السنة 18 العدد 169
2023/07/01

 

التربية الجمالية في القرآن الكريم


 

 

د. سيف بن أحمد البوسعيدي

 

    الله -عز وجل- خلق الكون بما فيه بمنتهى الدقة والجمال، وأرشد العباد للنظر في هذا الوجود بالعقل والحواس، فنجد عظمة الله في جمال الطير والحيوان وفي جمال الورد والنبات، وفي أعظم مخلوقات الكون الإنسان.

   لذلك كله، يجب على الإنسان أن يحرص على ترتيب ذاته وتنظيم حاله مظهرا وجوهرا. يقول الله -عز وجل- في سورة الأعراف: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، فالأمر بأخذ الزينة والتزين من الله -عز وجل- هو منطلق مهم في التربية الجمالية التي يجب أن يتحلّى بها الفرد المسلم في حياته، سواء على مستوى نظافة الباطن من كل الشوائب النفسية، أم نظافة الظاهر في الجسد واللباس.

    إنّ الله جميل يحب الجمال، يقول المناوي: "إن الله جميل؛ أي له الجمال المطلق جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال، يحب الجمال؛ أي التجمل منكم في الهيئة". فالمؤمن مطالب بالحرص على تجميل هيئته وعدم إغفال كل الجوانب، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو مربي الأمة، يتفقد أصحابه ويغرس فيهم القيم التربوية المختلفة، فقد روى جابر بن عبدالله قال: "أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره، فقال: أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره، ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة، فقال: أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبه"، فنرى هنا التوجيه النبوي في أدق تفاصيل الشخصية المسلمة التي يجب أن تكون قدوة للآخرين في كل جوانب الحياة.

   إن الله عز وجل يقول منكرا على من تعنت وحرم ما أحل اللّه من الطيبات: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} من أنواع اللباس على اختلاف أصنافه، والطيبات من الرزق، من مأكل ومشرب بجميع أنواعه؛ أي: مَن هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم اللّه بها على العباد، ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسَّعه اللّه؟ فالله -عز وجل- في هذه الآيات ينكر على المشركين والجهلة من الناس الذين تعالوا على مقام الربوبية التي لها التحليل والتحريم فقط وليس لأي أحد، فسبحانه يحب أن يرى على عباده التنعم بالطيبات من الرزق، ومن بينها التزيّن والتجمل في الحدود التي ترضيه -عز وجل- دون مباهاة أو إسراف أو تبذل غير محتشم. 

   كذلك يربي الإسلام اتباعها على احترام نظافة المكان وضرورة تجميله بإزالة كل ما يشوبه من أوساخٍ وأقذارٍ، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: (نَظِّفوا أفنيتكم ولا تَشَبَّهُوا باليهودِ)، فالحرص على نظافة المكان قيمة مهمة للجانب الجمالي في السكن الصغير أو السكن الكبير الذي يشمل القرية أو المدينة أو الوطن.

   بل ديننا العظيم يرشدنا إلى تذوق الجمال والتمعن إليه من طريق النظر والتفكر في كل صغيرة وكبيرة في هذا الوجود، حتى في حركة الأنعام وهي تخرج إلى المرعى، يقول الله -عز وجل- في سورة النحل: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)؛ أي في وقت راحتها وسكونها ووقت حركتها وسرحِها؛ وذلك أن جمالها لا يعود إليها منه شيء فإنكم أنتم الذين تتجمّلون بها، كما تتجمّلون بثيابكم وأولادكم وأموالكم، وتعجبون بذلك.

 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة