الآن في هذا المجال هو أدب قطري أكثر منه قومي، على الرغم من أن الأعوام الأخيرة شهدت تطوراً على مستوى الانفتاح العربي، وأحسب أنه كان للأدب العُمانيّ الحديث نصيب معقول من الرؤية النقدية العربية على وجه العموم.
لا بدّ أن تقوم المؤسسات الثقافية والأدبية العُمانية بأدوار أكبر لتسويق الأدب العُمانيّ عربياً على الأقلّ، وهناك فرص كبيرة في هذا المجال لعقد كثير من الاتفاقيات الأدبية مع الأقطار العربية لمزيد من التفاعل الإبداعي، وللتعريف بالأدب العُمانيّ الحديث والأدباء العُمانيين على نحو أوسع وأشمل وفي الحالات كلها؛ كي تتحول المسألة إلى فاعلية أدبية عربية لا تقتصر على الفضاء العُمانيّ المحدود، ويكون الأدباء العُمانيون الكبار نجوماً في سماء الأدب العربي على نحو يجعل الرؤية النقدية العربية الحديثة معنيّة بهم وبنتاجهم، ويكون لهم ما يستحقون من مواقع في هذا المشهد الأدبي والثقافي العربي وعلى مختلف المستويات.
5). مع اختيارك لعددٍ من الشعراء العُمانيين، مثل: "الصقلاوي ومحمود الصقري"، كيف تصف التجربة الشعريّة العُمانيّة الحديثة؟
ج5: التجربة الشعرية العُمانية تجربة عميقة تمتد في باطن التاريخ إلى العصر الجاهلي كما أشار إلى ذلك بعمق الشاعر سعيد الصقلاوي في كتابه الرائد "شعراء عُمانيون"؛ لذا فإنّ الحديث عن التجربة الشعرية العُمانية يحتاج إلى عدّة وأدوات كثيرة كي نعطي هذه التجربة حقّها، والشعب العُمانيّ بطبيعته شعب شعري تكاد ترى شعلة الشعر بمستوياته الكثيرة في عيون كل العُمانيين على اختلاف ثقافاتهم، ولا شك في أن الشعر في عُمان هو حلوى عُمانية أصيلة لا غنى عنها لكل عُماني.
التجربة الشعرية العُمانية الحديثة تجربة واسعة وعميقة، وما اخترته في كتابي لا يمثل الصورة الكلية لهذه التجربة، فأنا اخترت فقط ما وقع تحت يدي من نماذج وتجارب مفردة حاولت أن أدرسها بصورة فردية، إذ لمست في تجربة كل من الشاعرين سعيد الصقلاوي ومحمود الصقري ما يشير إلى عمق التجربة الشعرية لديهما، لكن هناك عدد كبير من الشعراء المهمين لم أتناول تجاربهم وستكون هذه التجارب داخل عنايتنا النقدية والأكاديمية مستقبلا بإذن الله، فثمة تجارب شعرية نوعية في الفضاء الشعري العُمانيّ الحديث ليس على المستوى العُمانيّ فحسب بل على المستوى العربي عموماً، وقد حظيت باهتمام نقدي من نقاد عرب كبار وهي الآن في قلب الحراك الشعري العربي.
نحتاج إلى كثير من التروي والهدوء للدخول إلى عالم التجربة الشعرية العُمانية؛ وذلك لتنوع هذه التجربة وغناها، فهي تجربة لا تختلف عن كثير من تجارب الشعرية العربية في مختلف أرجاء الوطن العربي الكبير، وبدأت الآن تخطو خطوات كبيرة ومنتجة على أكثر من صعيد لتأكيد حساسية هذه التجربة ونوعيتها وخصوصيتها، وبدأت الأسماء الشعرية العُمانية تلمع في سماء الشعرية العربية الحديثة وهي تحظى بعناية نقدية من لدن كبار النقاد العرب.
لا يمكن بطبيعة الحال لدراسة واحدة أو كتاب واحد أن تحيط أو يحيط بالتجربة الشعرية العُمانية الحديثة؛ لأنها تجربة متعددة على مستوى الأنواع الشعرية من جهة، والمزاج الشعري من جهة، والرؤية الشعرية من جهة، والفضاء الشعري من جهة أخرى، بمعنى أن هذه التجربة بحاجة إلى دراسات كثيرة ذات طابع نقدي في سياق وطابع أكاديمي في سياق آخر، للوصول إلى رؤية نقدية ناضجة وأصيلة عن هذه التجربة الكبيرة يمكنها أن تضع النقاط على الحروف كما يقولون.
