اختلاف اللغات الإشارية باختلاف مجموعات الصم (سلطنة عمان وتونس أنموذجاً)
غسان محمد بن حامد
مترجم لغة إشارات بقسم التربية في كلية العلوم والآداب
إنّ من أكثر الأسئلة شيوعاً عند الحديث عن لغة الإشارات هي: هل هناك لغة إشارات موحدة في جميع أنحاء العالم يشترك في استعمالها جميع الصم باختلاف أعراقهم وانتماءاتهم؟ أم أنّ هناك لغات إشارية مختلفة؟ وإذا كانت هنالك لغات إشارية مختلفة فعلى أي أساس يُبنى هذا الاختلاف؟
في حقيقة الأمر لا يمكن بأي شكل من الأشكال الحديث عن لغة إشارات موحدة في جميع أنحاء العالم، فاللغات الإشارية تختلف باختلاف مجموعات الصم، إذ إنّ معظم الإشارات مقتبسة من ثقافة مجموعات الصم، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بثقافتهم ومعتقداتهم، وهذا الاختلاف يمكن أن يتجلّى حتى داخل حدود الدولة نفسها. على سبيل المثال نجد لغة الإشارات الأمريكية مستخدمة في أكثر مناطق كندا، ولغة الإشارات الفرنسية مستخدمة في إقليم الكيبيك، كذلك الأمر بالنسبة للدول العربية.
رغم أنّ المجتمعات العربية تشترك في لغة منطوقة واحدة هي اللغة العربية، إلاّ أن صمّ هذه الدول يتواصلون بلغات إشارية مختلفة ... نأخذ على سبيل المثال الصم في سلطنة عُمان إذ نجدهم يتواصلون بلغة الإشارات العُمانية، في حين الصم في تونس يتواصلون بلغة الإشارات التونسية. ويعود هذا الاختلاف كما أشرنا إلى وجود مرجع ثقافي يميّز مجموعة الصم في منطقة ما، أو إلى عرف أو عادات وتقاليد تمتاز بها تلك المنطقة. نذكر على سبيل المثال إشارات ولايات سلطنة عمان، فاختيار هذه الإشارات لم يكن اعتباطيا، إنما كان مقتبسا من ثقافة المجتمع العماني.
إشارة ولاية بوشر:
لم يكن اختيار إشارة بوشر اعتباطيا، إنما وقع تجسيدها انطلاقا من أهم ما تتميز به هذه الولاية، وهو مجمع السلطان قابوس الرياضي، الذي يعد أول مجمع في سلطنة عمان، تم افتتاحه عام 1985م؛ ليكون من أفضل المؤسسات الشبابية التي تقدم خدمات رياضية وتربوية للشباب، في حين، حاز هذا المجمع على الجائزة الدولية من قبل اليونيسكو عام 1995م.
إشارة ولاية السويق:
تجسد إشارة ولاية السويق ظاهرة "المناداة" التي تشتهر بها الولاية في أسواقها، وهي عملية يتم فيها بيع الأسماك بواسطة عصا طويلة تتدلى منها الأسماك المراد بيعها.
إشارة ولاية العامرات:
تجسد إشارة ولاية العامرات شكل الستلايت أو الدش (القمر الصناعي)؛ وذلك نسبة إلى محطة الأقمار الصناعية هناك، التي تم افتتاحها تحت رعاية صاحب الجلالة -طيّب الله ثراه- عام 1975م، إذ تعد أول محطة متكاملة للأقمار الصناعية في سلطنة عمان.
كذلك نأخذ إشارات الولايات التونسيّة، فكل إشارة مقتبسة من ثقافة وعادات تلك الولاية بعينها. مثال ذلك إشارة ولاية القيروان التي تُجسد إشارة "العصيدة"، وهي أكلة شعبية تونسية يطبخها التونسيون -خاصة أهالي ولاية القيروان- ليلة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، فاختيار العصيدة لولاية القيروان لم يكن اعتباطيا، بل لمرجعية ثقافية وهي الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، إذ إنّ مدينة القيروان تستقبل آلاف الزوار ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من مختلف المدن التونسية وحتى خارجها، على غرار دولتي الجزائر وليبيا، ويرجع ذلك إلى القيمة التاريخية لهذه المدينة ومخزونها الثقافي ومعالمها الحضارية.
ويتمثل تجسيد إشارة الدولة التونسية بتجسيد وضع زهرة المشموم على مستوى الأذن كما هو مبين في الصورة.
فاختيار إشارة المشموم للدلالة على الدولة التونسية لم يكن عبثًا أو اعتباطيا، فدولة تونس تشتهِر بالمشموم، وهو عبارة عن باقة صغيرة تتكون من أزهار الياسمين التي تُحْملُ عادة إما في اليد أو مرشوقة فوق إحدى الأذنين، فالمشموم يُعدُ رمزا من رموز تونس تعطِّرُ رائحته الزكية الأنهج والأزقّة.
إضافة إلى العامل الثقافي ودوره في خلق الاختلاف بين اللغات الإشارية، نجد أيضا عامل المواضعة والاتفاق بين مجموعات الصم ودوره في خلق إشارات خاصة بهم، فهنالك العديد من الإشارات مبنية على اتفاق مجموعة من الصم على اختيار إشارة ما بصفة اعتباطية وضعية؛ إذ تكون العلاقة بين الدال (الكلمة) والمدلول (الإشارة) علاقة اعتباطية لا تمت إلى الواقع بصلة.
- · الشكر موصول للأستاذ سعيد البوسعيدي -مترجم لغة إشارات- على مساعدتي في معرفة المرجعية الثقافية للإشارات العمانية التي قمت بتوظيفها.