"كورونا" كسر الحواجز وفتح الطريق للولوج بالتعليم إلى مسارات جديدة
التعليم الإلكتروني في جامعة نزوى ... يستشرف مرحلة عمل جديدة
خطط لتوسيع وتحسين برامج التعليم والاستثمار في التقنيات والمنصات وتطوير دورات وبرامج جديدة
تعزيز الشراكة مع المؤسسات والمنظمات الأخرى لتقديم مجموعة واسعة من الفرص التعليمية
محمود الوائلي - عميد عمادة التعليم الإلكتروني: العمل جارٍ على إعداد برامج ومقررات للتعليم عن بعد بالتعاون مع كليات الجامعة
نصر بني عرابة: تجربتي الأولى في التعلّم عن بعد كانت استثنائية
نسيبة السيابية: الاستغناء الكلي عن حضور الطلبة للفصول الدراسية ليس رأياً راجحاً
روان الهاشمية: الطالب يمتلك القدرات التي تؤهله للتأقلم مع أساليب التعليم الحديثة
إشراقة- استطلاع الرأي
انتهت جائحة كورونا وخلفت وراءها العديد من التساؤلات عن مستقبل التعليم، ففي الوقت الذي كان العالم يصارع من أجل الحياة وما تطلبه الأمر من انعزال وحظر للتجمعات والبقاء في المنازل، ظهرت الحاجة إلى استمرار الحياة من وراء الجدران، وكان توفير التعليم أحد أهم التحديات التي تم مواجهتها والتغلب عليها، الأمر الذي فتح آفاقا جديدة لاستخدام التقانة في مجال التعليم، وجعلها نافذة للوصول إلى مختلف العلوم من مختلف البلدان دون الحاجة إلى السفر والحضور في مكان الدراسة.
في ذلك الوقت كانت جامعة نزوى تعمل هي الأخرى على إيجاد البدائل التي يمكن أن تدفع بالمسارات التعليمية، واستثمار الإمكانيات المادية والبشرية التي تعزز من قدراتها في استثمار التقانة الحديثة بتوفير الحلول والبرامج الناجعة لضمان عدم توقف العملية التعليمية، فكانت على مستوى الحدث والمسؤولية، فعمدت إلى توفير كل السبل التي أتاحت للجميع فرص التعليم على بعد.
ماذا فعلت جامعة نزوى، وكيف واجهت التحديات فترة الجائحة، وما مدى تقبل طلبة الجامعة وأساتذتها للتعلم عن بعد، وهل تخطط الجامعة إلى جعل التعليم الإلكتروني أحد أهم ركائز التعليم فيها؟ إشراقة استطلعت آراء عدد من المختصين بجامعة نزوى، وكان لها لقاءات عدة مع طلبة الجامعة وأساتذتها، ووقفت على العديد من التفاصيل والجهود التي بذلت في تلك الفترة.
توجه عالمي نحو التعليم الإلكتروني
الدكتور محمود الوائلي، عميد عمادة التعليم الإلكتروني بجامعة نزوى، قال: "لقد نماء التوجّه العالمي لِخيار التعليم عن بعد على مستوى العالم في العقود القليلة الماضية، والمؤشرات العالمية تشهد بارتفاع هائل في عدد الدورات والمؤهلات التي تقدم بنمط التعليم عن بعد، ولكن الزيادة الهائلة حدثت بشكل كبير في أثناء جائحة كورونا COVID-19 وفقًا للبيانات الحديثة. من المتوقع أن يصل حجم السوق العالمي للتعليم عبر الإنترنت إلى 325 مليار دولار بحلول عام 2025، كما يتوقع أن يزيد عدد الطلبة الذين يأخذون دورات عبر الإنترنت إلى أكثر من 100 مليون بحلول عام 2025؛ لذلك نرى أن لا مناص من تفعيل وتطبيق التعلم عن بعد في التعليم العالي، بل نرى أن الجامعات بشكلها الحالي لن تستمر طويلا، إذ من المتوقع أن تتبنىّ جامعات المستقبل online micro-credentials".
