الميكروبيوم البشري
د. وفاء بنت سعيد السعيدية
أستاذ البيولوجيا الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية الميكروبية
كلية العلوم والآداب
كثيرا ما نسمع عن علم الميكروبيوم، ومما لا شك فيه أنّ المصطلح يشير بشكل أو بآخر إلى ارتباطه بعلم الأحياء الدقيقة (علم يهتم بدراسة الميكروبات مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات). فهناك الكثير من الدراسات الحديثة التي تهتم بدراسة الميكروبيوم النباتي والحيواني، إلا أنّ الاهتمام بالميكروبيوم البشري يمثل أولوية لدى علماء الأحياء الدقيقة الطبية، فما هو الميكروبيوم البشري؟ وما سر اهتمام العلماء بدراسته؟
يعرّف الميكروبيوم البشري على أنه مجموع ما يؤويه جسم شخص ما من خلايا ميكروبية ذات خاصية تكافلية وكل ما تحويه هذه الميكروبات من جينات يعتقد أنها تلعب دورا أساسا في بنية الجسم المضيف ووظائفه. وجدير بالذكر أن عدد هذه الخلايا الميكروبية قد يصل إلى مائة تريليون خلية، وهو ما يفوق عدد خلايا الشخص نفسه.
ونظرا لما تلعبه هذه الكائنات من تأثير مباشر على صحة البشر؛ فقد تمّ إطلاق مشاريع بحثيّة علميّة في جميع أنحاء العالم. وقد صاغ مصطلح الميكروبيوم لأول مرة العالم الأمريكي جوشوا ليدبيرج في عام 2001م، الحاصل على جائزة نوبل في الطب لعام 1985م. والميكروبيوم هو علم جديد مختص بدراسة الميكروبات وجيناتها، مقارنة بعلم الميكروبيوتا البشري المختص بدراسة أصناف الكائنات الدقيقة المرتبطة بالبشر.
وقد خلصت معظم الدراسات إلى أهمية ما يسمى باستقرار ميكروبيوم الفرد، ولا زال السؤال قائما عما إذا كان كل فرد لديه ميكروبيوم واحد أو أكثر. جدير بالذكر أن الدراسات القائمة على أساس فهم تنوع الميكروبيوم (الميكروبيوتا) قد بدأت في بداية ثمانينات القرن التاسع عشر على يد العالم أنتوني ليون هوك، الذي نجح في إثبات الفروقات الهائلة بين المحتوى الميكروبي للشخص في الحالة المرضية مقارنة بالحالة الصحية؛ وذلك بتحليل عينات ميكروبيوتا الفم والبراز؛ مما يشير إلى أن استكشاف تنوع الميكروبيوم قد عُرف مع بداية علم الأحياء الدقيقة نفسه.
أما عن التحديات الحديثة لدراسة الميكروبيوم فهي بلا ريب لا ترتبط بالقدرة على ملاحظة اختلاف أنواعها بين مختلف أجزاء الجسم أو بين الحالة الصحية والمرضية، إنما في تطوير تقنيات جديدة ذات دقة عالية للحصول على نتائج مباشرة تمّكننا من معرفة سبب هذا التنوع والعوامل المباشرة وغير المباشرة التي تسبب هذا التباين.
اعتقد العلماء سابقا أنّ تكوّن مجتمعات هذه الكائنات مرتبط بصورة مباشرة بالبيئة التي يقطنها الفرد، إلا أنّ الدراسات أشارت إلى أنّ تركيب المجتمعات الميكروبية الدقيقة للثديات، خاصة ميكروبيوم الأمعاء، يختلف بشكل مدهش إذا ما تمّ مقارنته بالتنوع الميكروبي البيئي.
وممّا يثير الاهتمام أنّ التشابه الجيني بين البشر كأفراد يمثل ما نسبته 99.9%، بينما يختلف ميكروبيوم الأفراد بنسبة 80 إلى 90% وخاصة ميكروبيوم الأمعاء كأكثر جزء مستهدف للدراسة بسبب سهولة توفير العينات مقارنة بباقي الأعضاء. ومن الأهمية بمكان فهم خصائص هذه الكائنات وتركيبتها الجينية؛ للتّحقق من الهدف الرئيس من وجودها وطرق نشأتها والنتائج المترتبة على اختلال استقرارها. كلّ ذلك سيسهم بشكل استثنائي في فهم فسيولوجيا جسم الإنسان وعلوم الأمراض والطب. وحتى يومنا هذا لا تزال هناك الكثير من الأسئلة التي لم يتم الإجابة عنها بشكل قاطع؛ وذلك عائد إلى التّنوّع الهائل لِلميكروبيوم بين الأفراد وأجزاء الجسم للفرد الواحد.
ممّا يجدر الإشارة إليه أنّ تركيب المجتمعات الميكروبية في المراحل المبكرة من العمر يحدد ويؤثر بشكل مباشر على تنوّع الميكروبيوم مع نمو الفرد وتطوره، إذ يعتقد أنّ الرضاعة الطبيعية هي المصدر الأول لتشكيل الميكروبيوم البشري، وعلى وجه الخصوص الميكروبيوم المعوي. بالإضافة إلى ذلك فإن نمط الحياة والحالة النفسية للفرد قد تسهم في استقرار هذه المجتمعات وتنوعها؛ مما تعود نتائجه الإيجابية أو السلبية على الفرد نفسه. وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)، الذاريات (21).