أثر الذكاء الاصطناعي على تدريس علوم الحاسوب
د. خليل بن بدر الرقيشي
رئيس شعبة الحاسوب – كلية العلوم والآداب
المفهوم العميق للذكاء الاصطناعي يشير إلى قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على فهم المعلومات والبيانات واستيعابها على مستوى عميق. هذا يعني أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ليست مجرد برامج تنفذ أوامر بسيطة، بل تستخدم تقنيات تعلم الآلة والشبكات العصبية الاصطناعية لاستخراج الأنماط والترتيبات المعقدة في البيانات وتحليلها بشكل مشابه لكيفية عمل العقل البشري. عليه ستكون هناك نقلة نوعية ستغيّر طرق تعليم علوم الحاسوب ووسائله في المستقبل القريب.
إذ إن أحد التأثيرات الرئيسة للذكاء الاصطناعي المتوقعة على تدريس علوم الحاسوب هو توفير منصات تعليمية متقدمة ومبتكرة. وبفضل تطور التقنية، يمكن للطلبة الآن الوصول إلى مصادر تعليمية غنية عبر الإنترنت، تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تقديم المحتوى التعليمي. هذه المنصات توفر تجارب تعليمية تفاعلية مخصصة لاحتياجات كل طالب على حدة وحسب مستوى الطالب. على سبيل المثال، يمكن للطلبة حل تمارين تفاعلية وممارسة مهاراتهم البرمجية عبر بيئات تطوير محاكية تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم تعليم فعّال.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم عملية التقييم في تعليم علوم الحاسوب؛ فمن طريق تحليل البيانات الضخمة المتولدة عن أداء الطلبة، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم ملاحظات فورية وشخصية لكل طالب عن أدائه وتقدمه. هذا يساعد الطلبة على تحديد نقاط القوة والضعف في معرفتهم والعمل على تحسينها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تصميم اختبارات تقييمية تكون متكيفة وفعّالة؛ مما يسهم في تحسين عملية التقويم وتقدير مستوى الطلبة.
كما أن الذكاء الاصطناعى التوليدي سيلعب دورا كبيرا فى المستقبل الكبير؛ خاصة فى توليد بنوك الأسئلة والامتحانات والمحتوى العلمي، إذ يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليدي بعد التغذية بعدد من الأسئلة والدروس أن يولد عددا لا نهائيا من الأسئلة والدروس بشكل فريد؛ بحيث يضمن الطالب وجود ما يكفي من التمارين الدراسية والأسئلة للتدرب عليها. كما يمكن أيضا للذكاء التوليدي أن يتحكم فى مستوى المحتوى المولد حسب إمكانيات الطالب. فبعض الطلبة يفهمون بكثير من التبسيط وبعضهم الآخر يملّون من التبسيط ... وهكذا. وبناء عليه في توليد محتوى تعليمي حسب إمكانيات كل طالب هو أمر يسير باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.
علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تعزيز التفاعل والتعاون في تعليم علوم الحاسوب. ويُمكن استخدام تقنيات الذكاء الصناعي في إنشاء بيئات تعليمية افتراضية تسمح للطلبة بالتفاعل والتعاون مع بعضهم بعضا ومع الأنظمة الذكية. هذا يعزز التعلم النشط ويسهم في تطوير مهارات التعاون وحل مشكلات الطلبة. كما أن أيضا توظيف الواقع الافتراضي المعزز مع تقنيات الذكاء الاصطناعي من شأنه توفير تجربة تعليمية جذابة وفعالة بِدمج الواقع مع العالم الافتراضي؛ مما يسهم فى رفع نسب التفاعل بين الطلبة والمحتوى.
مثال على ذلك، تعلم البرمجيات سيكون له نقلة نوعية، إذ يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي مع العالم الافتراضي المعزز؛ بحيث يتنقل الطالب في داخل البرنامج كأنه يقوم ببنائه بطريقة تكون مرحلة في العالم الافتراضي وبمساعدة الذكاء الاصطناعي في تركيب أجزاء البرنامج الماتعة، بل لا يحتاج الأمر إلى أكثر من الاستمتاع برحلات في عالم البرمجيات مع القليل من المفاهيم الرئيسة في علوم البرمجة.
