تسطيحٌ بمقاييسَ عالمية!
محمد الإسماعيلي
منذ أن دخلت إليها وسائل التواصل الاجتماعي بدأت دور العلم تعاني من تراجع في بعض مستوياتها، إذ التهمت أطباق القيل والقال في موائد الدردشة والنقاش، في وقت فقدت شهيتها في تذوّق صنوف العلم والإبداع فيه ... طالب العلم بين جموع أقرانك! قرب المشهد إليك لتدرك الحقيقة وتعترف بها ... نعم أنت تعرف!
المدارس والجامعات أضحت تعاني من شتات ذهن الطلبة ... يشكون ضعف التركيز وسوء الفهم وقلّة الحفظ وصعوبة التحصيل، في الجانب المقابل أرواحهم متعلقة بنقر شاشات التصفّح في برامج الإعلام الجديد، يطالعون آلاف المنشورات يوميا أو يزيد؛ ويشاركون مئات الأحاديث في مختلف الصفحات.
صار مزاج طلبتنا متقلّبٌ مع تقلّب "ترندات" تويتر وانستغرام وفيسبوك ... تزعجهم تغريدة، وتلهمهم صورة، وتفرحهم ضغطة إعجاب تحدد مسار يومهم (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ). بل أصبحت مؤسسات التعليم عالمية؛ تطّلعُ على ثقافات الدول سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا، تعلّقوا -طلبة العلم- بصفحات المأكل والملبس والفن والترفيه وأهلها، ونسوا حظهم من المكتبة والكتاب والمعلَم.
كانت توقيتات المعلمين مزدحمة بمواعيد الطلبة وأسئلتهم داخل الفصل الدراسي وخارجه، ولكن هذه المواعيد استبدلناها بتجمّعات "الكافيهات" وتفعيل الحسابات بما يُروّج لها حسب "موضة" الرأي العام. تلك المنافسة الشرسة بين جموع طلبة العلم سعيا وراء التفوّق الدراسي والتميّز العلمي سحبها بساط ميدان التواصل الاجتماعي؛ وكأن لسان حالهم يقول: أيكم (أَشَدَّ ذِكْراً)؛ لتفرغَ ساحة العلم لبضع طالبٍ مجتهدٍ رَبَطَ على قلبه صيدُ الفوائدِ، أولئك (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ).
صار لدينا جيل من المتعلمين يمتدحون الغرب في دقة مواعيده وغزارة إنتاجه وعمق فكره، وهم يتأخرون عن محاضراتهم؛ بل وصلواتهم؛ لاشتغالهم بكثرة الملهيات، التي في مقدمتها الآن وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تشير الدراسات الحديثة إلى أن متوسط استهلاك الفرد يوميا لها في العالم يتباين من 4 إلى 8 ساعات ... هذا الوقت هم أولى به عن غيرهم خاصة في ريعان الشباب.
كان طالب العلم يعتمد على الكتب الورقية ومحاضرات المدرّس، في حين، الآن هذه التقنيات الحديثة أصبحت تقدّم له المعلومات جاهزة؛ لكنّ الاستيعاب ضئيل؛ ربما لاطمئنانهم أنّ المعلومة متاحة له في أي وقت يشاء. الذاكرة ضعفت في العصر الحديث، والمردود قليل، وغاب الاهتمام بحضور الدرس ... هم أنفسهم يبحثون عن المعلومة من المواقع الرقمية، التي قد لا تقدّمها بشكل علمي موثوق، بل تتصرف بها تصرّفا يسطّح وصولها إلى الطالب.