السنة 18 العدد 171
2023/09/01

الغيبة والغيرة في بيئة العمل

 


 

 

بقلم: د. ربيع بن المر الذهلي

 

العلاقات في العمل ضرورية لأداء الفرد، وقد تظهر الغيرة والغيبة المهنية في مكان العمل أمراضا اجتماعية تنذر بالخطر؛ لذلك ينبغي الحفاظ على علاقات صحية داخله؛ فهذا يمكن أن يؤثر على مجموعة واسعة من مخرجات الأفراد، بما في ذلك فرص الترقية، والتكامل التنظيمي، والرضا الوظيفي(Balkundi, & Harrison, 2006). إن الغيرة عبارة عن الخوف من فقدان علاقة ذات قيمة مع شخص آخر بسبب منافس حقيقي أو متخيل لذلك الشخص، وفي السياق التنظيمي، يمكن أن تثير مواقف عديدة الخوف من فقدان علاقة قيمة مع فرد آخر، أو في أثناء إعادة تنظيم الفريق، أو وصول موظف وافد جديد إلى المؤسسة، أو دمج موظفين في قسم ما، ويمكن أن يؤدي التهديد المحتمل بفقدان علاقة قيمة إلى ظهور مثل هذه المشاعر(Vecchio, 2000). 

 

والغيرة سلوك طبيعي للبشر منذ العصور القديمة لنشأة البشرية، بينما الغيبة، التي هي عبارة عن اغتياب الرجل صاحبه اغتيابا إذا وقع فيه، وهي أن يتكلم خلف إنسان مستور بسوء وإن كان فيه (تاج العروس، 503). أما في مكان العمل فهي تشمل المحادثات العامة بين الموظفين المرتبطة بالمواضيع الاجتماعية المتعلقة بالحديث عن سلبية الزملاء الآخرين. والغيبة في مكان العمل ترقى إلى التقويض الاجتماعي للموظفين، وهذا يجعل من الصعب عليهم الوثوق بالآخرين أو إقامة علاقة تعاون جيدة، وفي معظم الأحيان ينتج عنه آثار جانبية كبيرة للموظفين؛ مما يقلل من كفاءة العمل، ولطالما كانت الغيرة والغيبة موضوعًا للدراسة في علم النفس العلائقي، بينما لا تخضعان للبحث الدقيق في مجال الإدارة، على الرغم من احتمالية حدوث عواقب واسعة النطاق داخل مكان العمل(Iqbal, 2021).

 

وهناك دائمًا عدد من الموظفين في المنظمة الذين يمتلكون مستوىً منخفضا من الأداء الجيد، ولكنهم أذكياء في التحدث والمظهر، وفي معظم الحالات، ليسوا على استعداد لتقبل أصحاب الأداء الجيد في المنظمة، ولذلك -كونهم محبطين وغيورين- فإنهم يبدأون بممارسة غيبة أصحاب الأداء الجيد ولو في نظرهم هم الأفضل، بطرق مختلفة وغير محترمة، فالغيرة ترتبط بتدني احترام الذات، والثقة المنخفضة بالنفس، والتعاطف المنخفض مع الآخرين، وهي عاطفة إنسانية تنشأ عندما يشعر الشخص بعدم الأمان أو القلق بشأن أهميته أو قيمته عند الآخرين، وعندما تحدث الغيرة في مكان العمل، فإنها تضع ضغطًا على العلاقات وتسبب المشاكل، إذ يمكن للعمال أن يقفوا مع موظف على حساب آخر؛ مما يؤدي إلى الغيبة، لذا فإن التعرف على أسباب الغيرة في مكان العمل هو الخطوة الأولى للقضاء عليها(Attridge, 2013).

 

فعلى الرغم من أن الترقيات جزء ضروري من أي بيئة عمل، ولكن عندما يشعر الموظفون أنه تم تجاهلهم للحصول على ترقية أو تم إعطاؤها لشخص أقل تأهيلًا، فإنها لا تخلق الغيرة فحسب، بل يمكنها أيضًا أن تجعل مكان العمل سيئًا، كما أنه عندما لا يعتمد نظام الجوائز أو المكافآت على الأداء الوظيفي، ولا يتم تقديم قائمة بالمعايير التي تستخدم للتقييم، فإن هذا يمنح الموظفين الآخرين فرصة للاستياء من شخص ما، كما أن إعطاء مهام مميزة للموظف المفضل لدى أصحاب العمل بصولات دائمة يمكِّن الغيرة من الحدوث، ولا يجعل الموظفين يشعرون بأن أفكارهم محل تقدير، وغالبًا ما يحدث الاستياء والغيرة عندما يبدو أن قسمًا ما يتلقى معاملة خاصة على الآخر، فعلى سبيل المثال، قد تضطر إحدى مجموعات العمل باستمرار إلى البقاء لوقت متأخر، بينما يُسمح لمجموعة أخرى بالمغادرة في الوقت المحدد؛ لذا ينبغي التأكيد على الحاجة للعمل الجماعي بين المديرين، إذ ترتفع الإنتاجية عندما يعمل الجميع فريقا واحدا، فهذا لا يساعد فقط في الحد من الغيرة فحسب، بل يخلق جوًا من "نحن جميعًا في هذا معًا"(Iqbal, 2021).

 

ولكن هل من الممكن الحد من آثار الغيرة والغيبة في مكان العمل؟ نعم من الممكن ذلك، فعلى الرغم من أن بيئة العمل الخالية منهما هدف مثالي لأي منظمة، ولكنه قد يكون هذا هدفًا غير واقعي، فالطبيعة البشرية تتوق إلى تبادل المعلومات، إلا أنه يمكن من طريق إنشاء نظام مساءلة ومكافآت عادل، التقليل من التأثيرات السلبية للمنافسة المفرطة في بيئة العمل، التي يمكن أن تؤدي إلى الغيرة والغيبة، كما يمكن تدريس تقنيات حل النزاعات الاستباقية وممارستها داخل المنظمة. وبما أن القيمة التي تبنى عليها المنظمة تتألف من المعرفة والأهداف المشتركة والاحترام المتبادل، فيمكن أن يقلل تبادل المعرفة والأهداف المشتركة من الغيرة، كما أنه من شأن الاحترام المتبادل أن يزيد من جودة العلاقات بين الموظفين(Andiappan & Dufour, 2020).



 

إرسال تعليق عن هذه المقالة