مع كل هذه التطورات، يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا قويًا للأساتذة والطلبة في تعليم علوم الحاسوب. ويمكن للأساتذة الاستفادة من التطبيقات والأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لتخصيص تجارب التعلم ومتابعة تقدم الطلبة بشكل فعّال. ويُمكن أيضًا استخدام الذكاء الصناعي لتحليل البيانات التعليمية وتحديد النماذج والاتجاهات التي يمكن أن تساعد في تحسين محتوى المناهج الدراسية وأساليب التدريس في علوم الحاسوب.
إضافة إلى ذلك، يمكن تحديد قدرات الطالب وتحديد التخصصات المناسبة له بالاعتماد على التقييم المستمر باستخدام الذكاء الاصطناعي ابتداء من دخول الجامعة حتى الوصول إلى التخصص الدقيق للطالب، عليه سيكون من السهل إيجاد نوع من الانسجام بين الطالب والتخصص؛ مما سيمكن الطالب من الإبداع أكثر من مجرد فقط الاهتمام بالتحصيل العلمي الكافي.
إضافة إلى ذلك، توقع تغيير التخصصات الدقيقة لعلوم الحاسوب، إذ إنّه من المتوقع أن التخصصات الحالية، مثل: علوم البرمجة والشبكات وإدارة البيانات وأمن المعلومات، سيندمج مع بعض، وستكون أساسيات للتخصصات الجديدة التي ترتكز على تطور وتطوير الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. كذلك مطلوب إدراك الكثير ليقوم بمواكبة العالم المتسارع في سوق العمل الذي سيكون الذكاء الاصطناعي أحد أساسياته الرئيسة.
إن حديث الكثيرين عن قدرات الذكاء الاصطناعي في التغيير النوعي والكمي لتعليم علوم الحاسوب مع عدم ذكر الصعوبات التي تواجه القائمين على تطوير هذا القطاع، سيكون فيه نوع من الإجحاف، إذ إن تطوير الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى إلمام بكثير القواعد الأساسية في علوم الحاسوب، مثل مختلف لغات البرمجة وكيفية عملها داخل جهاز الحاسوب وإرسال البيانات داخل الشبكات المختلفة وإدارات البيانات الضخمة وتوزيعها؛ مما يمكّن البرامج المرتبطة بالذكاء الاصطناعي من استخدامها في اتخاذ القرارات المختلفة. كما أن تطوير البرامج التعليمية يحتاج إلى كثير من الجهود للتوافق مع التغيرات الجديدة، وتحتاج إلى كادر علمي متخصص في ذلك.
أخيراً وليس آخَراً فإن توظيف الذكاء الاصطناعي في تعليم علوم الحاسوب من شأنه استهداف شريحة أكبر من الطلبة، إذ إن علوم الحاسوب تعد من المجالات الصعبة فى التعليم والتعلم، وتحتاج إلى خيال واسع ومصابرة. ويمكن تذليل تلك العقبات في طريق تدريس علوم الحاسب بتوظيف ما تم شرحه من سبل تسهيل وتيسير وسائل التعلم من طريق توظيف الذكاء الاصطناعي.
نوجز اختصارا في القول، إن الذكاء الاصطناعي يعد تطورًا مبهرًا في مجال تعليم علوم الحاسوب، يمكن أن يسهم في تحسين الوصول إلى الموارد التعليمية وتقديم تجارب تعليمية متخصصة ومبتكرة. كما يمكن أن يدعم عملية التقويم وتقييم الطلبة وتعزيز التفاعل والتعاون في الفصول الدراسية. أضف إلى ذلك أن من طريق التعاون مع الأساتذة يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق طفرة في تعليم علوم الحاسوب، ويسهم في تأهيل جيلٍ جديدٍ من الطلبة المتميزين في هذا المجال، مع الانتباه إلى الصعوبات التي تواجه هذا القطاع ليكون مستعدا لهذه الطفرة.