6). ضَمَّ الكتاب عددًا من القراءات سواءَ كانت شعريّة أم قصصيّة، صِف لنا التجربة المسرحيّة والدراميّة في الأدب العُمانيّ المُعاصر.
ج6: نعم هذا صحيح اقتصر كتابي على مقاربة التجارب الشعرية والروائية والقصصية على نحو خاص، وهو المجال الأكاديمي المتخصص الذي أشتغل عليه في تجربتي النقدية والأكاديمية، أما ما يخص التجربة المسرحية والدرامية في الأدب العُمانيّ المعاصر والمسرح العُمانيّ المعاصر فيحتاج إلى عمل كثير.
أنا في حقيقة الأمر لم أطلع بما فيه الكفاية على هذه التجربة المسرحية بما يساعد على نقدها وتقويمها، وآمل أن تتاح لي الفرصة كي أكون قريباً من هذه التجربة بهدف الاطلاع عليها أولاً والكتابة عنها ثانياً، وآمل أن تعنى الجامعات العُمانية بقضية المسرح وتضعها في قائمة أولوياتها.
التجربة المسرحية العُمانية الحديثة -في حدود اطلاعي غير الكافي عنها-هي تجربة ثريّة، وتسير بخطوات كبيرة في اتجاه تعميق الحضور الدرامي العُمانيّ داخل الثقافة العُمانية والعربية بشكل عام، وآمل أن تتطور هذه التجربة بما يجعل من الثقافة الدرامية ثقافة شعبية كما هي الحال في كل البلدان المتقدمة، فالمدن الحديثة التي تفتقر إلى المسارح لم تكتمل حضارياً ولا يمكن لها أن تنتمي إلى مفهوم الحداثة.
7). إن تضمين الشعر بعددٍ من الآيات القرآنيّة، وهو ما يُعرف بالتناص، لا يدّل إلّا على الثراء الفكريّ واللغويّ للأديب، كيف وظّف "حسن المطروشي" هذه الظاهرة الأدبيّة في شعره؟
ج7: أصبحت ظاهرة التناص من الظواهر المركزية في الأدب عموما والشعر منه على نحو خاص، ولا سيما التناص مع القرآن الكريم بما يحويه من حكم وعبر وقصص وغيرها فيما كان يصطلح عليه في البلاغة العربية القديمة "التضمين"، وتجربة حسن المطروشي الشعرية على نحو مخصوص هي تجربة ثرّة تشتغل على موضوع التناص بقوة واتساع وشمول، ويمكن قراءة فعالية التناص في شعره استناداً إلى مجموعة من المعايير النقدية التي تكشف عن حجم حضور التناص في شعره.
ظاهرة التناص في شعر المطروشي ظاهرة نوعية تنقسم على أشكال متعددة، لعلّ أبرزها التناص المقصود والمباشر حين يعود الشاعر إلى مرجعياته الدينية والثقافية والحضارية بمختلف أشكالها ويحاول توظيفها في قصائده، وهذا يدل على وعي الشاعر بهذه المرجعيات من رؤية ناضجة تدرك حجم الأهمية التي تنطوي عليها، ومستوى ما يمكن أن تقدمه في سبيل إثراء قصيدته وتثميرها وتخصيبها على الصعيد اللغوي والصوري والبنائي والموضوعاتي في الوقت نفسه.
وهناك مستوى آخر من التناص هو المستوى غير المقصود وغير المباشر، إذ يظهر تأثير المرجعية القرآنية على سبيل المثال في قصائد شعرية كاملة أو مقاطع شعرية من هذه القصائد، على نحو يؤكّد ثقافة الشاعر ومعرفته بهذه المرجعية بحيث تحولت إلى مصدر من مصادر إبداعه وإلهامه، وثمة مستويات تناصية أخرى كثيرة حفلت بها تجربته يمكن مقاربتها نقدياً وتحليل معطياتها الأدبية الخاصة.
8). هل أخذ الفن الروائيّ في عُمان يتشكل من جديد بعد فوز "سيدات القمر"، وكيف استطعت أن تُحدد مستوى نجاح العمل؟
ج8: بالتأكيد إن فوز رواية "سيدات القمر" لجوخة الحارثي ثم فوز رواية "تغريبة القافر" لزهران القاسمي مؤخرا بجائزة البوكر العربية، لهو دليل قاطع على أهمية وقوة حضور الفن الروائي في الساحة الأدبية العُمانية، إذ نجد بعد هذا الفوز أن الساحة الأدبية العُمانية تحركت باتجاه الرواية تحركا ملحوظا، وتشجّع كثير من الكتّاب الشباب في السلطنة إلى التوجه نحو الكتابة الروائية -كتابةً وقراءةً-، وصار الفن الروائي هو الأكثر شهرة وحضوراً في الفضاء الأدبي العُمانيّ المعاصر.