وعن بداية الجامعة مع التعليم عن بعد قال الوائلي: "بدأت الجامعة بتقديم برامج التعليم عن بعد منذ سنوات عدة، وكان لها السبق في هذا المجال مقارنة بالعديد من المؤسسات الجامعية في السلطنة، ومن بين تلك البرامج التي أشرفت عليها الجامعة برامج كلية العلوم الصحية بالجامعة؛ إذ كانت الحاجة إلى تلك البرامج بنمط التعليم عن بعد مدفوعة بعدد من العوامل، بما في ذلك الطلب المتزايد على التعليم المرن والسهل، والأهمية المتزايدة للتكنولوجيا في التعليم، والحاجة إلى الوصول إلى جمهور أوسع من المتعلمين. كما فرضت الجائحة على الجامعة تحويل كافة المقررات إلى نمط التعليم عن بعد؛ مما كان له الأثر الإيجابي في تكييف المحتوى والأنشطة والتكليفات لتناسب أسلوب التعلم عن بعد".
مستقبل التعليم عن بعد في جامعة نزوى
وأضاف عميد عمادة التعليم الإلكتروني بالجامعة: "لا يخفى عليكم المزايا التي يتمتع بها التعليم عن بعد، إذ يوفر عددًا من الفرص، بما في ذلك زيادة إمكانية الوصول إلى مختلف العلوم والمرونة في دراستها، وانخفاض التكاليف، والقدرة على الدراسة وفقًا لإمكانيات وقدرات واهتمامات الطالب الخاصة، وفرصة التعلم من خبراء ومدربين من جميع أنحاء العالم؛ لذا تخطط الجامعة لمواصلة توسيع وتحسين برامج التعليم عن بعد، بما في ذلك الاستثمار في التقنيات والمنصات الجديدة لدعم التعلم عن بعد، وتطوير دورات وبرامج جديدة، والشراكة مع المؤسسات والمنظمات الأخرى لتقديم مجموعة واسعة من الفرص التعليمية".
وقال أيضًا: "تعمل العمادة بالشراكة مع مختلف كليات الجامعة في تصميم برامج ومقررات للتعليم عن بعد يتم تصميمها بناء على أفضل الممارسات في هذا الشأن؛ وذلك بتوظيف التقنيات المناسبة، وتضطلع العمادة أيضا بمهام تتعلق بأتمتة العمليات المرتبطة بالتعليم والتعلم؛ بهدف تسهيل وتخفيف العبء على المحاضرين، وكذلك للاستفادة القصوى من البيانات الرقمية الناشئة عن أتمتة تلك العمليات بهدف وضع خطط أكثر دقة. كما تشجع الجامعة توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم بهدف تحقيق الاستفادة القصوى منها وكذلك توظيفها بالشكل الصحيح والنزيه".
تدريب وتأهيل
ويواصل الدكتور محمود الوائلي، عميد عمادة التعليم الإلكتروني بالجامعة، حديثه قائلا: "بشكل عام، أصبح أعضاء هيئة التدريس والطلبة أكثر تقبلا لنمط التعلم عن بعد، وربما كان للجائحةِ أثر كبير في ذلك. ومع ذلك، ما يزال هناك بعض المقاومة، لا سيما فيما يتعلق بنوعية أسلوب وآلية تنفيذ التدريس، إذ إنه ما تزال هناك حاجة ماسة لتوظيف التفاعل والمشاركة في أثناء المحاضرات عن بعد. كذلك قد يشعر بعضهم بصعوبة في تحقيق المشاركة والتفاعل بسبب محدودية الأدوات التي يستخدمونها ويوظفونها في أثناء التعليم عن بعد، ولِمعالجة مثل هذه الجوانب لا بد أن نعمل على جذب المعلمين والطلبة إلى خوض التجربة، فمن المهم التعريف بأهمية التعليم عن بعد وفوائده، وكذلك طرق تنفيذه وتوظيفه بالشكل الصحيح، على سبيل المثال تعريفهم بإيجابيات التعليم عن بعد، مثل: المرونة وإمكانية الوصول والقدرة على تحمل التكاليف. ومن المهم أيضًا توفير تدريب ودعم فعّالين للهيئة الأكاديمية والطلبة، للتأكد من أن لديهم المهارات اللازمة في استخدام منصات التعلم عن بعد. بالإضافة إلى ذلك، من المهم تقييم تجربة التعلم عن بعد وتحسينها بانتظام، بناءً على الملاحظات الواردة من المعلمين والطلبة للتأكد من أن التعليم عن بعد المقدم لهم مناسب لتحقيق الأهداف وفعال وذو جودة عالية".
