ثورة صناعة المحتوى الكتابي
أميمة الحاتمية
يَشهدُ العالم الآن طفرة رقميّةً سريعةً أسهمت في تشكيل بعض من أفكار أفراده وسلوكيّاتهم؛ ويُعد هذا نتاجًا طبيعيًّا لما تلقّاه الفرد من محتوى بصريّ وسمعيّ أثّر عليه سلبًا وإيجابًا، فأصبح الإعلام الرقميّ الآن بوابةً إلى العالم الخارجيّ يستهدفها الجميع نتيجةَ حجم الطلب الكبير عليها، فهي وسيلة من وسائل الترفيه وتلقي المعلومات في الوقت نفسه، فظهر في الآونة الأخيرة الكثير من المُهتمين بمجال صناعة المحتوى الرقمي، وهذا المصطلح المُتشعّب يتضمن المواقع والخدمات الإلكترونية بأنواعها، سواءً أكانت صورًا أم مقاطع صوتيّة أم نصوصًا مثل المدونات الإلكترونيّة أم الموسوعات المعلوماتيّة.
وعندما نُحدد ماهيّة هذا المصطلح الفضفاض "المحتوى" فهو يُعرّفُ على أنّه مجموعة من الاهتمامات المعينة لدى صانعِ محتوى معيّن استطاع توظيف تلك الاهتمامات والتعبير عنها من طريق الوسائط الرقميّة أو التقليديّة سابقًا والمتعارف عليها سواءً كانت صوتًا أم كتابةً.
فلكل محتوى لابد وأن يكون لهُ صانع، وصانع المحتوى هو الشخص المسؤول عن هذا النتاج الكتابيّ بجميع أشكاله، وقبل الشروع في كتابة هذا المحتوى ونشره، لابد لهٌ من تحديد موضوعه الأساس أولًا وفهم الفئة المُستهدفة ومدى تأثيره عليهم، بعدها يَرسُم هدفًا واضحًا من الكتابة، بالإضافة إلى تحديد شكل هذا المحتوى سواءً كان مقالًا أم منشورًا، وأين سينشره على وجه التحديد، فجميع تلك النقاط يجب أن تُحدّد مُسبقًا قبل البدء في كتابة المنشور.
وسواءً كان هذا المحتوى الكتابيّ إبداعيًّا أم موضوعيًّا، فإنّه لابد لهُ من أساسيّات تؤهل صانعه من كتابة محتوى رقميّ مُميّز؛ لذا يجب أن يمتلك مخزونًا لغويًّا نتيجة قراءته المُكثفّة واطلاعه المُسبق على الموضوع؛ ليتمكّن لاحقًا من كتابة مواضيعه بكل سُهولة وسلاسة وخلّوها من الأخطاء الإملائيّة، غير مُتكلّفٍ مُحاولًا فيها فرد عضلاته وقدراته الأدبيّة واللغويّة في النص المُراد نشره، بالإضافة إلى أن تكون اللُغة المُستخدمة ذات تراكيب بسيطةٍ وواضحةٍ تمتلك عُمقًا في المبنى والمعنى في آنٍ واحد، ليس هشًا يختفي فيه المعنى نتيجة استعماله للألفاظ الوحشيّة، والوحشيّ من الكلام في اللُغة هو "الكلام الغريب الذي يقلُّ استعماله"، وأن تصيب الألفاظ المعاني دائمًا، وأن لا يخلو بطبيعة الحال الكاتب أو صانع المحتوى من مهارة السرد والحوار والصياغة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر ظهر ما يُعرَفُ بالمدّونات الإلكترونيّة، وهي عبارة عن مُذكرات ومنصاتٍ إلكترونيّة يستهدفها صانع المحتوى لنشر كتاباته وأفكاره وآرائه الشخصيّة على وجه الخصوص، ونقل الأخبار بشكل عام، الهدف منها يُحدده كُلّ صانعٍ وفق الغرض من كتابته للمحتوى.
وفي كثير من الأحيان يُتَطلَب من الكاتب بروز شخصيّته في النصوص، يستنتجها القارئ أو المتلقي بسهولة في أثناء قراءته للنص الأدبيّ، مُحاولًا فيها الصانع في نصوصه استهداف جميع أفراد مجتمعه، مُدركًا لأخلاقيات الكتابة ومُبتعدًا عن كُلّ ما يُؤذي الذوق العام؛ فالكتابة فن من فنون التواصل البشري مُنذُ أن عُرفت بواكير الصحافة إلى أن وصل لنا الإعلام الرقمي؛ وأصبحت جسر تواصلٍ يربط بين الكاتب والمتلقي.