تعدّ رواية "سيدات القمر" ورواية "تغريبة القافر" من أكثر الروايات العربية الحديثة أهمية بشهادة كثير من النقاد المتخصصين، فضلا عن روايات أخرى كثيرة لروائيين عُمانيين معاصرين يمكن أن تشكل ظاهرة واضحة للعيان في التجربة العُمانية الأدبية الحديثة، إذ إن نجاح رواية "سيدات القمر" مثلاً على مستوى تمثيل البيئة العُمانية والكشف عن خصوصياتها هو نجاح حضاري باهر، فالرواية يجب أن تكون ممثلة لواقعها وتراثها ومرجعيتها وأرضها وشعبها، حتى تكون بمستوى المسؤولية وبمستوى النجاح الذي يمكن أن تحققه عربيا وعالميا.
رواية "سيدات القمر" رواية ناجحة على مستوى التقنيات الفنية وعلى مستوى اللغة السردية والصنعة السردية أيضاً، فالرواية في مفهومها الموجز هي لغة وصنعة، لغة ذات طبيعة خاصة بوسعها أن تثير مستقبلات التلقي على نحو أصيل، وصنعة تؤكّد معرفة الروائي بأدوات عمله في طريقة البناء والتشكيل السردي للرواية، بعد أن قطع هذا الفن أشواطا بعيدة في التطور والتقدم.
9). هل هنالك إصدارات أُخرى لك في الأدب العُماني؟
ج9: بالتأكيد الأدب العُمانيّ الحديث الآن أصبح من أولوياتي النقدية والأكاديمية إذ أصبحت الآن جزءاً من هذا الفضاء الأدبي، وحتماً سأتابع كل ما يصدر وأسعى إلى الإسهام فيما يتاح لي من ندوات ومؤتمرات وحلقات نقاشية تخصّ الأدب العُمانيّ، كي أكون قريباً من هذه التجربة الثرّة وقادرا على التفاعل معها بالشكل المطلوب، ولن أتوانى عن قراءة ومقاربة الظواهر والتجارب والنصوص في الأدب العُمانيّ الحديث التي أجدها تضيف إلى هذا الفضاء جديداً.
لديّ الآن كتاب جاهز عن أحد أهم شعراء عُمان المعاصرين وأنتظر الوقت المناسب لإصداره إن شاء الله، ولديّ مشاريع أخرى كثيرة ذات طابع نقدي أو أكاديمي تسهم في إلقاء الضوء على التجربة العُمانيّة الأدبية المعاصرة، بما يثري الحراك النقدي والأكاديمي عن هذه التجربة ويعمل على جعلها ضمن فضاء الأدب العربي الحديث بكل مخرجاته الفنية والجمالية والحضارية.
10). كيف تقيّم التجربة الأدبيّة العُمانيّة الحديثة والمعاصرة بكافة أجناسها؟
ج10: التجربة العُمانيّة الحديثة والمعاصرة بأجناسها كافة من التعدد والتنوع بحيث لا يمكن اختصارها بتقويم عام جواباً على سؤال، فهي اليوم تجربة متكاملة وفيها حركات أدبية مختلفة على مستوى النوع والكم معاً، ففي الشعر هناك أسماء مهمة تتصدّر المشهد الشعري العربي، وفي الرواية أشرنا إلى روايات فازت بجوائز عربية وعالمية مهمة بالمعنى الذي يجعل منها في صدارة الرواية العربية، وكذلك الحال في القصة القصيرة وبقية الفنون الأخرى الأدبية والجميلة.
إنّ تقويم هذه التجربة يحتاج بلا أدنى شكّ فريق نقدي يحيط بهذه التجربة من جوانبها كافة، ويدرسها دراسة نقدية وأكاديمية تليق بها وبوسعها أن تقيّم حدود التجربة ومعطياتها وآفاقها وما حققته عُمانياً وعربياً، فالأدب العُمانيّ الحديث هو جزء من أدب عربي يتماثل في محطات ويختلف في محطات أخرى، فلا بدّ أن يعي الناقد هذه الظاهرة على نحو سليم، أي أنه ينظر إلى الخصائص المحلية للأدب العُمانيّ من جهة، وينظر في الوقت نفسه إلى الخصائص القومية التي تتوازى وتتناظر فيها آداب الأقطار العربية، وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة للوصول إلى نتائج علمية واضحة وذات أهمية نقدية وأدبية وحضارية كبيرة ومهمة.