السنة 18 العدد 169
2023/07/01

ازدواجية التفكير


 

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

أستاذ الإدارة التربوية المساعد بجامعة نزوى

 

يعني مصطلح ازدواجية التفكير أو التفكير المزدوج أن يحمل الفرد الفكرة ونقيضها في آن واحدٍ، وبهذ المعنى فهو مفهوم له علاقة بالتضاد والتنافر المعرفي، من حيث الأفكار والمعتقدات المتناقضة، التي تسبب الصراع في ذهن المرء؛ نتيجة ظهوره بشخصية تناقض باطنه، وهو مفهوم يُشير إلى رؤية الأشياء وتحليل المواقف من زوايا مختلفة بوجهتي نظر مختلفتين، ومن منظور علم النفس، فإن الشخصية الازدواجية تُعبّرعن الإصابة باضطراب الشخصية، أو ما يُعرف باضطراب تعدد الشخصيات، وهي حالات موجودة لدى الأفراد داخل الأسرة والمجتمع، وفي بيئات العمل. 

 

 وقد ترتبط الازدواجية في التفكير بازدواجية المعايير؛ وذلك بأن يغيّر الفرد من آرائه وأفكاره ومعتقداته حسب الموقف، بل ويعمد إلى ذلك من قبيل المجاملة لصديق، لشريك العُمر، لرئيس في العمل، أو لشخصية مرموقة، إما حفاظا على المشاعر، أو تجنبًا للنزاعات، أو تحقيقا للمصالح، فعلى سبيل المثال، أن يُكِنُّ الفرد لآخر حقدًا، ويظهر له ودًا، أو في موقف ما وذات الظروف، يتعامل مع هذا بلطف وبشاشة، ومع ذاك بجفاء وفظاظة، أو أن يُظهِر الشخص عدم اكتراث نحو قضية ما، وهو في جوهره يغلي، فيتولد لديه اختلال في صحته النفسية، فيصاب بالقلق، الاضطراب، وقد يصل إلى الاكتئاب.

 

وتعدّ ازدواجية التفكير من التحديات التي يمكن ملاحظتها في بيئات العمل، إذ يمكن أن تؤثر على العلاقات الشخصية والمهنية على حدّ سواء، وتؤدي إلى حدوث خلافات بين الزملاء، كما يمكن أن تتسبب ازدواجية التفكير في ضعف الرغبة في التعاون والعمل المشترك، أو العزوف عن تقديم المبادرات والأفكار الإبداعية، الذي يمكن أن يؤثر بدوره على الأداء الكلي للمؤسسة، أو تحقيقها للميزة التنافسية.

 

ومع هذا الواقع، يجب إدراك الآثار السلبية الناجمة عن ازدواجية التفكير؛ تحقيقًا لبيئة عمل محفزة للإبداع، داعمة لاستمرارمسيرة العطاء؛ دون الحاجة إلى التصنع أو النفاق، أو التخلي عن المبادئ والقيم والأخلاق. كما يجب الوعي بالأسباب والعوامل التي يمكن أن تؤدي إلى بروز حالات من ازدواجية التفكير لدى بعض الشخصيات، ومن هذه العوامل، تعرض الفرد لصدمة نفسية في سن الطفولة، بسبب سوء المعاملة، أو التعرض للحوادث، أو فقدان أحد الوالدين في سن مبكرة، فتتكون لديه هويتين مختلفتين أو أكثر، لكل منها صفات تميزها عن الأخرى، فتظهر كل منها بأنماط مختلفة من التفكير والسلوك.

 

كما يمكن أن يُرجأ أسباب ازدواجية التفكير إلى نوعية الأفكار والمعتقدات التي يحملها الفرد، فحين يتركز التفكير في العقبات والتحديات التي يمكن أن تقف عائقا أمام تحقيق الفرد لطموحاته، أو سيطرة رؤاه المتضادة، فيتكون لديه الخوف من عدم القدرة على تحقيق أهدافه، فيصل إلى حالة من التردد والتشتت في أفكاره، فيظهر ذلك في سلوكه، وينعكس سلبًا على قراراته، كما يؤثر على دافعيته. 

 

ومما لا شك فيه، تأثر المحيطين بتلك الشخصيات ذات الازدواجية في التفكير، وينسحب ذلك على جودة الإنتاج في العمل؛ نتيجة الاختلاف في الرؤى وتعدد الخلفيات الثقافية، أو أنماط الشخصيات المختلفة،  أو عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات، فيتولد عنه حالات من سوء الفهم، ونشوء الصراعات بين العاملين، فينتج عنه صعوبة في التواصل، أو ضعف القدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة الثقة في الآخرين، وقلة فاعلية فرق العمل، وهذا بدوره يؤثر على قدرة الأعضاء على الابتكار والإبداع، بما يعيق وصول المؤسسة إلى غاياتها، وتحقيقها لرؤيتها.

 

وفي ضوء ما تم بيانه من تحديات أو انعكاسات غير محمودة قد تنجم عن ازدواجية التفكير، نُوجه بضرورة البحث عن الاستراتيجيات والأساليب للحدّ من شيوعها، أو وضع الخطط اللازمة للتعامل معها بحكمة  للتقليل من آثارها، ومن تلك الأساليب، نقترح إيلاء برامج التطوير المهني أهمية؛ بالتركيز على تنمية قدرات العاملين على مهارات التواصل الفعّال، والقدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار، وتقبّل وجهات النظر المتباينة، وتحديد المهام والأدوار المطلوبة من العاملين بدقة، وخلق بيئة عمل مشجعة للحوار والنقاش الهادف، ومحفزة على التعاون البناء. 

 

كما نوصي العاملين بضرورة فهم أنفسهم وفهم الآخرين، وتحديد نقاط القوة في شخصياتهم واستثمارها، وتحديد أولويات التطوير والارتقاء بها، كذلك التعامل بمهنية في المواقف المشتركة، والوعي بأننا مختلفون وفي اختلافاتنا حكمة، تفضي إلى الإبداع متى ما تم توظيف ذلك باحترافية، وتجنب تحويلها إلى خلافات تقيّد الإتيان بالأفكار الإبداعية، والتفكير الإيجابي في القضايا المحورية، بما يُعزز من جودة الأداء الفردي، ويُحقق التوازن بين الأهداف الشخصية والأهداف المؤسسية، بما ينعكس إيجابًا على تحقيق الأهداف المرجوة بكفاءة وفاعلية. 

 

ختامًا: ازدواجية التفكير من المفاهيم المُدركة في الحياة العامة وفي الحياة الوظيفية، ولا ينبغي أن تكون نمط حياة يثير التناقضات، أو تقنية مصطنعة  تخلق الصراعات، بل لا بد من استثمارها وتوظيف التفكير المتضاد بإبداعية، في البحث عن الحلول الممكنة  للمواقف اليومية، والتفاعل والتعاون مع الآخرين بمرونة وإيجابية، وتعزيز المهارات التواصلية، والعمل للدفع بالمؤسسة لتحقيق الميزة التنافسية، بما يضمن لها البقاء والاستمرارية، على المستوى المحلي وفي التصنيفات العالمية.






إرسال تعليق عن هذه المقالة