السعي والتميّز سِمتان في شخصيتها ...
عمل ودراسة وأمومة، ثمّ امتياز مع مرتبة الشرف ... وجهان لعملة واحدة
إشراقة: شخصية العدد
تسود ثقافة الدراسة في أثناء العمل في كثير من المجتمعات؛ وذلك لغاية في نفس الإنسان يسعى للوصول إليها وتحقيقها والتميّز فيها. إلّا أنّ هذه الفكرة تكتنفها العديد من التحديات لعدم سهولة الجمع بين التعليم والعمل في آن واحد؛ كي لا يحصل تفريط أو إفراط في جانب دون الآخر، فمما لا شكَّ فيه أن التفاني والإبداع والتميّز مطلوب في كليهما؛ لذا لا يمكن التساهل أو الاستهتار في هذه التجربة لما لها وعليها.
وقد أسهمت جامعة نزوى كثيرا في خدمة المجتمع في هذا السياق؛ وذلك بتمكين موظفيها في مختلف التوجهات المهنية والتعليمية؛ إذ استفادوا من برامج التنمية في مجالات التعليم والتدريب وتولي مناصب قيادية. ويشير التقرير السنوي في نسخته الأخيرة الصادرة مطلع العام الجاري 2023م إلى أن الجامعة صرفت في العام الأكاديمي 2022/2023م، 3.1 مليون ريال عماني للتطوير المهني للموظفين. ونحن يهمنا في هذا الموضوع ما رصده التقرير في أنّ عدد المنح الدراسية الممنوحة حاليا لموظفي الجامعة بلغت 25 منحة في درجات: الدكتوراة والماجستير والبكالوريوس والدبلوم؛ وذلك من جملة 118 منحة قُدّمت للكادر العماني منذ عام 2010م.
ومن بين الموظفين الذين استفادوا من برنامج التنمية هذا، جوخة بنت سيف التوبية. وُلدت في ولاية إبراء بالمحافظة الشرقية، ونشأت وترعرعت في المحافظة الداخلية بولاية إزكي، حاصلة على درجة الدبلوم في إدارة تنمية الموارد البشرية بكلية التقنية بنزوى، وحاصلة على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال بجامعة نزوى، تعمل في جامعة نزوى، حاليا في مركز الإرشاد الطلابي وسابقا في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية. سنتعرّف هنا على بعض من ملامح شخصيتها التي قادتها إلى التوفيق تميّزا في مهمتي العمل والدراسة في الوقت نفسه.
فرصة محققة
لطالما كانت فكرة الدراسة حاضرة لدى جوخة منذ أن كانت في مقاعد الدراسة، إلا أن عدم حصولها على الدرجة المطلوبة في التوفل لم يمكّنها من إكمال درجة البكالوريوس. وفي العام الثاني بعد توظيفها أُرسل إلى موظفي جامعة نزوى بريد إلكتروني من مركز تنمية الموارد البشرية بتوفّر فرصة لإكمال الدراسة في الجامعة؛ على أن يتكفل الموظف بما نسيته 30% من كلفة الدراسة والجامعة تتحمل 70%؛ لذا سارعت إلى التسجيل دون تردد. إضافة إلى ذلك، شكّلت رغبت زميلتها ريا البهلانية في إكمال دراستها في نفس الفترة حافزا أكبر للمضي قدما في المشوار التعليمي.
جانبان!
ترى التوبية أن منأبرز الأسباب التي تدفع الموظف إلى الدراسة في اعتقادها نظرتُهُ إلى الموضوع بمنظورين اثنين: الأول يكمن في صقل المهارات وتطويرها، والمنظور الآخر هو الترقيات في الدرجات المالية لتحسين الوضع المادي، الذي من المرجو أن يدفع الإنسان المتعلم إلى حياة كريمة في نفسه وأسرته ومجتمعه. وفي ذات الوقت لا يخفى لدى الجميع أن لكل موضوع جانبين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي؛ لذلك -استنادا على تجربتها في الدراسة والعمل في آن واحد- ترى مكاسب القضية تتشكل في أنّ الإنسان لابد أن تكون حياته في سبيل العلم تقربا إلى الله، مهما كثرت لديه المسؤوليات، وهذه التجربة كانت وسيلة لتربية النفس على ذلك. بينما العمل والدراسة في مكان واحد في حرم الجامعة وفّر على جوخة الجهد والوقت. في الجانب المقابل، ترى أن العنصر السلبي يكمن في كونك غير متفرغ للدراسة فقط، ومنه ستواجه صعوبات وتحديات أكبر من أن تكون طالبا متفرغا.
ويتحقق التوازن بين العمل والدراسة في آن واحد بالتخطيط السليم واستثمار وقت الفراغ في إنهاء العمل المطلوب دون تأجيله أو تسويفه، تضيف جوخة على ذلك: "عندما يكون لدى طالب العلم وقت فراغ في العمل يجب أن يستثمره في الدراسة وإنهاء الأعمال الوظيفية المطلوبة في التخصص دون تفريط أو إفراط".
بقدرِ الكدِّ ...
وقد استرجعت معنا جوخة التوبية مواقف وذكريات كانت حصيلة لها وخبرة معينة؛ كوّنها درست في خضم عملها في الجامعة، تقول: "ألخّص ما أتذكره من مواقف وذكريات في هذا المجال في أن عملي ساعدني في الجانب التطبيقي لتخصص الإدارة؛ بل استفدت كذلك في التخصص في الجانب النظري الذي يمكن تطبيقه في ميدان العمل. ومن المواقف الطريفة التي أذكرها أن إحدى زميلاتي كانت تقول لي دائما: عندما أنظر إليك وأنت ذاهبة إلى المحاضرات أجد أنّ فكرك مشتغل؛ حتى أنك تحدثين نفسك. قلت لها: نعم ذهني مشتغل فكيف أصنع؟! لدي أعمال مكتبية بعد المحاضرات! فكيف أقسم أعمالي بعد رجوعي إلى المكتب؟!".
قصص كثيرة وتحديات حصلت لجوخة في ضخمِّ فترة الدراسة، من بينها كما تروي: "أنا موظفة وربت منزل وأم لطفلة عمرها 3 أعوام، رغم ذلك كان هدفي أن أحصل على معدل لا يقل عن امتياز؛ لذا اجتهدت كثيرا. وفي مرة من المرات شاهدت طفلتي والغضب في عينيها؛ فإذا بي أزِّقت أوراق الملخصات بسبب ضغوطات الامتحانات في تلك الفترة. وأيضا في فترة الدراسة رزقت بطفلي "علي"، وأديت الامتحان النهائي بعد 20 يوما من ولادتي؛ إلا أنني -ولله الحمد- حققت ما طمحت إليه؛ بل حصلت على الامتياز مع مرتبة الشرف ... وهذا كثيرا ما أفخر به؛ ويعود الفضل الأكبر -بعد الله تعالى- إلى جامعة نزوى في احتوائها للموظف العماني وإتاحة فرصة التعلّم له".