تجربة أولى
كانت تجربة الطلبة في التعلم عن بعد قد بدأت مع الحاجة إليها لمواجهة تبعات الجائحة، وقد اضطر الطلبة إلى خوض التجربة، وكانت آراؤهم تجاهها متباينة، يقول الطالب نصر بني عرابة: "إن تجربتي الأولى في التعلم عن بعد كانت تجربة استثنائية بمعايير مختلفة، آنذاك -كونها أول تجربة- لم أتقبلها بتلك الصورة المطلوبة، ولكن بالرغم من ذلك تكيّفت مع التعلم عن بعد حفاظا على سلامتي وسلامة عائلتي من جائحة كورونا، وعلاوة على ذلك هذه التجربة علمتني الاعتماد على الذات في التعلم والتفاعل مع المعلم في الشرح، أي لا نكتفي بالاستماع فقط دون المناقشة والبحث الذي يكشف لك الكثير، وتعلمنا كذلك كيفية استخدام هذه المنصات لأن تخصصاتنا متعلقة بالتربية، فكان لا بد من التعلم بهذا النوع".
وتشاركه الرأي الخريجة هناء النبهانية: "في البداية كان الأمر مستنكراً بالنسبة لي، بسبب عدم الجاهزية التامة من قبلي ومن قبل المدرسين، وكنا نواجه بعض الصعوبات سواء في فهم المادة العلمية أم تنفيذ المشاريع وأداء التقييمات، ناهيك عن المشاكل التقنية التي كنا نواجهها بسبب أعطال الشبكة أو المنصات، والمشاكل التي تظهر في أثناء أداء الاختبارات والتقييمات، فقد فقدت أنا وبعض زملائي العديد من الدرجات بسبب خلل ظهر في "المودل" في أثناء أداء الاختبار النهائي لأحد المساقات، مما حرمنا من إكماله والحصول على درجاتنا المستحقة فيه، وسبَّب ذلك لنا توتراً وخوفاً من تكرار الخطأ في المساقات اللاحقة ... ولكن هذه التحديات لم تكن عائقاً لإكمال دراستي والتفوق فيها، فالجميع مجبر على التعلم عن بعد بسبب الوضع الصحي آنذاك؛ ولذلك تعايشنا مع الوضع، وصار المدرسون أكثر تفهماً لما قد يواجه الطالب، ومع استمرار جهود الجامعة في تحسين العملية التعليمية، استطعت التأقلم على الوضع وتحسين أدائي والاستفادة من التعليم عن بعد".
وتقول روان الهاشمية: "تجربتي مع التعلم عن بعد ممتازة، تعلمت منها كيفية الاعتماد على النفس في المذاكرة وطبقت أسلوب self-study … وبما أنه كانت أغلب المهام ما بين إعداد البحوث والعروض، زادت عندي المعرفة في المجال - كلما زاد البحث عن الموضوع، زادت المعرفة فيه - لذلك بالنسبة لي كانت تجربة ناجحة جدًا جدًا".
في حين تقول الطالبة نسيبة السيابية: "كانت تجربة التعليم الإلكتروني جديدة بالنسبة لي ولِكثير من الطلبة، وقد واجهنا تحدّياً في البداية لتعلُّم طريقة التعامل مع المنصات، والإلمام بمتطلبات التعليم عبر الشبكة، وتحدياً آخر من ناحية الالتزام بالحضور. وبطبيعة الحال، فإن أكثر الطلبة افتقدوا الحضور الحي في قاعات المحاضرات، الذي أعدُّه أفضل وأكثر فعالية، فهو يضمن التفاعل المباشر مع المعلم، إلى جانب تفعيل الأنشطة الصفية والمشاركات وتبادل الأفكار". وتضيف: "وعلى الرغم من أن هذه التجربة التي كانت بواقع الحال إجبارية، كانت هي الخيار الأفضل، غير أنها أنتجت عدداً من السلبيات، أرى أنها جاءت نتيجة عدم الاستعداد لها، فالتعليم عن بُعد يعوق التواصل الاجتماعي، ويصعِّب على الطلبة العملية التعليمية، خصوصاً إذا تعلق الأمر بتلك المقررات التي تحتاج إلى تطبيقات وممارسات عملية".
