تحويل معارف وأبحاث الذكاء الاصطناعي إلى منتجات وحلول تنموية وتطويرية
سعيد بن محمد بن علي الراشدي
باحث دكتوراة في علوم الحاسب الآلي وتقنية المعلومات
زائر بجامعة نزوى
ما تزال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة تفاجئنا كل يوم بالجديد والمميز والمبتكر، وتبهرنا بآخر التحديثات والتغييرات، ففي مجال الذكاء الاصطناعي نلاحظ أن هناك ثورة وحراك تقني في تغيير نظام ونمط التعامل مع التكنولوجيا، وجعلها أكثر قرباً وتفاعلاً مع العنصر البشري ومكونات البيئة المحيطة به.
فمنذ بداية ظهور مصطلح الذكاء الاصطناعي في كثير من الدراسات والأبحاث العلمية المرتبطة به، نجد أن هناك نوعا من التحول في طبيعة وطريقة التعامل مع التقنيات التي أصبحت تعمل بطريقة ذكية وأكثر تفاعلية مع البشر من جميع الأعمار والأجناس والفئات، وتفاعلها مع البيئة المحيطة بهم لتوفير أعلى مستويات الخدمة، كما تتفاعل هذه التقنيات مع الأجهزة من نفس جنسها ونوعها ومع أجهزة ومعدات وأدوات أخرى غير متجانسة معها.
إن المتتبع للثورة التي حدثت -وما زالت قائمة- في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته لَيتفاجأ كل يوم بالجديد والمفيد في شتى مجالات ونواحي الحياة، ومما لا شك فيه أننا أصبحنا نلمس ونرى أثر ذلك في واقع شؤوننا والكثير من مهام وسلوكيات حياتنا التي أصبح لها صلة بالذكاء الاصطناعي من قريب ومن بعيد، وكل ذلك يفتح لنا الأبواب التي تتيح لنا أن نواصل الأبحاث والمشاريع والابتكارات المتعلقة بهذه التقنيات.
ولابد أن يتم تحويل المعارف المرتبطة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى منتجات ملموسة ومحسوسة تسهم في تطوير نمط الحياة والسلوك البشري، وتساعد في تقديم منافع تخدم البيئة والبشرية وتعزز من ترابط هذه التكنولوجيا واندماجها مع العناصر السالفة الذكر، كما أنها تعزز من تطوير المشاريع التنموية والإسهامات التطويرية للأوطان والمجتمعات.
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في معالجة وتنظيم المحتوى النصي من طريق منصة Chat-GPT:
منذ بداية 2023 انتشرت منصة Chat-GPT كانتشار النار في الهشيم بطريقة سريعة جداً، ويعني مصطلح GPT (Generative pre-Training Transformer) وهو تطبيق للدردشة يتيح التعامل مع الذكاء الاصطناعي في توليد وتحويل النصوص إلى الطريقة التي تناسب المستخدم وتجعله يتفاعل معه، إذ إن هذه المنصة تعد طفرة ومرحلة تحول جديدة في التعامل مع التكنولوجيا، وتعمل في إطار علوم الحاسب الآلي من حيث الطريقة الذكية والواقعية في دمج وربط وتنظيم المحتوى النصي المكتوب.
كما أن مستخدم منصة Chat-GPT بكل بساطة يستطيع أن يسأل المنصة سؤالاً ثم تأتيه الإجابة بسرعة وبتنظيم ودقة عالية، وتكون الإجابة نموذجية ومرتبة ومرتبطة مع بعضها بعضا، وأيضاً تمنحك فرصة صياغة النتيجة بطرق وعبارات مختلفة في كل عملية توليد لنفس السؤال أو الطلب. وهناك أنماط وطرق مختلفة للتحاور والتشاور مع المنصة بطريقة تفاعلية تحاكي حوار الأشخاص مع بعضهم بعضا بلغتهم الطبيعية.
إن نظام المنصة في الأغلب يقوم بمعالجة المحتوى وعرضه من طريق ثلاث خوارزميات عالية المستوى، وهي خوارزمية اللغة الطبيعية Natural Language من حيث عرض محتوى يشبه، بل وفي بعض الأحيان يكون أفضل من الحوار البشري من حيث تعاملهم بلغتهم الطبيعية والأم أو بعدة لغات. أما الخوارزمية الثانية فهي خوارزمية التعلم العميق Deep Learning التي تكمن في تصميم شبكات عصبونية قائمة على النظام الذي يعمل به العقل البشري في احتوائه على ملايين الخلايا العصبية المترابطة التي تقوم على منهجية تعلم المعلومات ومعالجتها.
وبالنسبة للخوارزمية الثالثة، وهي خوارزمية التعليم الآلي Machine Learning التي تعمل على تجميع وتصنيف وتحليل واستنتاج المحتوى عبر مجموعة من الإجراءات التي يتم تشغيلها على البيانات لإنشاء نماذج التعلم الآلي من أجل التعرف على الأنماط في المحتوى وطريقة تحليله وإخراجه للمستخدم النهائي. فكل هذه الخوارزميات الثلاث تعمل جنباً إلى جنب على تطوير منصات ومنظومات الذكاء الاصطناعي وابتكار تقنيات وتكنولوجيا جديدة لا سابق لها ستقود مستقبل التطور الآلي في المستقبل.
وهذا ما أتاح لهذه المنصة أن تتربع عرش أكثر عدد تحميل لتطبيق محوسب منذ باية ابتكار وظهور التطبيقات والمنصات، إذ بلغ عدد التحميلات من منصة Chat-GPT أكثر من 100 مليون مرة حتى يناير 2023 والعدد في تزايد مضطرد ومستمر.
وبظهور مثل هذه المنصات والأنظمة ستكون هناك نقلة فارقة في توظيف منصات وأدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في جميع مجالات الحياة، فلنعد العدة ونستعد لقادم الأيام التي ستنتج لنا تكنولوجيا وتقنيات بطرق مختلفة عما نحن عليه في التقنيات الحالية وبنظام جديد ومتطور، لعله يكون نقلة وإسهاما في تطورنا نحن البشر وفق منظومة الذكاء البشري.