بين موافق ومعارض
سؤالنا الأخير للطلبة كان عن انتقالهم بالتعليم التقليدي إلى التعليم الإلكتروني، وما إن كانوا يشجعون على ذلك … وقد تباينت الإجابات بين من يرى أنها فرصة كبيرة وتجربة رائدة في العصر الحديث، وبين من يرى أنه لا غنى عن التعليم التقليدي والحضوري في المؤسسة التعليمية.
يقول نصر بني عرابة: "إن العصر الحالي تطور بشكل مغاير عما كانت عليه العصور الماضية، ويجب علينا كطلبة أن نواكب هذا التطور والتعلم بما هو مناسب لنا، فقد أصبح من الضروري استخدام المنصات التعليمية والتعلم عن بعد؛ وذلك لأسباب عدة، من ضمنها: دخول التكنولوجيا الحديثة في نظام التعليم، وهنا لابد من تعلّم كيفية استخدام النظام المناسب للتفاعل مع الآخرين، وهناك جوانب عديدة يمكن أن تلتمس من طريقها ممارسة التعلم الرقمي". ويضيف: "نشجع على استخدام مثل هذه المنصات بشكل مباشر، ولكن ليس بكثرة؛ كون الظروف تختلف من منطقة إلى أخرى وتختلف احتياجات المجتمع، فهناك من يحتاج جهاز حاسب آلي، وهناك من يحتاج هاتف نقّال، وهناك من يحتاج شبكة إنترنت … وغيره".
وتقول الطالبة نسيبة السيابية: "يمثل التعليم عن بُعد تحدياً كبيراً على مستوى الممارسة التطبيقية في التعليم، فالأمر ليس بالسهل ولا يغني عن الحضور الفعلي، ومثلما أفرز التعليم عن بعد العديد من الإيجابيات التي جعلتْ كثيرين ينادون باستمرارية التعليم الإلكتروني ولو جزئياً، ولكني لا أشجع على ذلك. أنا أعرف أن لحضور الطالب إلى الفصل الدراسي فوائد جمة ومنافع تربوية واجتماعية وتعليمية كبيرة، وأن الاستغناء عن حضور الطلبة إلى قاعات التعلم له سلبيات كبيرة؛ لذلك أعتقد أن الاستغناء الكلي عن حضورهم إلى الفصول الدراسية ليس رأياً راجحاً".
وتشاركها الرأي الخريجة هناء النبهانية، وتضيف عليها: "بالنسبة لتخصصي صناعة الحلي والمجوهرات والتخصصات المشابهة له، فأنا لا أشجع على ذلك، كون التخصص عملي بنسبة ٧٠٪، فحتى في المواد النظرية، قد يتوجب على الأستاذ شرح جزئيات معينة مستخدماً مجسمات أو أجهزة لا توجد لدى كل طالب، وشرح هذه الأشياء عن بعد قد يقلل من استيعاب الطلبة لِخصائصها وتكويناتها، بل يحرمهم من تجربة استخدامها لفهمها بشكل أفضل؛ لذا أرى أن تحويل هذه المواد لنظام التعليم عن بعد قرار غير صائب قد يقلل من كفاءة تدريس وتعلم بعض المساقات".
روان الهاشمية لها وجهة نظر مغايرة؛ إذ تقول: "حاليًا في عصر النهضة الرقمية، الطالب يستطيع التأقلم بسرعة مع هذا النوع من التعليم؛ لأنه في حياته العادية أساسا يستخدم الإنترنت والمنصات الإلكترونية بشكل دائم؛ لذا يصعب عليه أمر التعلم عبر المنظومات الحديثة، والطالب يحتاج بين فترة وأخرى أن يجرب نوعا آخر من التعلم بعيدًا عن التلقين وأسلوب الاستماع في الدراسة الاعتيادي، كذلك لا ننسَ مزايا التعلم عن بعد المتمثلة في تمكين الطالب من الاعتماد على نفسه في طلب المعلومة، وازدياد حجم المعرفة من طريق البحث والسؤال، كذلك يمكن في التعلم عن بعد سهولة الرجوع إلى شرح المحاضرات؛ لأن جميعها تكون مسجلة؛ خصوصا في وقت الاختبار. أضف إلى ذلك رجوع الطالب إلى العيش مع أهله خاصة في حال كان مغتربا وما لذلك من آثار نفسية واجتماعية عليه".